منذ عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 / 10 / 2023 في قطاع غزّة ضد الجيش الإسرائيلي، الذي كان وما يزال يفرض حصاراً خانقاً على القطاع، ويستهدف المقاومة في الضفّة الغربية وبقية أنحاء فلسطين المحتلة، جرت محاولات عديدة وعقدت عدّة جلسات تفاوض بين ممثلين عن حركة حماس وآخرين عن الجانب الإسرائيلي، برعاية أميركية، من أجل التوصّل إلى قرار لوقف إطلاق النّار وإعادة الأسرى الذين تحتجزهم الحركة، لكنّ كلّ تلك الجلسات باءت بالفشل، وآخرها الجلسة التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة وكان مصيرها مشابهاً لما سبقها من جلسات.
فشل جلسة أمس أعلنه المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشّرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بسحب الفريق التفاوضي الأميركي من الدوحة، مبرّراً ذلك بالردّ الذي قدمته حركة حماس بشأن مقترح وقف إطلاق النّار في قطاع غزّة، ومشيراً إلى أنّ هذا الرد “يُظهر بوضوح عدم رغبتها في التوصل إلى وقف لإطلاق النّار”، ومعتبراً أنّ موقف الحركة “يعكس غياب الجدّية في إنهاء النزاع”، وصولاً إلى حدّ توجيهه رسائل تهديد إلى الحركة بأنّ إدارة بلاده “ستبدأ بدراسة خيارات بديلة لإعادة الرهائن إلى ديارهم”، من غير أن يكشف ما هية هذه الخيارات.
غير أنّ عدم الجدّيّة في التفاوض الذي اتبعته حركة حماس في جلسات التفاوض لم يكن أكثر من طلبها الحصول على ضمانات مقابل إعادة الأسرى، أولها وقف عدوان إسرائيل على القطاع، وانسحابها من المناطق التي احتلتها فيه، وتنفيذ القرارات الدولية بعدالة وليس لمصلحة الجلّاد على حساب الضحايا، وهو ما رفضته إسرائيل بشدّة ومن ورائها الولايات المتحدة وسواهما من الوسطاء والموفدين، الذين طالبوا الحركة بقبول غير مشروط بقرار وقف إطلاق النّار يشبه الإستسلام الكامل، خصوصاً أنّ شروطاً أخرى طالبت فيها إسرائيل لإرساء وقف نهائي لعدوانها، أبرزها تسليم حماس سلاحها وإخراج مقاتليها من القطاع قبل تسليمه إلى طرف ثالث، عربي أو دولي، يدير شؤونه في المرحلة المقبلة.
بعد أقلّ من سنتين على عملية طوفان الأقصى، والدّمار الهائل الذي شهده والشّهداء الذين سقطوا ضحية العدوان الإسرائيلي، لم تعد المقاومة في قطاع غزّة تستطيع أن تقبل أقلّ من “تسوية” تحفظ التضحيات التي قدمتها وأهالي القطاع الذين يتعرّضون لحصارٍ قاس ٍومجاعة قلّ نظيرها في العصر الحديث، وعلى مرأى ومسمّع العالم الذي لم يحرّك ساكناً، معتبرة أنّ تقديم أيّ تنازلات تحفظ الحد الأدنى من هذه التضحيات هي خيانة بكل معنى الكلمة، وتمهّد لمجازر وعمليات تهجير واسعة لسكان القطاع لا تخفي إسرائيل أنّها تسعى إليها بكلّ جهدها.
غياب الضمانات المذكورة يجعل قوى المقاومة، في قطاع غزّة أو لبنان أو غيرهما، ترفض بشكل قاطع القبول بأيّ تسويات تُعرض عليها، أو التوصّل لمعالجات وحلول من شأنها أن توقف القتل والدمار والتهجير، وهي ضمانات رفضت إسرائيل وحلفائها والوسطاء والموفدين تقديمها، ما سيجعل المنطقة تستمر في الدوران ضمن دائرة من العنف الذي يمارسه المحتل وداعميه بلا رحمة طيلة المرحلة المقبلة.
موقع سفير الشمال الإلكتروني