فيما دخل الوضع في حال انتظار للردّين الأميركي والإسرائيلي على ردّ لبنان على المقترحات التي نقلها الموفد الرئاسي الأميركي توماس برّاك، تنطلق مشاورات بين المسؤولين وفي الأوساط السياسية استعداداً لما ستكون عليه المرحلة المقبلة في ضوء الردّين المنتظرين، فيما يستمر الخرق الإسرائيلي المتمادي لوقف إطلاق النار والقرار الدولي 1701.
وعلى رغم من الانطباع الإيجابي الذي أضفاه توم برّاك على نتائج زيارته للبنان، أبدت مصادر سياسية عبر «الجمهورية» شكوكها في طريقة تعامل الإدارة الأميركية مع ملف وقف اطلاق النار والمطالب اللبنانية. ولاحظت أنّ وقائع الأيام الأخيرة أكّدت استمرار انحياز واشنطن الجامح إلى طروحات إسرائيل. فصحيح أنّ برّاك أثنى بنحو لافت على دور لبنان الرسمي وجهود الجيش اللبناني في العمل على تنفيذ بنود الاتفاق على وقف إطلاق النار، إلّا أنّه لم يقدّم أي جواب أو أي وعد بالضغط على إسرائيل لتطبيق البنود التي يطالب بها لبنان، ولا سيما منها الانسحاب الكامل ووقف الاعتداءات وإتاحة المجال لإعادة الأهالي إلى قراهم كافة، والمباشرة في إعمار ما تهدّم.
وفي إشارة أولى إلى تفهّم الموقف اللبناني، قالت المصادر، «كان يمكن لواشنطن أن تعيد الحياة إلى لجنة مراقبة اتفاق وقف النار، التي يرئسها ضابط أميركي، لتتكفّل برعاية الوضع، بدلاً من ترك الساحة خالية لإسرائيل. وعلى العكس، نفّذ الإسرائيليون في يوم زيارة برّاك عمليات برية هي الأوسع نطاقاً في لبنان منذ أشهر».
وتخشى المصادر أن تكون واشنطن في صدد سياسة تقضي باستمالة لبنان سياسياً، ولكن بإطلاق يد إسرائيل عملانياً لدفعه إلى تقديم التنازلات في ملف السلاح وربما ملفات أخرى. وهذه الازدواجية هي نفسها التي يجري التعامل بها مع إيران.
الخارجية الأميركية
وفي هذه الأثناء، لم يصدر عن الإدارة الأميركية رسمياً بعد اي تعليق على الردّ اللبناني، ولكن كل ما يقوله المسؤولون الأميركيون هو أنّ برّاك «كان راضياً بمقدار كبير عن الردّ الأولي للحكومة اللبنانية، لكننا في حاجة الآن إلى الدخول في التفاصيل».
وشدّد متحدث باسم الخارجية الأميركية رفض الكشف عن اسمه، على «أنّ الولايات المتحدة لا تريد ان ترى «حزب الله أو أي جماعة إرهابية أخرى في لبنان تستعيد قدرتها على ارتكاب أعمال عنف وتهديد الأمن في لبنان أو إسرائيل.» وقال: «نريد من الدولة اللبنانية أن تبذل مزيداً من الجهود لإزالة كل الأسلحة والبنى التحتية التابعة لـ«حزب الله» والجهات غير الحكومية في كل أنحاء البلاد». وأضاف: «على الصعيد الأمني، أحرز الجيش اللبناني تقدّماً في نزع سلاح «حزب الله» في الجنوب، لكن لا يزال هناك الكثير الذي يجب القيام به على المستوى اللبناني. فالإصلاحات الأمنية وحدها لا تكفي. فعلى لبنان أن يُقرّ عاجلاً إصلاحات اقتصادية وقضائية أساسية لتأمين الاستقرار المالي واستعادة ثقة المجتمع الدولي. وعلى البرلمان أن يتحرك بسرعة لإقرار قانون إعادة هيكلة المصارف وقانون استقلالية القضاء».
مؤتمر اوروبي ـ عربي
في غضون ذلك، قال رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون خلال لقائه مع وفد أوروبي وسفراء الاتحاد الأوروبي: «نطالب الاتحاد الأوروبي بدعم لبنان في استعادة كامل أراضيه وبسط سيادة الدولة اللبنانية عليها، بما يشمل كافة المناطق دون استثناء، وذلك عبر إطلاق مبادرة شاملة لدعم الجيش اللبناني، بما يملكه من دور أساسي في حفظ الأمن والاستقرار، وتزويده بكل الوسائل اللوجستية والتقنية والمالية اللازمة». وحذّر من «أنّ غياب الجيش اللبناني عن بعض المناطق أو إضعاف حضوره قد يؤدي إلى تدهور كبير في الوضع الأمني، ما سينعكس سلبًا ليس فقط على لبنان، بل على استقرار المنطقة بأسرها، وهو أمر لا يرغب به أحد من شركائنا أو من الأسرة الدولية».
ودعا عون الاتحاد الأوروبي إلى «رفع أي عقوبات أوروبية مفروضة على لبنان، والعمل مع الشركاء العرب والدوليين لعقد مؤتمر أوروبي – عربي مخصص لإعادة إعمار لبنان وإنعاش اقتصاده، وذلك بالتوازي مع مسيرته نحو استعادة سيادته الكاملة أمنياً وعسكرياً».
أما على صعيد الإصلاحات الاقتصادية، قال عون إنّ «قانون هيكلة المصارف بات في مراحله المتقدّمة داخل مجلس النواب، ونأمل أن يتمّ إقراره سريعًا مع نهاية الشهر الحالي. كذلك، نعمل ضمن مجموعة مركّزة ورفيعة المستوى على وضع اللمسات الأخيرة على قانون الفجوة المالية، كجزء من خطة متكاملة للإنقاذ المالي».
أين الحرب الاهلية؟
وفي المواقف، أكّد رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع أمس، أنّ الهدف المشترك بينه وبين رئيس الجمهورية هو «بناء دولة فعلية»، لكنه أشار إلى وجود اختلاف في مقاربة الملفات، موضحًا «أنّ فخامة الرئيس يخاف أكثر من اللزوم من احتمال اندلاع حرب أهلية». وتساءل جعجع: «أي حرب أهلية إذا كانت الدولة تسعى فقط إلى تطبيق القوانين والدستور والاتفاقيات التي التزمت بها؟»، لافتًا إلى أنّ «أكثر من 70% من اللبنانيين يريدون دولة حقيقية، وجميع دول العالم، باستثناء إيران، تدعم هذا المسار». وأضاف: «هل علينا التضحية بكل هذا فقط خوفًا من حرب أهلية؟ أين هي الحرب الأهلية؟».
وشدّد جعجع على «أنّ قيام الدولة اللبنانية بنزع سلاح أي فصيل مسلح لا يُعدّ حربًا أهلية، بل ممارسة طبيعية لسلطة الدولة على أراضيها». وقال: «على الدولة أن تتصرف كدولة، وتفي بتعهداتها أمام شعبها والمجتمع الدولي. فلا دولة من دون سلطة».
وفي السياق ذاته، كشف جعجع أنّ الموفد الأميركي، توم برّاك، قال بوضوح في مجالسه الخاصة كما في العلن: «هذا البلد هو بلدكم، وملف السلاح شأن لبناني. وإذا لم تتحركوا، فإنّ الولايات المتحدة ستنسحب من الملف اللبناني وتتركه لمصيره».
وشدّد جعجع على أنّ «لا أحد يملك حق تلزيم لبنان لسوريا أو إلى أي دولة أخرى، طالما أنّ هناك لبنانيين موجودين على الأرض ويعملون للحفاظ على السيادة». وختم بالتشديد على أهمية نجاح عهد الرئيس عون قائلاً: «هذا العهد عهدنا، ويهمّنا كثيرًا أن ينجح، وبكينا وتعبنا لنصل إلى هنا. والأمر ذاته ينطبق على رئيس الحكومة نواف سلام. لذلك أقول ما أقوله، لأنّ هناك أمرًا واقعًا يجب تصحيحه، وإن لم يُصحَّح، فسيُدفع لبنان نحو التبعية لسوريا، أو لإسرائيل، أو لأي دولة أخرى، وهو ما لن نقبل به».
الموقف الإسرائيلي
على صعيد موقف تل ابيب، نقلت قناة «الحدث» عن «مسؤول إسرائيلي كبير» قوله «إنّ الواقع في لبنان تغيّر جذرياً، وإنّ إنجازات الجيش الإسرائيلي تساعد بالتوصل لمستقبل أفضل». وأضاف: «انهيار محور إيران وإنجازاتنا في لبنان سيساعدان حكومته بتنفيذ القرار 1701». وأكّد أن «لا نية لدينا لهجوم بري جنوب لبنان، لكننا جاهزون لأي احتمال». وقال: «نتوقع من الجيش اللبناني الاستمرار في جمع سلاح «حزب الله»، وعندما يستكمل الجيش اللبناني مهمته بحسب الاتفاق سننسحب من الجنوب ونوقف الاستهدافات». وأشار إلى «أنّ اسرائيل سوف تهاجم كلّ ناشط لحزب الله أو بنية تحتية له حسب اتفاق وقف النار». وقال: «إنّ الحكومة اللبنانية جادة في تفكيك قدرات «حزب الله» العسكرية في الجنوب. وإنّ اسرائيل تثمّن جهود الجيش اللبناني بجمع سلاح الحزب في الجنوب».
«اليونيفيل» مجدداً
إلى ذلك، أعلن الناطق الرسمي باسم «اليونيفيل» أندريا تيننتي في بيان، انّ اشخاصاً مدنيين اعترضوا صباح امس جنوداً من قوات «اليونيفيل» قرب وادي جيلو «بينما كانوا يقومون بدورية مُخطّط لها». وقال إنّ «هذا النشاط نُسّق مسبقاً مع القوات المسلحة اللبنانية، دعماً لتطبيق لبنان لقرار مجلس الأمن الدولي 1701». وأضاف انّ «الوضع كان هادئاً في البداية، ولكن سرعان ما بدأ الأفراد برشق جنود حفظ السلام بالحجارة، مما اضطرهم إلى تفريق الحشد بالدخان لحماية أنفسهم من الأذى»، مشيراً إلى انّ «القوات المسلحة اللبنانية وصلت إلى مكان الحادث، وتمّت السيطرة على الوضع. وكما أوضحت الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني، يمكن لجنود حفظ السلام التحرّك بنحو مستقل في جنوب لبنان لأداء واجباتهم لاستعادة الأمن والاستقرار بموجب القرار 1701، ولا يحتاجون إلى مرافقة جنود لبنانيين».
تعيينات
وكان عون التقى أمس رئيس الحكومة نواف سلام في بعبدا، وناقشا ملف التعيينات المالية والقضائية في ضوء توجّه مجلس الوزراء إلى إقرارها في الجلسة التي سيعقدها اليوم في القصر الجمهوري.
المهرجانات انطلقت
افتُتحت مساء أمس مهرجانات بيت الدين، بأمسيّة بعنوان «ديوانية حبّ»، بحضور رئيس الحكومة نواف سلام وعقيلته، والسيدة الأولى نعمت عون، والرئيس فؤاد السنيورة وعقيلته، ورئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» السابق وليد جنبلاط. وتخلّل الأمسيّة التي أحيتها كلّ من جاهدة وهبة ولبانة القنطار وريهام عبد الحكيم، توجيه تحيّة خاصة للسيّدة فيروز.