مع أن الغارات الإسرائيلية على مواقع “حزب الله” ومناطق عدة في الجنوب والبقاع الشمالي لم تنقطع حتى عشية زيارة الموفد الأميركي إلى بيروت توم برّاك، فإن إسرائيل تعمدت على ما يبدو إطلاق رسالة متطورة ميدانية في الساعات الأخيرة من وجود برّاك في بيروت. ففي الوقت الذي كان فيه الموفد الأميركي يهم بمغادرة مطار بيروت عصر أمس مختتماً زيارته، شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي غارة في عمق قياسي في لبنان في العيرونية- قضاء زغرتا قرب طرابلس، حيث اغتال مسؤولاً في حركة “حماس” بما شكّل رسالة ميدانية واضحة حيال “الساحة المفتوحة” أمام إسرائيل غداة تسلّم برّاك الردّ اللبناني على ورقته متضمناً موقف السلطة اللبنانية من موضوع سلاح “حزب الله”. ومع أن الجهات اللبنانية المعنية لم تكن تراهن على توقف الغارات والعمليات الإسرائيلية أقلّه في وقت قريب، فإن الغارة الإسرائيلية في العمق النائي للشمال بعيداً من خطوط جنوب الليطاني وشماله رسمت عنواناً ساخناً حيال مرحلة انتظار السلطة اللبنانية للردّ الأميركي على الردّ اللبناني، والذي تعهّد برّاك بإرساله عبر السفارة الأميركية بعد درسه ومراجعته من دون تحديد موعد محدد لذلك.
وبحسب شهود عيان، حصل مشهد ناري مروّع على طريق بلدة العيرونية في منطقة طرابلس شمال لبنان، بعد أن تعرّضت سيارة مدنية للاستهداف المباشر ما أدى إلى اشتعالها بالكامل.
وفي وقت لاحق، أعلنت القوات الجوية الإسرائيلية أن طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيليّ قصفت عنصرًا بارزًا في تنظيم “حماس” في منطقة طرابلس شمال لبنان. وأفاد الإعلام الإسرائيلي أن الغارة استهدفت القيادي مهران مصطفى بعجور رئيس قسم التخطيط في “حماس”. وأفيد عن سقوط قتيلين آخرين في الغارة، هما عمر زهرة من باب التبانة وعلي حموي الذي كان في السيارة المستهدفة مع مهران، و13 جريحاً إلى جانب المستهدف من حركة حماس بالغارة.
وكانت مسيّرة إسرائيلية ألقت سابقاً قنبلة صوتية في اتجاه بلدة الضهيرة الجنوبية الحدودية. وكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر منصة “إكس”: “خلال ساعتيْن جيش الدفاع يقضي على قائد في قوة الرضوان وعلى عنصر آخر من حزب الله الإرهابي. وهاجم جيش الدفاع يوم أمس في منطقة دير كيفا في جنوب لبنان وقضى على المدعو علي عبد الحسن حيدر قائد في قوة الرضوان التابعة لحزب الله الإرهابي. لقد دفع الإرهابي بمخططات إرهابية عديدة ضد مواطني إسرائيل وقوات جيش الدفاع ومن بينها خطة احتلال الجليل. على مدار الأشهر الأخيرة تورّط في محاولات إعادة إعمار بنى تحتية إرهابية لحزب الله في جنوب لبنان حيث شكلت أنشطة حيدر خرقًا فاضحًا للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان”.
جولة براك
أما الموفد الأميركي توم برّاك، فاكمل جولته أمس لليوم الثاني والأخير في لبنان، حيث زار قائد الجيش العماد رودولف هيكل في اليرزة، في حضور السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون. كذلك أفيد أن برّاك زار منطقة جنوب الليطاني وأثنى على دور الجيش اللبناني في المنطقة.
وقبيل مغادرته بيروت، جدّد براك تأكيده ضرورة أن يقتنص لبنان الفرصة المتاحة أمامه اليوم عبر النافذة المفتوحة على إيجاد حلول للأزمات التي يرزح تحتها على مختلف الصعد. وشدّد في لقاء خاص حرص على عقده مع مجموعة ضيقة من الصحافيين المتخصصين في الشأن الاقتصادي، على ضرورة أن يتمسك اللبنانيون بالأمل لمواكبة المتغيّرات الحاصلة حولهم، تمهيداً لمواكبتها عبر المضي في حزمة الإصلاحات المطلوبة لكي يستعيد البلد دوره وتعافيه، مذكراً بالحقبة الذهبية للبنان حيث كان رائداً في مختلف المجالات ولا سيما من خلال قطاع مصرفي ناجح.
ومساء الإثنين، زار برّاك رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع وعقيلته النائب ستريدا جعجع، في معراب، وتناول البحث خلال اللقاء الأفكار التي وردت في ورقة العمل التي قدمها برّاك إلى المسؤولين اللبنانيين، حيث أكد جعجع “أن مطلب جمع كل سلاح غير شرعي، فلسطينياً كان أم لبنانياً، من قبل الدولة اللبنانية هو مطلب لبناني في الأساس، وهو الممهّد لقيام دولة فعلية في لبنان. وشدّد على أنه من دون حلّ جميع التنظيمات العسكرية والأمنية غير الشرعية، وغير القانونية، لا يمكن الوصول إلى دولة فعلية في لبنان”.
ليس بعيداً، وفي إطار متابعة نتائج لقاءات برّاك الرئاسية، اجتمع رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة أمس مع رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، حيث تناول اللقاء تطورات الأوضاع العامة والمستجدات السياسية والميدانية ونتائج زيارة الموفد برّاك. ولفت ما قاله سلام رداً على سؤال حول تقييمه لنتائج زيارة الموفد الأميركي: “الرئيس بري أمس كفى ووفى والجو منيح”.
إلى ذلك، يزور رئيس الجمهورية جوزاف عون قبرص اليوم، كما سيزور لاحقاً دولة البحرين في زيارة لم يحدد موعدها بعد، على أن يكون في الجزائر في الـ29 من تموز الجاري. وعصر أمس، زار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الرئيس عون وأعلن على الاثر أن “زيارة توم برّاك ممتازة جداً وفق ما قال الرئيس عون، وقد قُدِّمَت ورقة الردّ إليه ولا يزالون ينتظرون إجابة من “حزب الله”، وحصر السلاح يحتاج وقتاً ولن نعود إلى الحرب”.
وعن وضع المسيحيين في سوريا، رأى الراعي أن “الوضع صعب وعندما نرى ما يحصل في سوريا نفهم قيمة لبنان”، مشدداً على أن “لبنان غير متروك وحيداً وهناك دول عظمى إلى جانبه”.
باريس
في غضون ذلك، أفادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين، أن تأخر الإصلاحات المطلوبة لتنظيم مؤتمر إعمار لبنان مردّه إلى البرلمان اللبناني حسب باريس وممثلي الدول الخمس التي تتابع الوضع في لبنان، والتي بعثت برسالة للمسؤولين ورئيس مجلس النواب بضرورة التقدم على مسار إعادة تنظيم القطاع المصرفي اللبناني ثم توزيع المسؤوليات حول الانهيار الذي حدث في لبنان. والمحادثات التي تمت في باريس بين وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو والمبعوث الرئاسي الأميركي توم برّاك أكدت التنسيق بين البلدين حول لبنان وسوريا والتفاهم حول مهمة اليونيفيل في لبنان، علماً أن الجانب الإسرائيلي ينتقد المهمة. وتقول مصادر ديبلوماسية فرنسية إن الكل يعترف بأن عمل اليونيفيل أصبح أكثر نشاطاً والأميركيون يوافقون على المبدأ، إذ أن القوة تقوم بدور لا يمكن حالياً للجيش اللبناني القيام به لعدم امتلاكه الإمكانات لذلك. أما عن زيارة برّاك إلى لبنان ولقاءاته في فرنسا، فترى باريس أن أسلوب وورقة برّاك تختلف لأنه لبناني الأصل ويعرف البلد. ولا شك بأن الجانب الأميركي يفكر في عقد سلام بين كل من لبنان وسوريا مع إسرائيل، لكن في هذه المرحلة يتطلع الجانب الأميركي إلى اتفاق وقف إطلاق نار دائم ومفاوضات على الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل، وهذا موقف فرنسا منذ البداية بضرورة التفاوض على الحدود. أما عن حصر السلاح بيد الدولة، فورقة برّاك لا تحدد موعداً له لكن تنص على تنفيذ ذلك، وترى باريس أن لا مفر من حصر سلاح “حزب الله” بيد الدولة لكن ذلك ينبغي أن يكون بالتشاور مع القيادات اللبنانية، وهذا ما يقوم به برّاك الآن وأيضاً باريس بالتنسيق معه.
ملاحقة بوشيكيان
وسط هذه الأجواء، برزت خطوة ملاحقة قضائية لنائب حالي ووزير سابق، إذ وقّع وزير العدل عادل نصار طلب القاضي جمال الحجار برفع الحصانة عن وزير الصناعة السابق جورج بوشيكيان، على أن يحال إلى الأمانة العامة لمجلس النواب في الساعات المقبلة. وكان النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، وجّه كتاباً إلى الأمانة العامة لمجلس النواب بواسطة وزير العدل عادل نصار، طلب فيه رفع الحصانة البرلمانية عن وزير الصناعة السابق النائب جورج بوشكيان، لملاحقته “بجرم الاختلاس وقبض رشى مالية وابتزاز اصحاب المصانع لقاء منحهم تراخيص عمل”، وذلك خلال تولّيه مهام وزير الصناعة.