أحيا المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الليلة الاولى من محرم الحرام في مقر المجلس طريق المطار ، برعاية وحضور نائب رئيس المجلس العلامة الشيخ علي الخطيب، وأيضا بحضور علماء دين وشخصيات سياسية وقضائية وعسكرية وتربوية وثقافية واجتماعية ومواطنين.
وبعد تلاوة اي من الذكر الحكيم للقارئ أحمد المقداد قدم الحفل الدكتور جهاد سعد، مستهلا كلمته بقوله تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”. في خبايا النفس تنقدح شرارة ثورة ما عندما يرتقي الوعي إلى مرحلة إدراك الظلم والتردي في الواقع السياسي أو الإجتماعي أو الإقتصادي أو الروحي…. والوعي مسألة معقدة، تزداد أهمية في العصر الحديث بسبب قدرة الظلم المسلح بتقنيات الحداثة على الحؤول بين الوعي والواقع، إما عن طريق خلق واقع إفتراضي، أو عن طريق التلاعب بالحواس ومصادر المعلومات واللغة والمفاهيم والصور التي تعمل على كي الوعي ومنعه من النفاذ إلى حقيقة الصورة، هنا يصبح حجب الصورة السائدة والتشكيك بها من أهم طرائق تحرير الوعي ليواصل حركته نحو الأعماق. لقد كانت الأمة سنة 60 للهجرة في حالة من تحلل الوعي بفعل قوة الدعاية الأموية، النخبة مدركة ولكن خائفة، والعامة تساق بالسيف أو بالسم أو بالدعوة المزيفة لطاعة الملك العضوض.
السلطة المنحرفة أصبحت وصية على الدين ، وشارب الخمر وملاعب القردة أصبح أمير المؤمنين، والثقافة السائدة تنحدر إلى حضيض الجاهلية الأولى وتمجد طاعة السلطان، فلا بد من صفعة تنبه العقول وتحيي الضمائر ، لا بد من صفعة تضع أمام عين الامة مشهد التدهور الذي وصلت إليه، صفعة مضمخة بالدم ، صارخة بالفاجعة، عميقة الألم، بارزة المظلومية …. لعلها تحدث فتحا في بصيرة الامة كفتح مكة فتفصل قدسية الدين عن السلطة السياسية ، وتحرر الأمة من إملاءآت المستبد، وتسقط هالة الشرعية المزورة التي تضفيها أجهزة الدعاية الأموية على الملك العضوض”.
أضاف :”فكانت كربلاء وكانت فاجعة عاشوراء ، وقدم الحسين نفسه وأهله و18 عشر قمرا من بني هاشم سمتهم السيدة زينب عليها السلام:” نجوم الأرض”، مع من صمد معه من خيرة الاصحاب ، فإذا بالنخبة تستيقظ على هول الفاجعة وترى بأم العين ثمن صمتها وتفريطها بالأمانة، وتنفك في لحظة المأساة تلك الصلة الوهمية بين خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وطغاة بني أمية، فلا يعود بإمكان أي سلطة جائرة بعد اليوم أن تدعي ارتباطها بالإسلام ، وإلى الأبد أصبح الموقف من شهادة الإمام الحسين مناراً ومعياراً للبصيرة السياسية والوعي المجتمعي والديني. ومن هذه الذخيرة تمكن أئمة أهل البيت من بسط سلطة العلم على حساب علم السلطة، وتأسست بعيداً عن ايادي الطغاة صروح حضارة أمة كان آل البيت عليهم السلام المحرك الأساسي لها في كافة المجالات العلمية والعملية.
إذن كانت الشهادة فتحاً ولكن في معركة الوعي، كانت فتحاً في أفق البصيرة، وكانت فتحاً في تحديد معايير الحكم ، ومسارات الأمة حتى ظهور الإمام المنتظر عج .
وبحراسة الحب والشعائر المنصوصة مغسولة بالدمعة تنتقل عين البصيرة الحسينية من جيل إلى جيل، وتزداد تألقاً من زمن إلى زمن، مؤيدة بالغيب وبالتسديد الإلهي والكرامات التي تفيض على المؤمنين في كل مواسم الحزن الواعي والحب المقدس”.
كلمة العلامة الخطيب
والقى العلامة الخطيب كلمة قال فيها: “عاشوراء هذه المسيرة المستمرة منذ 1400 عام تقريبا، وما زالت هذه المجالس تقام، لأن عاشوراء لم تكن في الواقع صورة لزمان معين وحدث في مكان معين، وإنما هي دائمة باقية مع الزمان ومع المكان، وهي ليست حدثاً مختصاً بتاريخ معين وزمان معين، وإنما هي باقية بمبادئها واهدافها، بمبادئها في الدفاع عن الدين وعن القيم وفي مواجهة الظلم والظالمين وبأهدافها في تحقيق العدل وفي الدفاع عن مبادئ الدين وقيمه.
لذلك يمتاز الامام الحسين (ع) بأن هذه البصمة هي بصمته الخاصة في كل زمان، ليس هناك حسين آخر، هو حسين واحد، وليس هناك كربلاء أخرى، هي كربلاء واحدة صنعها مع أهله وأصحابه ،ولكن خصوصية الامام الحسين(ع) أنه كان مبدعاً، أنه كان الأقدر على هذا الفعل في وقت معين وكل ما يأتي بعده يتعلم منه، ولذلك لا يجوز لنا على الاطلاق أن نُساوي بين أحد مهما علا شأنه وبين الامام الحسين (ع) الحسين ذلك لانه فريد، ولهذا نتعلم منه هذا الدرس في كل عام ونجدّد ذكراه ع ،وننهج منهجه ، ولذلك الثورة الحسينية لم تكن محدودة الأهداف في زمن معين وفي أرض معينة، هي دائماً وُجدت لكي تقوم بهذا الدور، بدور المواجهة والبذل حينما يقف الحفاظ على الدين والمبادئ والقيم على بذل النفس وعلى بذل المهج وعلى بذل الأبناء والأعزاء، حينئذ ينبغي أن يُفعل ذلك”.
أضاف :” الإمام الحسين هو مدرسة، مدرسة التاريخ نجددها في كل عام لنتعلم منها، لأن الأحداث هي تقريباً متشابهة، دائماً هناك صراع بين الحق والباطل، هو صراع اختبار الذي هو فلسفة الحياة، الله سبحانه وتعالى إنما خلقنا ليختبرنا وليرى ما نُقدِّم نحن في هذه الحياة، فلا بدّ أن تكون هذه الأحداث متكررة وهذه الصُّورة متكررة، هذا الصراع متكرر بين الحق وبين الباطل، تتغيّر أسماء الأشخاص ويتغيّر القائمون بالفعل ولكن الحقّ والباطل لا يتغيّران، هذا الصراع هو صراع دائم، عبرّ عنه الله سبحانه وتعالى في كتابه حينما تحدث عن إبليس وعن آدم (ع)، لا بدّ أن يكون هناك نموذج، النموذج الذي يستطيع أن يُؤثر في الآخرين، المعلم، المعلمون كانوا دائماً هم لأنبياء ثم الأوصياء، وكان الحسين (ع) هو آخر صورة سجّلت هذا الحدث وهذا الموقف وأعطت الدرس إلى آخر يوم من أيام الدنيا حتى يرث الله الأرض ومن عليها”.
الإمام الحسين بعد النبي وبعد أبيه أمير المؤمنين والإمام الحسن صلوات الله عليهم، والإمام الحسين سلام الله عليه هو المعلم الأخير والانموذج الأخير لنا وللبشرية لكي نهتدي به ونسير على خطاه ونواجه الظلم والعدوان ونقف من أجل الحفاظ على القيم وعلى المبادئ وعلى الحق ونواجه الظلم ونواجه الباطل، كما هو اليوم منذ محرم الماضي إلى محرم اليوم، عاشوراء الماضي إلى عاشوراء اليوم، خضنا في هذه المنطقة وفي هذا البلد مع عدو الإنسانية مع العدو الإسرائيلي المدعوم من كل قوى الظلم في العالم، خضنا معه معركة على طريق الحسين وعلى طريق كربلاء، واجهنا فيها هذا الظلم، وهذا العدوان الذي دفعنا فيه الكثير من الشهداء، الشهداء القادة، الشهداء الكبار من الأبناء من الإخوة والأهل”.
وتابع :” هذه المسيرة كانت مأخوذة من صورة كربلاء، وتعلمنا فيها أن نسير على طريق الإمام الحسين عليه السلام وأهل البيت في مواجهة هذا الظلم العالمي، وهي اليوم الصورة الوحيدة في هذا العالم، هي الضوء الوحيد في هذا العالم الذي يواجه الظلم والعدوان ويواجه قوى الشر ويواجه قوى الإبادة ويدافع عن القيم وعن الأخلاق في كل هذا العالم، فقط هذه الصورة موجودة هنا في الشرق في العالم العربي والإسلامي وفي فلسطين وفي لبنان وفي اليمن وأمس كانت في إيران“.
وقال الخطيب :”.هذه المعركة المستمرة والتي ستستمر طالما بقي هذا العدوان وطالما استمر هذا العدوان، هي صورة أخرى من صور كربلاء نأخذ فيها نموذج الامام الحسين (ع) ونتعلم من مدرسته كيف نقف حينما يجب علينا أن نقف، وحينما لا يكون هناك سبيل إلا الوقوف وإلا البذل وإلا العطاء، وهذا الطريق لا يسلكه إلا الشرفاء وإلا الكبار.
أما الذين يحبون الحياة الدنيا الهابطة، حياة الملذات، حياة المصالح الصغيرة، هؤلاء لم يكونوا أهلاً لكي يكونوا في هذا الصف. الذي يكون في هذا الصف وفي هذا النهج وعلى هذا الطريق هؤلاء الذين كانت القيم والأخلاق هي الأهم لديهم، لأنهم أهل القيم، وأهل الأخلاق. هؤلاء هم الذين لديهم القدرة عن الوقوف أمام قوى الشر وقوى الباطل الذي يتسع مداها والتي يكثر اتباعها، أما اتباع الحق والمدافعون عن القيم فهم القلة القليلة، ولكن هذه القلة القليلة هي الفاعلة في التاريخ، هي المواجهة لهذا الباطل على كثرته وعلى قوته وعلى ما بيديه من وسائل كثيرة، إلا أن ذلك لم يكن ليرهب هؤلاء الذين يتمسكون بهذه القيم لأن هذه القيم هي أهم و أقوى من كل السلاح الذي يمتلكه أولئك الظالمون المعتدون”.
وقال: نحن في لبنان أيها الأخوة الأعزاء رأينا ذلك حينما تكون هناك إرادة و إيمان، ماذا تفعل هذه الإرادة وماذا يفعل هذا الإيمان في مواجهة الشر، إن الانتصار كان لهذه الإرادة وكانت الهزيمة لقوى الشر، نحن في لبنان لم نهزم ، الذي هزم هو العدو الإسرائيلي وقوى الشر العالمية الذي تقف وراءه، ونحن الذين انتصرنا بالسلاح وانتصرنا بالقيم وانتصرنا بالإرادة واستطعنا أن نقف في وجه هذا العدو، وأن نفشل أهدافه التي أراد تحقيقها من وراء عدوانه”.
وتابع :”نحن اليوم في هذا الخط وفي هذا المسار نرى أيضاً الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي وقف العالم كله مع هذا العدو بكل الاسلحة المتطورة في مواجهة إيران الوحيدة في هذا العالم، لم يقف إلى جانبها أحد ولكن أهل هذا البلد وشعب هذا البلد وقيادة هذا البلد التي تمسكت بهذه القيم بالدفاع عن القضية بالفلسطينية، وبالدفاع عن جنوب لبنان و عن قضايانا ، لم تخف من كل التهديدات وخاضت الحرب فعلياً حينما واجهت الولايات المتحدة الأمريكية وواجهت إسرائيلواستطاعت ان تسجل هذا الانتصار اليوم في وجه قوى العالم كله، وان تحقق هذه النتائج وان يرضخ العدو لأن يوقف الحرب مجبوراً بعد الفشل في تحقيق هذه الأهداف، وبعد أن وقف قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وشعبها في وجه هذا العدوان واستطاعوا ان يسجلوا لأول مرة هذا الموقف وان يدكّوا حصون هذا العدو في أقدس مقدساته في تل أبيب وفي حيفا وفي كل مربعاته الحصينة، لأول مرة نستطيع ان ندكّ هذه الحصون وان نسجل للتاريخ أننا على قدر هذه المواجهة مع هذا العدو”.
واردف :” هذه ملحمة فاصلة من ملاحم التاريخ الحديث والحاضر، نحن في مرحلة جديدة بعد هذه المواجهة ننتقل إلى مرحلة أخرى أمام كل أنظار العالم الذي يرى أن هذه الفئة المؤمنة على قلتها المحاصرة تستطيع ان تقف بكل شجاعة لأنها تمسكت بهذه المبادئ وتعلمت من مدرسة أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه”.
وختم الخطيب :”هذا الخط سيبقى بإذن الله سبحانه وتعالى المدافع عن بلادنا العربية والإسلامية، والمدافع عن قضايانا الوطنية والقومية والاسلامية في مواجهة الظلم والعدوان، هو يسجّل اليوم ليس لإيران فقط بل يسجل لنا جميعاً هذا الانتصار وهذه الوقفة. وان شاء الله سيكون لهذا الانتصار ما بعده من ان تلتحق الشعوب العربية والاسلامية في مواجهة هذا الظلم العالمي وهذه الفرعونية العالمية، ويحقق بإذن الله أحلام شعوبنا في الانتصار،وفي الحياة الحرة الكريمة”.
وفي الختام تلا الشيخ نعمة عبيد مجلس عزاء حسيني