الملاحظ في بداية الأسبوع الثاني للحرب المشتعلة بين إسرائيل وإيران، ثباتها تحت سقف الضربات الجوية والصاروخية العنيفة المتبادلة بين العدوَّين اللدودَين. فيما خرقت هذا الإشتعال ما بدت أنّها انعطافة نحو إعادة فتح المجال للبحث عن مخرج يوقف هذه الحرب ويُنجّي المنطقة من دمار شامل يتهدّدها، لكن من دون أن تلغي هذه الإنعطافة، حال الترقّب لما سيقرّره الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد أسبوعَين في شأن التدخّل المباشر في هذه الحرب أو عدمه. ما يعني أنّ الأمور مضبوطة لا بل مُعلّقة على «مزاج ترامب» الذي قال بصريح العبارة إنّ لا أحد يعرف ما يجول في فكره. وانعكس ذلك في الصحف العالمية، إذ كشفت صحيفة «نيويورك تايمز»: «كما يعلم الجميع تقريباً في واشنطن، فإنّ أسبوعين هي إحدى وحدات الوقت المفضّلة لدى ترامب، وقد يعني مرور أسبوعَين على ترامب شيئاً ما، أو قد لا يعني شيئاً على الإطلاق»، فيما رأت «التلغراف» أنّ «التوقف لمدة أسبوعَين قد يؤدّي إلى تخفيف التوترات وخلق مساحة للمحادثات، لكن حتى مع ذلك، فإنّ الشرق الأوسط لا يزال يسير على حبل مشدود»، فيما أوضحت صحيفة «وول ستريت جورنال» أنّ «أعضاء في الكونغرس قدّموا قراراً هذا الأسبوع لمنع الجيش الأميركي من خوض قتال ضدّ إيران من دون إذن الكونغرس. ومن اللافت أنّ مصير هذا القرار سيتحدّد خلال الأسبوعَين المقبلَين».
الضرورات الداخلية
وإذا كانت دول المنطقة برمّتها، تبدو متموضعة في موقع المراقب لمجريات الحرب، والقلق من أفقها المجهول، واحتمالات تمدّدها واتساع رقعة تداعياتها، فإنّ لبنان لا يختلف حالاً، فعينٌ على الداخل تتجاذبها الحفاظ على أمن البلد واستقراره، وضرورة التنبّه لما تبيّته إسرائيل ضدّ لبنان. وعينٌ على الحرب وما قد تحدثه من تحوّلات وتغييرات وارتدادات، ومن آثار ومخاطر كبرى وخفايا مجهولة. وفي هذا السياق، تؤكّد معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، مسارعة وكالات الأنباء الأجنبية إلى إجراء دورات تدريبية عاجلة للعاملين لديها وتزويدهم بتوجيهات وإرشادات حول كيفية الوقاية والتعامل مع النووي في حال بلوغ الأمور هذا الحدّ.
بري: الحزب لن يتدخّل
بمعزل عن التوتر السياسي الذي أعقب موقف أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، الذي بدا في إعلانه أنّ الحزب ليس على الحياد ويتصرّف وفق ما يراه مناسباً في مواجهة هذه الحرب، وكأنّه يمهّد لإنخراط الحزب في حرب إسناد لإيران، فإنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري أعاد التأكيد على موقفه بأنّ «حزب الله» لن يتدخّل في هذه الحرب. وعلى ما ينقل زوّار عين التينة عن بري، فإنّ ما قاله الشيخ نعيم قاسم بشأن دعم إيران، «هو موقف مبدئي عبّر عنه من موقع تضامنه مع إيران، ولا يستطيع الحزب أنّ يقول غير هذا الكلام».
وإذا كانت بعض الأصوات الداخلية قد سعت إلى تجييش الأجواء السياسية ربطاً بما قاله الشيخ نعيم قاسم، فإنّ مصادر سياسية مسؤولة أوضحت لـ«الجمهورية» أنّ لا مبرّر للتسرّع والانفعال، وخصوصاً أنّ الموقف الدقيق عبّر عنه الرئيس بري، بقوله إنّه واثق من أنّ الحزب لن يتدخّل في هذه الحرب بنسبة 200%، وهذا الكلام هو كلام مسؤول، وكافٍ ليطمئنّ مَن يساوره أي قلق».
وفي موازاة تأكيد برّي على عدم التدخّل في الحرب، أدرج مصدر حزبي كلام قاسم في خانة الجهوزية الدائمة للمواجهة، التي يعلنها الحزب منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار في تشرين الثاني من العام الماضي، وأكّد لـ«الجمهورية»: إنّ هذا الكلام موجّه إلى الإسرائيلي قبل أي طرف آخر، والغاية منه أن يبقى الإسرائيلي قلقاً» (يُشار في هذا السياق إلى أنّ الأيام الأخيرة التي تلت الهجوم الإسرائيلي على إيران، شهدت، باعتراف الإعلام الإسرائيلي، إجراءات وتدابير عسكرية إسرائيلية كان دافعها قلق المستويات الأمنية والسياسية من توتير الجبهة الشمالية).
وفي السياق عينه، كشف مصدر مقرّب من «حزب الله» لـ«الجمهورية»: «إنّ الحزب لن يتدخّل في هذه الحرب كما هي الآن، وكما هو واضح فإنّ الجمهورية الإسلامية أثبتت أنّها دولة قوية». ولفت المصدر إلى أنّ «عدم التدخّل لا يَنمّ عن ضعف، وواضحة في هذا السياق خشية العدو من ترسانته الصاروخية التي يفتقد لأي معلومات حولها، ومن هنا يتبدّى الضغط الكبير الذي يمارسه من أجل تسليم السلاح الثقيل شمال الليطاني».
تحذير
على أنّ مصدراً سياسياً رفيعاً قدّم لـ«الجمهورية» صورة قلقة للوضع بصورة عامة، واعتبر أنّ «الجو شديد الضبابية، يستوجب الحذر الشديد من الغدر الإسرائيلي في أي لحظة».
وعندما سُئل المصدر عن دقّة ما يُرَوّج حول إقدام إسرائيل على مهاجمة لبنان إمّا بقصف شديد أو عملية برية محدودة، أوضح: «كل شيء وارد ومحتمل، إذ لا يمكن أن يؤمَّن لإسرائيل بأي شكل من الأشكال. وواجبنا إزاء ذلك أن ندافع عن بلدنا».
إلّا أنّ المصدر عينه كشف أنّ «اجتماعات الموفد الأميركي توماس براك مع المسؤولين في لبنان دارت في أجواء إيجابية، وما طرحه كان على نقيض كلّي مع سابقته مورغان أورتاغوس، إذ عكس دراية كاملة لديه بالملف اللبناني والتركيبة اللبنانية. وبناءً على ما دار بحثه مع الموفد الأميركي، والمقاربة الهادئة للملفات اللبنانية، يمكن أن نرسو على استنتاج يُفيد بأنّه أصبح واضحاً الآن، لماذا كان هذا الضغط على إنهاء مسألة سلاح «حزب الله» خلال شهر أو شهرَين، إذ يبدو أنّه كانت لديهم معلومات من أنّ إسرائيل ستضرب إيران. من هنا تقاطعت بعض الجهات الدولية مع جهات محلية تنادي بنزع سلاح «حزب الله» قبل هذه المدة خوفاً من أن يردّ الحزب من لبنان».
على أنّ المصدر عينه وإن كان يُبدي ارتياحاً للوضع الداخلي جرّاء ما سمّاها حرص المكوّنات الداخلية بصورة عامة على الحفاظ على أمن البلد واستقراره، فإنّه في الوقت عينه يرى «ضرورة البقاء على أعلى درجات اليقظة والحذر، ولاسيّما أنّ الحرب بين إسرائيل وإيران مستمرّة، والوضع مفتوح، وكل يوم بل كل ساعة يمكن أن يطرأ أمر جديد، وعلى هذا الأساس يجب أن نتصرّف». ولفت المصدر الرفيع إلى أنّ التطمينات من «حزب الله» بأنّه لن يدخل في الحرب أو ينجرّ إليها هي تطمينات جدّية ولا مواربة فيها. إلّا أنّ «التطمينات الأميركية التي يُعبّر عنها، غير كافية قياساً لتجارب سابقة، ولأنّ العدو متفلّت من كل الحسابات. ولبنان حالياً معلّق على هذه التطمينات ريثما تتضح نتائج الحرب».
مطار القليعات
على صعيد محلي آخر، عقد مجلس الوزراء جلسة عادية في السراي الحكومي، وأُقِرّت عدد من البنود، أبرزها الشروع في درس مشروع تصميم وإنشاء وتأهيل وتطوير وتشغيل مطار رينيه معوّض في القليعات، وترحيل المواد الكيماوية المنتهية الصلاحية، التي وُضِّبت في معملَي الذوق والجية.
مواجهات… ومحادثات
على الصعيد الحربي، ضراوة الضربات الجوية والصاروخية كانت مشهودة بصورة عنيفة في الساعات الأخيرة، وزامنت الإنعطافة السياسية التي قُرِئت في الإجتماع العاجل في جنيف بين وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي مع وزير الخارجية الإيراني، ويُراد منها أن تحقق اختراقاً في جدار النار المشتعلة في إسرائيل وإيران، تتفق التقديرات على أنّها قد تكون موقتة، ولاسيّما أنّها محفوفة بضعف احتمال تأسيسها لفرصة حل سياسي بصورة جدّية، بالنظر إلى التصلّب الشديد في الطروحات الذي تصرّ فيه إيران على الإستمرار في برنامجها النووي وحقها في التخصيب السلمي كما تقول، فيما تؤكّد الولايات المتحدة أنّ أيّ اتفاق ممكن بلوغه، ينبغي أن يلحظ عدم التخصيب بصورة مطلقة. وبالنظر أيضاً إلى تزامنها مع وتيرة تصعيد عالية من الجانبَين، تجلّت في الساعات الأخيرة في ضربات جوية إسرائيلية مكثفة لمناطق مختلفة في إيران، وفي دفعات متتالية من الصواريخ الإيرانية الثقيلة التي طالت العمق الإسرائيلي في حيفا وتل أبيب والقدس وبئر السبع، ومن بينها صواريخ أكّدت إسرائيل أنّها لم تُستَخدم من قبل.
وعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة حول الحرب بين إسرائيل وإيران، الذي برزت فيه دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كل الأطراف لوقف الحرب، واتهام المندوبة الأميركية في مجلس الأمن طهران بأنّها «شجّعت «حزب الله» على فتح جبهة من لبنان»، وأضافت أنّ الحكومة الإيرانية دعت مراراً إلى تدمير إسرائيل، وأنّ عليها التخلّي عن طموحها في الحصول على السلاح النووي. فيما اعتبر سفير إيران لدى الأمم المتحدة أنّ إسرائيل ترتكب جرائم متعمّدة في إيران، وأنّ إيران مارست حقها في الدفاع عن النفس وستستمر في ذلك حتى انتهاء العدوان.
تزامناً، انعقدت جولة المحادثات بين الوزراء الأوروبيِّين ووزير الخارجية الإيراني، وفي اعقاب اللقاء، قال وزير الخارجية الايراني: «أجرينا نقاشاً جاداً وسط جو من الاحترام ندعم استمرار المناقشات مع الترويكا الاوروبية والاتحاد الاوروبي، ونستعد للقاء آخر في وقت قريب». وقالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي: «اتفقنا على مواصلة المناقشات وبحث أمور أخرى وليس القضايا النووية فقط»، معتبرة ان المحادثات مع إيران يجب أن تبقى مفتوحة.
وقال وزير الخارجية البريطاني: «ندعو إيران إلى مواصلة مناقشاتها مع الولايات المتحدة»، فيما اكد وزير الخارجية الفرنسي أن هذه المبادرة الدبلوماسية يجب أن تمهد الطريق للمفاوضات، ووزير الخارجية الإيراني مستعد لمواصلة المناقشات بشأن القضية النووية وقضايا أخرى. واما وزير الخارجية الألماني، فقال: «سعيد لأننا أجرينا محادثات جادة مع زملائنا الإيرانيين، ومن المهم أن تشارك الولايات المتحدة في المزيد من المحادثات وفي إيجاد حل».
واشنطن: نأمل النجاح
واللافت ربطاً بلقاء جنيف، إعلان وزارة الخارجية الأميركية بـ«اننا لن نقوم بتوصيف أجواء المفاوضات بين إيران والأوروبيين ونأمل ان تؤدي إلى النجاح».
وبرز ليلاً، اعلان الرئيس الاميركي انه من الصعب الطلب من إسرائيل وقف الضربات، الّا انه أضاف: «قد ندعم وقفا لإطلاق النار».
وسبق اللقاء إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنّ «فرنسا وألمانيا وبريطانيا ستقدّم خلال جولة المفاوضات في جنيف عرض تفاوض كاملاً لإيران».
وترافق انعقاد جولة المحادثات مع إعلان سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، أنّ بلاده تسعى إلى بذل جهود حقيقية بشأن قدرات إيران النووية من خلال اجتماع أمس بين وزراء أوروبيِّين وإيرانيِّين، وليس مجرّد جولة أخرى من المحادثات. وقد سبق هذا الكلام إعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنّ «هدفنا هو تدمير برنامج إيران النووي، وإيران لديها 28 ألف صاروخ وتحاول تطوير قنابل نووية، والرئيس ترامب قال إنّ سلاحاً نووياً بيد إيران هو خطر كبير وهو محق في ذلك، وترامب هو قائد كبير ونشكره على مساعدته لنا».
الموقف الإيراني
في الموازاة، أوضح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من جنيف، أنّ «إسرائيل شنّت عدواناً على إيران ونحن عازمون على الدفاع عن سيادتنا». ولفت إلى أنّ «إسرائيل هاجمت منشآتنا النووية السلمية على رغم من أنّها تحت الرقابة الدولية، ونطالب الموقّعين على اتفاق جنيف بتحمّل المسؤولية حيال العدوان الإسرائيلي علينا. إنّنا نتعرّض إلى عمل جائر وعدوان ولا يمكن أن نسمح لإسرائيل وداعميها بقلب الأمور رأساً على عقب».