يبدو أنّ الحرب الإسرائيلية على إيران دخلت في مرحلة خطيرة وحاسمة، في ظل استعداد الولايات المتحدة الأميركية للانخراط فيها، إن لم تكن قد انخرطت بالفعل، لأنّ مواقفها وتحركاتها العملانية تؤكّد هذا الانخراط، بدليل التهديد باغتيال المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي، بقول الرئيس دونالد ترامب “نعرف تمامًا مكان اختباء ما يُسمّى “القائد الأعلى”، إّنه هدف سهل، ولكنّه آمن هناك، لن نقضي عليه على الأقل ليس الآن”. في وقت هدّدته إسرائيل بـ”مصير مشابه” لمصير الرئيس العراقي السابق صدام حسين. في المقابل توعدت إيران إسرائيل بـ”مزيد من المفاجآت”، مدمّرة موقع جهاز “أمان” ومركز عمليات “الموساد” في تل ابيب أمس.
بينما ترخي الحرب الإيرانية – الإسرائيلية بظلالها الثقيلة على الإقليم، قالت أوساط سياسية مواكِبة للحرب لـ”الجمهورية”، إنّ لبنان نجح حتى الآن في حماية نفسه وتفادي العاصفة التي تهبّ على المنطقة، بعدما كان قد اعتاد على أن يكون في عينها وأن يدفع أثمانها، كما تدل التجارب السابقة.
وأملت هذه الأوساط في أن يتمكن لبنان من الاستمرار في تحييد نفسه وإمرار هذه المرحلة بسلام، لافتةً إلى انّ المخاطر اللاحقة قد تكون أكبر، خصوصاً إذا توسعت الحرب وانخرطت الولايات المتحدة فيها، وفق ما توحي المؤشرات المتزايدة التي يطلقها الرئيس الأمبركي، الأمر الذي يستدعي التنبّه والاستعداد لكل الاحتمالات على قاعدة تعزيز المناعة الذاتية قدر الإمكان.
وإلى ذلك، عبّرت مصادر سياسية عبر “الجمهورية”، عن ارتياحها إلى المسار الذي يسلكه الوضع اللبناني في خضم المواجهة الكبرى الواقعة بين إيران وإسرائيل. فللمرّة الأولى، يبدو لبنان محيّداً فعلاً عن المغامرات، بحيث إنه لن يتأثر بسلبيات هذه المواجهة، ولو استمرت لفترة طويلة، كما يتوقع البعض.
وعلى العكس من ذلك، تتوقع المصادر أن تكون أمام لبنان فرصة واسعة لاحتمال أن يحصد نتائج إيجابية، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بعد انتهاء الحرب الدائرة، إذا كانت فعلاً ستنجح في إرساء معادلات سلمية دائمة في الشرق الأوسط.
وقد تتبع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أمس التطورات الراهنة في ضوء استمرار الحرب الإسرائيلية- الإيرانية، واطلع على تقارير حول مسارها والاتصالات الإقليمّية والدولية الجارية لوقفها، وذلك في ضوء اتصالات تلقّاها من قادة بعض الدول حول الجهود المبذولة في هذا الصدد. في الوقت الذي ظل على تواصل مع القيادات الأمنية لمتابعة الوضع ميدانياً، وفق ما اتُفق عليه خلال الاجتماع الأمني الأخير في بعبدا.
نأي لبنان
وقال بيان لدار الفتوى إثر استقبال مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان السفير السعودي وليد البخاري أمس، إنّه تمّ خلال اللقاء “تأكيد أهمية نأي لبنان بنفسه عمّا يحصل من حرب بين إيران والعدو الصهيوني، والتشديد على ضرورة المساعي والجهود الديبلوماسية العربية والدولية لاحتواء لغة الحرب والعودة إلى لغة العقل، ومن استمرار خطورتها ومدى انعكاسها سياسياً واقتصادياً وبيئياً على المنطقة، وأن ينعم لبنان بالأمن والسلام والطمأنينة في ظل استمرار العدوان الصهيوني على بعض مناطقه والاختراقات المتكررة لمضمون القرار 1701”.
الموقف الأميركي
في غضون ذلك، وعلى وقع الهجمات الجوية والصاروخية المتبادلة بين إيران وإسرائيل، دفعت الولايات المتحدة بتعزيزات عسكرية إلى الشرق الأوسط، ومنها القاذفات الاستراتيجية “بي 52 وبي 2” التي يمكن استخدامها لفصف المنشآت النووية الإيرانية، ولا سيما منها منشأة موردو.
وقد ترأس ترامب العائد من قمّة مجموعة السبع في كندا، اجتماعاً طارئاً لمجلس الأمن القومي، بحث في خيارات منها توجيه ضربة لإيران. وبعد الاجتماع تردّدت معلومات عن انّ واشنطن ستشارك في الحرب إلى جانب إسرائيل خلال الساعات المقبلة.
وقبل الاجتماع كتب ترامب على منصته “تروث سوشال”: “صبرنا بدأ ينفد على إيران، ونحن نحظى الآن بالسيطرة الكاملة والشاملة على أجواء إيران”، مشيداً باستخدام الأسلحة الأميركية، من دون أن يأتي على ذكر إسرائيل مباشرة، مؤكّداً انّ “لا أحد يقوم بذلك أفضل من الولايات المتحدة”. وقال في تصريح لاحقاً: “نعرف تمامًا مكان اختباء ما يُسمّى “القائد الأعلى” (أي المرشد الإيراني السيد علي خامنئي). إّنه هدف سهل، ولكنّه آمن هناك – لن نقضي عليه على الأقل ليس الآن”.
وفي وقت سابق من أمس، قال ترامب إنّه قد يوفد نائبه جيه دي فانس، أو مبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف للتفاوض مع الإيرانيين، لافتاً إلى أنّه يسعى لـ “نهاية حقيقية للنزاع في إيران”. وقال: “نسعى لما هو أفضل من وقف النار في إيران”. وشدّد ترامب على رغبته في “نهاية حقيقية” للمشكلة النووية مع إيران. وإنّها يجب أن تتخلّى عن برنامجها النووي بشكل كامل ونهائي. ونفى ترامب التقارير التي تحدّثت عن بدء محادثات سلام مع إيران، واصفًا إياها بـ”الأخبار الكاذبة والمفبركة”. وقال: “لم أتواصل مع إيران لإجراء أي نوع من محادثات السلام. وإذا أرادوا التفاوض، فهم يعرفون كيف يتواصلون معي. كان عليهم القبول بالاتفاق المطروح، كان سينقذ أرواحًا كثيرة!”.
غير مقتنع
ونقل موقع “أكسيوس” الأميركي عن مسؤولين أميركيين، قولهم إنّ ترامب لا يزال غير مقتنع بفكرة تغيير النظام في إيران التي يؤيدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وفي تعليق على تقارير سابقة تحدثت عن معارضة ترامب لاغتيال الخامنئي، لخّص أحد المسؤولين الأميركيين الكبار الموقف قائلاً بحسب “أكسيوس”: “إنه آية الله الذي تعرفه مقابل آية الله الذي لا تعرفه”. وأضاف المسؤول الأميركي محذّرًا: “لكن هذا لا يعني أنّ ترامب لن يقرّر فجأة تنفيذ عمل ضخم ومباغت”.
الموقف الإيراني
وعلّقت السفارة الإيرانية في لبنان عبر منصة “إكس” على تهديدات ترامب، فقالت إنّ “تهديدات ترامب لقائد الجمهورية الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي (حفظه الله) هي حماقة ما بعدها حماقة”. وأضافت: “هذا القائد المقدام الذي لا تُرعبه تهديدات الجبناء، خلفه أمة لا تعرف الخنوع ولا الهوان”.
وقال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال اتصال مع نظيره التركي رجب طيب اردوغان: “نحن لم نكن البادئين في الحرب، لكن قمنا بالردّ على جرائم الصهاينة؛ وسيتواصل هذا الردّ بما يتناسب ومستوى عدوانهم على إيران”. وأضاف: “نحن لا نرغب في توسيع دائرة الحرب، لكننا سنردّ في الشكل الذي يبعث على الندم على أي هجوم يطاول الأراضي الإيرانية”. وقال إنّ “عودة إيران إلى المفاوضات النووية مع أميركا، رهن فقط بوقف اعتداءات الكيان الصهيوني على دول المنطقة”. ولفت إلى انّ “مبعوث الولايات المتحدة إلى المفاوضات النووية، كان قد أكّد للوزير(الخارجية) عراقجي، أنّ الكيان الصهيوني لن يشن أي هجوم من دون استئذان واشنطن، لكن هذا الكيان نفّذ هجومه على إيران؛ مما يؤكّد بأنّ اميركا هي من أذنت له بذلك”. وقال: “أميركا لو أرادت استمرار المفاوضات مجدداً، يتعّين عليها ان توقف أولاً اعتداءات “إسرائيل” على المنطقة”.
من جانبه، قدّم اردوغان تقريراً عن اتصاله أمس الأول مع ترامب. وقال لبزشكيان: “يجب على “إسرائيل” أولاً، إيقاف هجماتها على إيران، ليعقبه استئناف المفاوضات بين طهران وواشنطن”. وأكّد “انّ أنقرة مستعدة لاستضافة هذه المفاوضات”.
وخلال مكالمة هاتفية مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، قال بزشكيان: “إنّ الكيان الصهيوني تجاوز جميع القواعد والمعايير الدولية، ويرتكب كل جرائم بدعم من القوى الكبرى”؛ وأضاف: “إذا استمر هذا النهج، فلن تشهد المنطقة سلاماً واستقراراً دائمين”.
من جانبه، أكّد بن زايد “تضامنه مع حكومة إيران وشعبها”؛ قائلاً: “لقد بدأنا اتصالات ومشاورات مكثفة لخفض التوترات وإعادة الاستقرار والأمن إلى المنطقة، ونأمل أن يكون ما سيتحقق في النهاية خيراً وبركة لإخواننا في إيران”.
وأعلن قائد القوات البرية للجيش الإيراني اللواء أمير كيومرث حيدري، أنّ الهجمات ستشتد على المواقع الاستراتيجية للكيان الصهيوني خلال الساعات المقبلة”، ولفت إلى أنّ “القوات البرية للجيش بدأت باستخدام أسلحة متطورة وحديثة، وستزداد شدّتها خلال الساعات المقبلة”.
الموقف الإسرائيلي
وعلى الضفة الإسرائيلية، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خلال مقابلة مع “قناة 14” العبرية إنهم “قلبوا الموازين خلال 5 أيام وفتحوا طريقا جويا إلى إيران”. واضاف: “إننا نقضي على الإمبراطورية الإيرانية الشريرة التي تهدد وجودنا، والشرق الأوسط بأكمله، وأجزاء كثيرة من العالم”. وقال: “وإذا سمحنا لهم بتسليح أنفسهم بالأسلحة النووية والصواريخ الباليستية، فسيطلقونها ليس فقط على المدن الإسرائيلية، بل على جميع أنحاء العالم.. نحن نمنع هذا.. وهذه لحظة عظيمة لحظة فخر للشعب الإسرائيلي”.
وتابع قائلا: “في خمسة أيام قلبنا الموازين.. فتحت إسرائيل طريقا جويا إلى إيران بعد سلسلة من الاغتيالات المستهدفة لمسؤولين أمنيين ونوويين إيرانيين كبار”. واضاف: “لقد وجهنا ضربة قاصمة لقيادتهم العسكرية وعلمائهم النوويين.. لقد تم القضاء عليهم واحدا تلو الآخر.. إنهم يغيرون قادتهم ونحن نقوم بتصفية هؤلاء القادة الجدد.. لقد قضينا الآن على القائد علي شادماني.. كان الشخصية المحورية بعد أن غيروا ثلاثة رؤساء أركان.. ونواصل أيضًا تدمير مستودعات إنتاج الصواريخ الخاصة بهم”. وختم: “منذ 40 عاما على الأقل، كنت أحذر من إيران.. قلت هذا بعد فترة وجيزة من تأسيس نظام آية الله إنها تُشكل أكبر تهديد لدولة إسرائيل.. ضحكوا قليلا آنذاك”.
وبدوره قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس: “أُحذّر الديكتاتور الإيراني من الاستمرار في ارتكاب جرائم حرب وإطلاق الصواريخ باتجاه المدنيين في إسرائيل”. وأضاف: “من الأفضل له أن يتذكر مصير الديكتاتور في الدولة المجاورة لإيران، والذي اختار الطريق ذاته ضد دولة إسرائيل”.
محاولات ووساطات
وعلى صعيد الوساطات قال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: “في الوقت الحالي، نلاحظ تحفظا تبديه إسرائيل في اللجوء إلى الوساطة والانخراط في مسار سلمي نحو التسوية”. ودعا الطرفين إلى التحلي بضبط النفس، مشيرا إلى أن “مستوى الضبابية في شأن ما يجري بلغ حدا غير مسبوق”. وأضاف: “عرض روسيا للوساطة لا يزال قائما إذا اقتضت الحاجة، لكن في الوقت الراهن، نرى أن الجانب الإسرائيلي لا يُبدي اهتماما بالسعي إلى تسوية سلمية”.