عقدت جامعة العائلة المقدسة -البترون، وبرعاية معالي وزير الصحّة العامّة الدّكتور راكان ناصر الدّين، وبالتّعاون مع مركزالطبّ النّفسيّ في CHU-Poitiers، مؤتمرًا دوليًّا ضمّ نخبة من المحاضرين من فرنسا ومن لبنان.
حضر المؤتمر إلى جانب المهتمّين بالموضوع المطروح، الدّكتور بيار أنهوري ممثّلاً معالي وزير الصحّة العامّة، رئيسة الجامعة الأخت الدّكتور هيلدا شلالا، البروفسور نعمه الله جعفري، نائب رئيس –جامعة بواتييه، نائب الرّئيسة للشؤون الأكاديميّة والبحث الدّكتور مهى نعمه، نائب الرّئيسة للشؤون الإداريّة الأخت الدّكتور ميشلين فرام، عميدة كليّة الصحّة الأخت الدّكتور ماري مرغريت كيوان،عميدة كليّة التّربية الأخت الدّكتور إيمانويل الحاج، نقيبات ونقباء، مدراء مؤسّسات استشفائيّة وتعليميّة، وغيرهم.
بعد النشيد الوطني اللبناني، قدمت للحفله السيدة ليا نحّاس ثم ألقت الدّكتور مهى نعمه كلمة افتتاحيّة فقالَت: تنظّم الجامعة هذا المؤتمر بفخرٍ وإحساسٍ عميق بالمسؤوليّة، نظرًا لأهميّة موضوع الصحّة النفسيّة في ظلّ الأزمات المتتالية الّتي يمرّ بها لبنان منذ العام 2019. فتمّت دعوة خبراء من فرنسا ولبنان بهدف ترسيخ رؤية شاملة ووقائيّة للصحّة النفسيّة تشمل الجميع وفي مختلف السّياقات. وقد تجسّد التزام الجامعة من خلال إطلاق دبلوم جامعيّ في الصحّة النفسيّة بالتّعاون مع البرنامج الوطني للصحّة النفسيّة. وقد أردنا من هذا المؤتمر أن يكون مساحة للحوار وكسر المحرّمات، من أجل جعل الصحّة النفسيّة حقًّا أساسيًّا وجزءًا لا يتجزّأ من رفاه الانسان.
أدارت الجلسة الأولى السيّدة جورجيت شلالا، الّتي قدّمتالمتحاورين وهم على التوالي البروفسور نعمة اللّه جعفري،الدّكتور جورج حرقص (Hôpital Psychiatrique De La Croix)والدّكتور شاديا حدّاد (Hôpital Psychiatrique De La Croix).
تحدّث البروفسور نعمة اللّه جعفري قائلاً أنّ الصحّة النفسيّة هي حالة من الرّفاه الضروريّة، وهي متغيّرة تتأثّر بعدّة عوامل، بعضها قابل للتّعديل مثل البيئة المعيشيّة، الوضع الاجتماعي-الاقتصادي، الصحّة الجسديّة، إلخ. وفي غياب الاجراءات المعزّزة للصحّة النفسيّة، يكون الانتحار هو من أخطر العواقب. هنالك برامج متابعة مثل Vigilans أو خط ساخن متاح على مدار السّاعة، ساهمَت في الحدّ من حالات الانتحار وتحسين الاستجابة للمعاناة النفسيّة. كما تبرز برامج “الاسعافات الأوّليّة في الصحّة النفسيّة” الّتي تُعِدّ الأشخاص لاكتشاف علامات الاضطراب، اعتماد سلوك ملائم، تقديم المعلومات والدّعم المناسب، والتّوجيه نحو أصحاب الاختصاص.
أمّا مداخلة الدّكتور جورج حرقص فكانت على شكل عرض تفصيليّ قائم على الأدلّة حول الصحّة النفسيّة في لبنان، مع تحديد العوامل الاجتماعيّة والاقتصاديّة والبيولوجيّة والبيئيّة المؤثّرة فيها.وسلّط الضّوء على آثار الانهيار الاقتصادي، وتداعيات انفجار مرفأ بيروت، والنّزاعات المستمرّة، والتحدّيات البيئيّة على الصحّة النفسيّة.
سلّطَت مداخلة الدّكتور شاديا حدّاد الضّوء على واقع البحث العلمي في الطبّ النّفسي والصحّة النّفسيّة في لبنان، موضحةً التقدُّم المحقَّق والتحدّيات القائمة، مع التّركيز على تجربة مستشفى الصّليب للأمراض النفسيّة في لبنان كمؤسّسة رائدة في تطوير مشاريع بحثيّة تطبيقيّة في هذا المجال.
أمّا الجلسة الثانية فأدارتها السيّدة مايا ضرغام الّتي قدّمتالمتحاورين وهم على التوالي الدّكتور غِنى حريقا-جرمانو (Université de Poitiers)، البروفسور جانيت دكّاش (Paris 13, USEK, UL) وطالبة الدّكتوراه جوان زيدان (USF).
تحدّثَت الدّكتور غِنى حريقا-جرمانو عن التطّور المستمرّ للطب النّفسي نحو رعاية أكثر فرديّة، تأخذ بالاعتبار التقدّم في أساليب التّشخيص والعلاج. ويعكس انتشار تقنيّات التّحفيز العصبي مثل التّحفيز المغناطيسي المتكرّر (rTMS) والتحفيز بالتيّار المباشر (tDCS) هذا التوجّه، من خلال استهداف الدّوائر العصبيّة المرتبطة بالاضطرابات النفسيّة المقاوِمة للعلاج. وتُعدّ هذه الأساليب المبتكرة ثمرة لتكامل التقدّم في علم الأشعّة العصبيّة، وعلم النّفس العصبي والعلاج النّفسي، ممّا يوفّر خيارات علاجيّة أكثر مواءمة لكلّ حالة.
أمّا مداخلةالبروفسور جانيت دكاش فكانت حول الذّاكرة الكارثيّة المرتبطة بتجارب الحرب القصوى، من مجازر ونفي وانهيارات جماعيّة، تترسّخ في النّفس من خلال آثار يصعب التّعبير عنها. تخترق هذه الذّاكرة الرّقابات النفسيّة لتعبّر عن نفسها عبر السّلوك أو التّراجع إلى حالات من الهلوسة أو نوبات الذّعر. تُعرَف هذه الحالة بـ”الذاكرة البيضاء”، وهي أثر “طمس اللاّمُسمّى”، تعيقاللّغة، وتمنع التّسجيل الرّمزي وتشلّ عمليّة التذكّر.
تحدّثَت السيّدة جوان زيدان، طالبة الدّكتوراه، عن المسارات homosexuels الّتي تكشف في كثير من الأحيان ديناميّات لاواعية عميقة. استعرضَت كيف يُعيد اللاّوعي تشكيل الرّغبات من خلال التّماهي مع الأم ورفض أو مثاليّة الأب. انطلاقًا من حالات سريريّة متعدّدة، يتمّ التعمّق في آليّات التّماهي والخيالات الّتي توجّه الاختيارات العاطفيّة. ويُظهر التّحليل النّفسي كيف يُمكن أن يُساعد الفرد على التحرّر من السّيناريوهات الوالديّة، ليستعيد ذاتيّة حرّة ويمنح لرغبته موقعًا خاصًّا ومتفرّدًا.
أمّا الجلسة الثالثة فأدارتها السيّدة سينتيا الحويّك التي قدمت المتحاورين وهم على التوالي الدّكتور هيلدا الخوري (MEHE)،الدّكتور إيلي عطاللّه (USEK, BMC)، الدّكتور سيلفي أمادوني (USEK) والدّكتور باتريسيا عازوري (USF).
تحدّثَت الدّكتور هيلدا الخوري عن الدّمج المدرسي في القطاع الرّسمي الّذي يهدف إلى تأمين الرّفاه النّفسي للمتعلّمين الّذين يعانون من اضطرابات نفسيّة أو سلوكيّة (كالقلق، الاكتئاب، اضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه، وغيرها)، بما يُتيح لهم تنمية قدراتهم والمشاركة الفاعلة في الحياة المدرسيّة. وبغية تحقيق هذا الهدف، تعتمد وزارة التّربية والتّعليم العالي على مجموعة من التّدابير، منها: رفع مستوى الوعي عند المعلّمين، توفير الدّعم المتخصِّص، إجراء التّكييف التّربوي اللاّزم وتعزيز بيئة مدرسيّة داعمة ودامجة.
أمّا الدّكتور إيلي عطاللّه، فعرض لواقع خدمات الصحّة النفسيّة في لبنان، من خلال تحليل المعطيات المتوفّرة ومقارنتها بالبيانات الإقليميّة والعالميّة. كما تناول في مداخلته أهميّة توفير بنى تحتيّة عالية الجودة في مجال الصحّة النفسيّة في لبنان، خصوصًا في ظلّ الأزمة المعقّدة الّتي يشهدها منذا العام 2019. واستعرض التحدّيات الحاليّة الّتي تعيق الوصول إلى الرّعاية النفسيّة، إضافةً إلى الجهود المبذولة لتجاوز هذه العقبات.
وفي مداخلة مشتركة للدّكتور سيلفي أمادوني والدّكتور باتريسيا عازوري تحدّثتا فيها عن الدّمج المدرسي والاجتماعي للأشخاص الّذين عندهم وضع معيّن (إعاقة، إضطرابات نفسيّة) الّذي يتطلّب تحوّلاً منهجيًّا في الممارسات التربويّة والسّياسات العامّة، مع اعتماد مقاربة شاملة تُدمج بين الصحّة النفسيّة والعدالة الاجتماعيّة والمواطنة الفاعلة.
على الرّغم من وجود أطر معياريّة دوليّة، لا تزال التحدّيات قائمة.
وعلى المستوى المحلّي، هناك ضرورة قصوى لتبنّي مقاربة متعدّدة القطاعات (تربويّة-نفسيّة-دمج) لتحقيق الدّمج الحقيقي.
ثمّ قدّمَ أستاذان من جامعة العائلة المقدّسة، الدّكتور الياس عسّاف والأستاذ شربل عيد، عرضًا لمشروعَي بحث حول الصحّة النفسيّة.
وعرض بعدها البروفسور نعمة اللّه جعفري لأبرز التّوصيات الّذي خلص إليها المؤتمر.
وتمّ بعدها تقديم دِرعُ امتنانٍ وتقديرٍ للدّكتور بيار أنهوري للبروفسور نعمة اللّه جعفري .
وفي الختام، جرى توزيع إفادات مشاركة لعدد من المعلمات من مدارس تابعة للجمعيّة اللّواتي شاركن خلال العام الحالي في دورات تدريبيّة حول الصحّة النفسيّة. كما كان هناك حصّة للمرّضات والممرّضين، من القدامى، الّذين أولتهم الجامعة اهتمامًا خاصًّا عبر تنظيم برنامج تدريب حول الصحّة النفسيّة، وذلك في إطار احتفالات اليوبيل الفضّي (25 سنة) على نيلهم شهادة العلوم التمريضية.
وبعد الاحتفال أقيم حفل غداء على شرف المشاركين والحضور في حدائق الجامعة.