2025- 06 - 21   |   بحث في الموقع  
logo أسبوع ثان من الحرب.. اغتيالات في قم والحرس الثوري يتوعد logo بلدية زغرتا اهدن…”أوّل دخولو.. شمعة ع طولو”!.. حسناء سعادة logo شهيد بغارة إسرائيلية على بلدة برعشيت logo استهداف دراجة نارية “قرب حاجز للجيش”! logo شهيد بغارة العدو على برعشيت logo مقدمات نشرات الأخبار المسائية logo مطلوب بقبضة قوى الأمن في الشمال logo هذا ما جاء في مقررات جلسة مجلس الوزراء!
25 أيار يوم تجسدت فيه المقاومة وسقطت أوهام الاحتلال
2025-05-27 14:30:30

في الخامس والعشرين من أيار من كل عام، يستعيد اللبنانيون ذكرى التحرير المجيد، اليوم الذي دُحر فيه الاحتلال الإسرائيلي من أرض الجنوب بعد سنواتٍ من القهر والهيمنة. لم يكن هذا اليوم مجرد حدث عابر في تقويم الذاكرة الوطنية، بل هو محطةٌ تأسيسية أكدت أنّ هوية المقاومة جزءٌ أصيلٌ من هوية الشعب اللبناني، وجسدت في الوقت نفسه فشل الرهان على قرارات دولية بقيت حبرًا على ورق أمام عناد الشعوب وإرادتها.

منذ فجر التاريخ، أثبتت الشعوب الحرة أنّ الاحتلال مهما طال لا يستطيع كسر إرادة من نشأ على الحرية ورفض الذل. من ثوار الجزائر الذين واجهوا الاستعمار الفرنسي، إلى الفيتناميين الذين كسروا جبروت الجيش الأميركي، وصولًا إلى الفلسطينيين الذين صمدوا في وجه أعتى الاحتلالات، كلها محطات تؤكد أنّ جذور المقاومة تنمو في تربة الكرامة، وأنّها قدرٌ كلما حاول الغزاة اقتلاعه عاد أشد صلابة. هكذا ولدت المقاومة في جنوب لبنان، من رحم القرى والحقول، من صبر الناس، ومن إرث الأجداد الذين رفضوا أن تدنس أرضهم أقدام الغزاة. لم تكن مشروعًا سياسيًا عابرًا، بل امتدادًا لهوية شعبٍ بأكمله، شعبٍ آمن بأن لا مكان للعبودية في قاموسه.

لقد أثبتت تجربة التحرير أنّ القرارات الدولية، مهما كانت عادلة في نصوصها، تبقى عاجزةً عن ردع المحتل الصهيوني. القرار 425 الصادر عن مجلس الأمن عام 1978، والذي دعا الاحتلال الاسرائيلي للانسحاب الفوري من جنوب لبنان، بقي معلقًا في الأروقة الباردة لعقود. لم تنجح المناشدات ولا الدبلوماسية في تحرير الأرض، لأنّ الكيان الصهيوني لا يعرف إلا منطق القوة. وهنا، برزت المقاومة لتسد هذا الفراغ وتعيد كتابة المعادلة: الأرض لا تُستعاد إلا بالدماء والتضحيات، لا ببيانات الشجب والإدانة.

وفي قلب هذه المسيرة التحريرية، وقف سماحة الأمين العام لحزب الله، السيد الشهيد حسن نصرالله، قائدًا ومُلهمًا. لم يكن مجرد زعيمٍ عسكري أو سياسي، بل كان صوتًا صادقًا ينفذ إلى وجدان شعبه، ويعيد الثقة إلى القلوب. من خلال خطبه التي كانت بمثابة نبض المقاومة، أعاد السيد نصرالله زرع الأمل في النفوس وكسر وهم “الجيش الذي لا يُقهر”، مؤكداً دائمًا أنّ “إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”. حضوره الميداني وتواضعه الكبير والتصاقه بالمقاتلين كلها عواملٌ صنعت من شخصه رمزًا وطنيًا رفع راية التحرير ووضع أسس النصر الذي صار ملكًا لكل اللبنانيين.

ما بعد التحرير كان اختبارًا أخلاقيًا وتاريخيًا للمقاومة: كيف ستتصرف بعد كسر الاحتلال؟ هنا أثبتت المقاومة أنها لم تكن مجرد أداة عسكرية، بل حركةً أخلاقيةً تعرف معنى الدولة والإنسان. تعاملت مع من تعاون مع الاحتلال عبر إحالة ملفاتهم إلى القضاء اللبناني، ورفضت منطق التصفيات الفردية والثأر، لتؤكد أن العدالة هي الضامن للوحدة الوطنية. هذا السلوك الحضاري يذكّرنا بفارق واضح مع تجارب أخرى؛ ففي فرنسا مثلًا، حين انتصرت المقاومة الفرنسية على حكومة الاحتلال النازي، شهدت البلاد موجاتٍ من التصفيات الداخلية بحق المتعاونين. أمّا في لبنان، فقدّمت المقاومة انتصارها هديةً لكل اللبنانيين، مكرّسةً مفهوم الشراكة الوطنية فوق كل اعتبار.

رغم هذا السلوك الحضاري، برزت ولا تزال أصواتٌ في الداخل اللبناني تعمل ليل نهار على تشويه صورة المقاومة، والتحريض على بيئتها وجمهورها، في تنكر صريح لقيم الشراكة الوطنية. هؤلاء نسوا أو تناسوا أنّ التحرير هو نصرٌ لجميع اللبنانيين، وأنّ الهوية الوطنية لا تكتمل إلا بالاعتراف بتضحيات من دافعوا عنها.

إنّ ذكرى التحرير في 25 أيار ليست مجرد تذكير بانتصار عسكري، بل هي شهادة على أنّ الشعوب حين تتمسك بهويتها وكرامتها تنتصر مهما كانت التحديات، وتذكيرٌ أيضًا بأنّ القرارات الدولية وحدها لا تحرر أرضًا، وأنّ إرادة المقاومة هي وحدها التي ترسم حدود الأوطان. في هذا اليوم، نحيي ذكرى الشهداء والقادة، ونجدّد العهد بأنّ هذه الأرض التي ارتوت بدمائهم ستبقى عصيّةً على الاحتلال وعصيّةً على كل من يحاول كسر إرادة شعبها.




| خضر رسلان | كاتب ومحلل سياسي



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top