كان رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي واضحاً في كلامه عندما قال يوم أمس، معقباً على نتائج الإنتخابات البلدية في مدينة بيروت، وما سجلته من حفاظ على مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين مع تسجيل خرق واحد ويتيم، من أنّ لائحة “بيروت تجمعنا” قد “جمعت الأضداد، لكنّ الصورة في الإنتخابات النيابية ستختلف، وسيتفرّقون حُكماً”.

فاللائحة المذكورة التي جمعت أفرقاء في السّياسة بشكل غير مسبوق لم يكن ممكناً ومتوقعاً جمعهم، بسبب التناقضات السّياسية الكبيرة بينهم، ضمّت أعضاء يشكلون تحالفاً واسعاً من الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) إلى جمعية المشاريع الإسلامية (الأحباش)، إتحاد العائلات البيروتية، القوات اللبنانية، التيّار الوطني الحرّ، الكتائب، الطاشناق والنائب فؤاد مخزومي وآخرين، مقابل لائحة كان على رأس داعميها الجماعة الإسلامية والنائب نبيل بدر، فضلاً عن دعم غير مباشر من تيّار المستقبل الذي عمل من وراء الستار، واستطاع تسجيل الخرق الوحيد عبر المنسق السّابق للتيّار الأزرق في العاصمة محمود الجمل، الذي حقق رقماً لافتاً كان من شأنه قلب الأمور رأساً على عقب لو فازت لائحته، غير أنّ تماسك لائحة التحالف العريض أجهض مسعاه.

لكنّ هذا التحالف الهجين في الإنتخابات البلديّة الذي جرى تشكيله ودعمه بإيحاءات خارجية، وحاول البعض إسقاطه مسبقاً على الإنتخابات النيابية العام المقبل، متوقعاً تكراره، لا يبدو واقعياً لأسباب عدّة، من أبرزها أنّ قانون الإنتخابات البلدية يفرض تحالفاً لا ينسحب على قانون الإنتخابات النيابية، إلى جانب أنّ المجالس البلدية لا ترسم سياسة البلد ولا خريطة القوى السّياسية فيه وقدرتها على تشكيل حكومة ولجان نيابية، لأنّ المجالس المحلية هي عبارة عن سلطات محدودة الصلاحيات والإمكانات، ولا تعكس شعبية الأحزاب والقوى السّياسية نظراً لارتباطها بالإعتبارات العائلية أكثر من أيّ اعتبار آخر.

كلام برّي الذي يبدو واقعياً جدّاً في بيروت التي تفرّق عشّاق تحالفها البلدي سريعاً بعد صدور النتائج، لن يقتصر على العاصمة فقط، ففي طرابلس مثلاً لا يتوقع أن يستمر طويلاً التحالف الذي جرى نسجه بين النوّاب فيصل كرامي وكريم كبّارة وطه ناجي وأشرف ريفي، ليس فقط لأنّ ما يجمع بعضهم مع البعض الآخر سياسياً يبدو ضئيلاً جدّاً، ولا يُبنى عليه لقيام أيّ تحالف إنتخابي نيابي بسبب التباينات الكثيرة بينهم، بل لأنّ قانون الإنتخابات النيابية القائم على النسبية والصوت التفضيلي يجعل من أيّ حليف عدو وخصم رئيسي ومباشر لحليفه في اللائحة نفسها.

إلى جانب ما سبق، فقد سجّلت إنتخابات بلديّة بيروت وما رافقها من إنتخابات في محافظتي البقاع وبعلبك ـ الهرمل، وما سبقها من إنتخابات في محافظات جبل لبنان والشّمال وعكّار، تراجعاً لافتاً للإنتباه في شعبية النوّاب التغييرين الذين حققت اللوائح التي دعموها في كلّ لبنان أرقاماً هزيلة لا تعكس الهالة التي رسموها لأنفسهم بعد إنتخابات 2022، وما حققوه عامها من نتائج هامّة، ما طرح تساؤلات عدّة حول حقيقة تضخيم حيثياتهم الشّعبية، ومدى قدرتهم على تكرار النجاح الذي حققوه قبل 3 أعوام في الإنتخابات النيابية العام المقبل.