نقلت إيران، للمرة الأولى، صواريخ بعيدة المدى إلى الميليشيات الشيعية الحليفة لها في العراق، بحسب ما نقلت صحيفة "ذا تايمز" البريطانية عن مصادر استخباراتية إقليمية، في تقرير نُشر اليوم الثلاثاء.
وأشارت الصحيفة، نقلاً عن مصادر لم تسمها، إلى أنه جرى تسليم الصواريخ، ومن بينها طرازات قادرة على الوصول إلى أوروبا، خلال الأسبوع الماضي عبر الحدود المشتركة بين البلدين، وتم التنسيق للعملية من قِبل سلاح الجو التابع للحرس الثوري الإيراني.
وأكدت المصادر نفسها، أن هذا النوع من الصواريخ لم يُسلَّم سابقاً إلى وكلاء إيران في العراق، ما يشير إلى تصعيد لافت في أدوات المواجهة التي تستخدمها طهران قبل أيام من دخولها مفاوضات مرتقبة مع الولايات المتحدة في شأن برنامجها النووي والصاروخي.
أدوات الهيمنة الإيرانية
وعززت إيران حضورها داخل العراق عبر دعم عشرات الفصائل المسلحة، التي تأسس بعضها في زمن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وترعرعت سياسياً وعسكرياً بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وتُعد هذه الفصائل أداة مركزية في سياسة طهران الإقليمية، وتتمتع بقدرات عسكرية وتنظيمية ومالية مستقلة عن الدولة العراقية، رغم ارتباطها الوثيق بالأجهزة الرسمية في بعض الأحيان.
وتستخدم إيران ومنذ سنوات، هذه الجماعات كخط دفاع متقدِّم، سواء في سوريا أو في الداخل العراقي، لموازنة النفوذ الأميركي. وبعد خساراتها المتتالية إثر تراجع نفوذ "حزب الله" في لبنان، وسقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في سوريا، باتت الميليشيات العراقية - إلى جانب الحوثيين في اليمن - آخر ما تبقى لطهران من وكلاء فاعلين في المنطقة.
إنذارات أميركية حاسمة
وهدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الإثنين، من البيت الأبيض، بأن "فشل المفاوضات مع إيران سيجعل من ذلك يوماً سيئاً جداً لطهران".
وجاءت التصريحات خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأكد خلالها عزمه على "محاسبة إيران على أعمال وكلائها" في حال لم تثمر المفاوضات في سلطنة عُمان يوم السبت المقبل.
وتزامن التحذير مع مقتل القيادي الحوثي عبد الناصر الكمالي، الذي أُصيب في غارة أميركية ضمن سلسلة من الضربات على أهداف حوثية في اليمن، ما اعتُبر رسالة إقليمية شاملة مفادها أن الوكلاء لن يكونوا بمنأى عن الرد الأميركي، بحسب ما جاء في تقرير الصحيفة.
مخاوف الميليشيات من التصعيد
وفي العراق، تعيش الميليشيات التابعة لإيران في العراق، حالة ارتباك غير مسبوقة. فبعد اغتيال القائد البارز في كتائب "حزب الله" أبو باقر السعدي بغارة أميركية، في أعقاب هجوم شنته جماعته على قوات أميركية في الأردن، في كانون الثاني/يناير 2024، علّقت الجماعة عملياتها بهدف تجنب "إحراج الحكومة العراقية"، وفق ما نقلت "ذا تايمز" عن مصادر مقربة من الجماعة.
وتحدثت الصحيفة عن مخاوف متزايدة داخل الميليشيات من احتمال أن تكون أهدافاً مباشرة في أي رد أميركي مقبل. دفعت هذه المخاوف بعض قادتها إلى الدخول في مفاوضات مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في شأن تقليص نشاطاتهم المسلحة مقابل دمجهم في العملية السياسية.
في هذا السياق، صرّح السياسي العراقي عزت الشابندر، لوكالة "رويترز" أمس الإثنين، أن الفصائل لا تُظهر عناداً في الحفاظ على سلاحها، وأن المحادثات مع الحكومة "في مراحل متقدمة".
انقسام داخلي واستراتيجيات متضاربة
وقال دبلوماسي غربي للصحيفة البريطانية، إن قادة الميليشيات يخشون من تفكك داخلي مشابه للنموذج اللبناني، إذ تتزايد الانتقادات الشعبية والسياسية العراقية لارتباط هذه الجماعات بطهران، و"استيرادها مشاكل إيران إلى الداخل العراقي"، كما عبّر المصدر.
وأشار ويليام ألبيرك، الزميل في مركز ستيمسون، إلى أن طهران تحاول تعزيز دعمها العسكري للجماعات لتمنعها من الانخراط في التسوية السياسية. لكنه رجّح في تصريحاته لـ"ذا تايمز"، أن بعض القادة قد يفضّل الاحتفاظ بالدعم الإيراني لاستخدامه كورقة تفاوض، لا للاستمرار في مواجهة مفتوحة، باهظة الكلفة وفاقدة للجدوى.
وأكد ألبيرك أن إيران لن تتخلى بسهولة عن هذه "الأدوات المفيدة"، فهي توفر لها قدرة على زعزعة الاستقرار، وفتح قنوات للتهريب والجريمة المنظمة في مناطق النفوذ غير الخاضعة للدولة.