كلٌّ من الأربعة والثمانين قال، في اليوم التالي: أنا هي "أرْيَــا ســتارك" التي طعنت الملك، في ذاك الليل الطويل، فسقط جليدًا. عدوان، وكرامي، وضوّ، وجنبلاط، ومعوّض والجميّل. كلّهم. حتّى باسيل. لحسن الحظّ، لا يهمّ من كان، فعلًا، أرْيَــا ســتارك. المهمّ أنّ ملك الليل نام ظافرًا، واستيقظ سرابًا. وفي سيناريو مُنافٍ للتوقّعات، سُمّي نوّاف لأولى مهام الربيع، بعد الشتاء الطويل. سلسلةٌ من الصُدف والحركيّات البسيطة والفوضى والضيّاع والحظّ نجحت بتحفيز "تأثير الفراشة" وبإحداث خَرقٍ جلل."ساعات ما قبل الليل"قبل ذاك الليل المُعارض الطويل، كان نجيب ميقاتي مسترخيًا، على بساط شبح كلمة سرٍّ دوليّة، بانتظار الخروج من شرنقة تصريف الأعمال، وفرْدِ جناحَيه ويدَيه الطويلتين فوق منافع المرحلة الموعودة. كانت المُعارضة، غير واضحة المعالم، تعلمُ أنّ ضربة مخزومي ليست "ضربة معلِّم"، وأنّها، في أحسن الأحوال، لن تصيب أكثر من العارضة. لا هدف مرجوٌّ في مرمى الثنائي "أند كو". أمّا ترشّح ابراهيم منيمنة، فقد بَقيَ، مصحوبًا بمرونةٍ وحركةٍ في اتجّاه إسم نوّاف، تحت خانة "تسجيل موقف". حركةٌ، فيها بركة، كانت أوّل خفقة جناحَي الفراشة، وحرّكت ركود مستنقع التسميّة أبعدَ من المُراد والمتوقّع بكثير."خلفيّات الليل الطويل القوّاتيّة"كلّ ما ابتغاه سمير جعجع، من لعبة مخزومي، هو فرد خيمة معراب فوق أوسع مساحةٍ معارضةٍ ممكنة، آملًا بأنّ يلمّ، بسنّية مخزومي، مقدارًا كافيًا من شتات السنّة، وبمواجهة الثنائيّ، ما يكفي من المسيحيّين، وبالإحراج، غالبيّةً من التغيير. ليس خفيًّا أنّ "الحكيم" توّاقٌ إلى ترؤّس المعارضة، لا سيّما، بعد فشل محاولةٍ، غير حكيمةٍ، في رئاسة الجمهوريّة، وأخرى، غير ناضجةٍ، في عزّ الحرب الأخيرة. لم يكن مخزومي جوهريًّا، ولا نوّاف. الأولوية هي ترَؤس المعارضة في وجه شبح كلمة سرٍّ، لم يجدوا إلى دحضها أو إلى تأكيدها سبيلًا."ترِيـــو التغيير" مشى "الترِيـــو"، ضَو والصادق والدويهي، في عداد متحمّسي مخزومي، مع المعارضة، خشيةً من رُهابين: الهامش والمَلامة. إذ تُتقن أحزاب المعارضة توزيع الفشل ورمي الملامة، لا سيّما، على قوى التغيير. فالثلاثة لُدِغوا من جُحر النقاء الثوريّ مرّتين، ومن جُحر الإعتكار السياسيّ والبراغماتيّة المتسرّعة مرّاتٍ ومرّات. لكنّهم، هذه المرّة، نجَوا بأعجوبةٍ ومرونةٍ، ساهم بهما مرارة إسم مخزومي وحلاوة إسم نوّاف. نجحوا في إدخال الأخير إلى جدالات الليل الطويل. ساهمت حماسة باقي نوّاب التغيير، نحو القاضي سلام، في تدعيم نقاط الأخير على طاولة الليل. نقاطٌ كانت القوات أوّلَ مُلتقطيها، لا سيّما، نائبها الكورانيّ فادي كرم، الذي نقل عدوى نوّاف إلى قلب معراب. انقسم الليل، بعدها، بين حماسةٍ شوساءَ للقاضي وأخرى شعواءَ ضدّه."المصرفيّ والكتائبيّ ومعوّض"من حضروا ذاك الإجتماع الليليّ، يعرفون أنّ رياح المصرفيّ عصفت، عبر هواتف الحاضرين، في غير أشرعة نوّاف. ميقاتي، مخزومي. أيًّا كان، إلّا ذاك القاضي. رياحٌ أبطأت الموافقة الكتائبيّة حتّى وقتٍ متأخّرٍ من الليل الطويل، فيما بَقيَ فؤاد مخزومي وميشال معوّض وهواتف المصرفيّ مقاومَين، للإسم الجديد، حتّى بزوغ الفجر. ليس التوجّس المصرفيٍّ، من نوّاف، مفهومًا. لكنّ المفهوم، في أيّّ مكانٍ في العالم، هو أنّ كلّ ما يقلق "البنكرجيّة"، في المُطلق، قد يُريح مواطنًا منهوبًا."شبح كلمة السرّ"جاء اعتماد المعارضة إسم نوّاف للرئاسة الثالثة، مفاجئًا ومربكًا لنادي السياسة التقليديّ. إعتمادٌ رفع توجّس جميع الساسة، لا سيّما ساسة الثنائي، من كلمة سرٍّ دوليّةٍ ما، خلف تسمية القاضي الدوليّ. وكلمات السرّ مُنزَلةٌ عند الساسة اللينانيّين، وهي، تاريخيًّا، أكثر ما يُقلقهم. لا جرأة لأحدٍ منهم على التمرّد والرفض، أو حتّى، على الجدال. فكلّّ هذه الهيبة المتضخّمة على أربعة ملايين لبنانيّةٍ ولبنانيّ، تذوب، كالشمع أمام الجمر، أمام كلمات السرّ الآتية من بعيد. والشبح، هذا، عبث بعقول كتلٍ ونوّابٍ وزعماءَ كثرٍ، مثل باسيل وجنبلاط وكرامي وغيرهم، حتّى استسلم مُعسكَرا ميقاتي ومخزومي، وبلغت تسميات القاضي نوّاف سلام الأربعة والثمانين. شبح كلمة السرّ هو أكثر فضلًا، في وصول القاضي، من أيّ نائبٍ أو كتلةٍ أو حركيّة سياسيّة أو دهاءٍ أو نوايا."التشكيل: تشبيح بلا شبح"في الصباح الأوّل، بعد تكليف نوّاف، أَيقَن الساسة أنّ كلمة السرّ كانت محضَ شبحٍ، وأنّهم "أكلوا الضرب". دخل الإحتفاء السياسيّ، عند غالبيّة أهل المنظومة، بالقاضي المكلّف، في بازار الشعبويّة والتشبيح. تسجيل نقطةٍ من هنا ومنّة للعهد من هناك. حتّى أنّ أكثر مَن مانعوا تكليف نوّاف باتوا عرّابين لتكليفه، علّهم يقبضون كلفةً ما في حكومته. فالرئيس المكلّف، اليوم، يقبع تحت ضغطٍ هائلٍ مزدوج المصدر: نهمة ضِباع المنظومة وسقف التوقّعات الشعبيّة الشاهق الإرتفاع. نوّاف معروفٌ، في دوائر النخبة العالميّة، بعناده ودهائه وقدرته العالية على الإستماع والمشورة. فهو يدرك مساوئ النصر الساحق "Total victory"، وخطورة فخّ التساوم المفرط. وهو موقنٌ أنّ المطلوب هو ما تقتضيه المرحلة، ليس ما تقتضيه شهيّة الساسة ولا كامل أماني المواطنين. هو، حتّى الساعة، يزين مهمّته "بميزان جوهرجي". كلّ التسريبات والمهاترات في الإعلام ليست دقيقة. فالرجل لن يكون سائغًا، تمامًا، للمنظومة ولن يكون مخيّبًا، تمامًا، للمواطنات والمواطنين. لا ضرورة للتكهُّن والإفراط في التحليل، ويا خبر، اليوم بفلوس… بكرا ببلاش.