تحفز المسرحية الفرنسية "بين اثنين" -وهي من إخراج جان فيليب آزيما- بقالبها الفكاهي الساخر، والتي عرضت في مسرح مونو في الأشرفية، هواة المسرح الكوميدي لمتابعة فك مسار ألغاز مشوقة في مسار حياة كل من الممثل برونو شابيل، وهو كاتب العمل المسرحي، في دور فرانسوا، وباسكال ميشودفي بدور جّان. ويعلق الثنائي في مصعد في مكان عمل الأول كمحاسب في شركة، فيما الثانية جاءت إلى مقابلة عمل في إحدى الشركات في برج شاهق يضم مكاتب عمل. تدور أحداث هذه المسرحية، التي لاقت نجاحاً خلال عروض عديدة في فرنسا، ومنها في مهرجان أفينيون المسرحي، في مصعد تعطل مرتين. المرة الأولى بسبب انقطاع التيار الكهربائي، والثانية بعد عطل تقني طارىء، ما أجبر الثنائي على البقاء في المصعد وجهاً لوجه في كلام صريح عن حياة جانّ وهي أمّ لطفلة تدعى إليوت، وفرانسوا الأرمل، فتكتشف جانّ عبر سياق الحديث سراً جامعاً بينهما يقلب مقاييس القصة ومسارها. والعرض، الذي جذب جمهوراً عاشقاً للغة الفرنسية، وعبر ديكور بسيط لمصعد، أبرز حواراً كوميدياً وفكاهياً لحقائق في حياة رجل وامرأة، مع تمايز فرانسوا في أدائه لأدوار متنوعة وشخصيات "ملونة" ترافق سياق القصة ومطباتها. فقد نجح هذا الأخير في أداء دور بوّاب مدرسة ابنة جان، الذي يشكو مراراً من تأخر والدتها لمرافقتها من المدرسة، وصولاً إلى أدائه وبإحتراف شخصيات تجسد الحياة الخاصة المضطربة لجاّن. أسقط سياق العرض، الأقنعة عن حياة فرانسوا والجامع المشترك، الذي لم يكن في الحسبان، مع جّان، في محاولة لكشف مفارقات إجتماعية مُعاشة في حياتنا بضحكة، مع ما يرافق ذلك من تجسيد العرض نفسه لواقع إنقطاع التيار الكهربائي الذي أوقف المصعد، وبطء حضور فريق الصيانة لإصلاح العطل، وهو ما نعيشه بنمط يومي في لبنان ويقارب إحدى أزماتنا الحياتية القديمة والمتعبة جداً، ولو جاء ذلك من باب الصدفة ليس إلا. بالنسبة إلى دور جّان، فقد ظهّرت في أدائها نمط حياة متضاربة بين أنثى متحرّرة وامرأة مقيدة في أمومتها، مع ما يرافق ذلك من توقها إلى تغيير لطالما حلمت به كل أنثى تتخبّط في معركتها في الحياة العامة والشخصية.اللافت في المسرحية هو السيناريو الساخر "المحبوك" بأسلوب مشوق، فلا يشعر المتابع بأي ملل، لا سيما أن سياق الكلام حمل نهاية غير متوقعة للعرض، وهي خاتمة بدت مثيرة ومفاجئة للجمهور. قارب العرض بواقعية الضحك، أبعاد خفايا حياة الناس في المجتمع، ولو كان أوروبياً متحرّراً. صارح العرض أيضاَ الجمهور بقضايا نسوية مقلقة لنساء الكون كله، كالزواج، الطلاق، الإنجاب، الحب الجديد، وضرورة تمكين المرأة إقتصادياً، وما يرافق هذه المطالب من صعاب جمّة ومفاجآت من "جليس" جان، حملت في طياتها هويته الحقيقية. وذلك بموازاة الكثير من التواطؤ بينهما، وارتفاع ملحوظ لمنسوب الكيمياء بين الممثلين، وتوزيع متوازن ومتكافىء بين رجل وامرأة شكلا نموذجاً دينامياً لثنائي من مجتمعات هذا العالم. العرض هو محاولة لكسر الصمت ورفض التمييز بين الرجل والمرأة، وهو جاء فعلياً فرصة للإسترخاء والمتعة وإيجاد قاسم مشترك بين حياتنا وحياة هذا الثنائي الفرنسي. (*) يستمر عرض "بين اثنين" في مسرح مونو حتى الأحد 26 كانون الثاني الجاري، يومياً، في تمام الساعة 8،30 مساء.