يمكن للضربة الإسرائيلية على دمشق، واغتيال قادة في فيلق القدس، وهم عملياً الذين يديرون المشروع الإيراني عسكرياً في المنطقة، أن يؤدي إلى حرب واسعة. لكن إيران هي التي لا تزال تصر على رفض الحرب. فحسب المسوغات الإيرانية، تصرّ اسرائيل على استفزاز إيران وحلفائها لاستدراجهم إلى حرب واسعة، تنجرّ إليها أيضاً الولايات المتحدة الاميركية. وهو ما تحقق فيه تل أبيب فرصة لقطع مسار التفاوض الإيراني الأميركي المفتوح، وتطيل أمد الحرب وتوسعها. ثلاثة تجاربتتعدد الآراء في إيران بين من يريد تنفيذ رد قوي وحاسم، تستعيد فيه طهران هيبتها وقدرتها على الردع، وبين من يرفض الرد بشكل يؤدي إلى توسيع الصراع ونجاح الإسرائيليين بإيقاع طهران في الفخ.
وفق مصادر مقربة من الإيرانيين، تستعيد إيران في مثل هذه الحالات ثلاث تجارب. الأولى، هي بقاء الإمام علي خارج السلطة وبقاء الخلافة بعيدة عنه لما يفوق 20 سنة. وهو بقي متنازلاً ولم يطالب بها أو يخوض الحرب في سبيلها حرصاً على دماء المسلمين، وعلى الخلافة الإسلامية ككل. ذلك ينطبق عليه ما يقوله مرشد الجمهورية الإسلامية دوماً، بأن الهدف الأساسي هو حماية النظام الإيراني كعماد لمشروع الثورة الإسلامية المصدَّرة إلى الخارج.
وتضيف هذه المصادر، التجربة الثانية هي تجربة صلح الإمام الحسن مع معاوية، وذلك لحماية دماء المسلمين. وذلك ينطبق على إيران في المساعي الدائمة للوصول إلى صلح وتفاهمات مع الأميركيين، وتجلت في الاتفاق النووي 2015، واستمرار المفاوضات حالياً حول النووي والعودة إليه، بالإضافة إلى التفاهم على ترتيبات تتصل بوضع المنطقة من دون انفجار الصراع بشكل كبير، أو تحوله إلى حرب شاملة. بهذا المسار أيضاً تدفع إيران إلى حماية النظام والمشروع، والحصول على اعتراف اميركي بالنفوذ الإيراني في المنطقة، وفق منطلقات هكذا صلح مأمول. ولذلك، الاتجاه الثاني في النقاش الإيراني حول الرد على عملية دمشق، أيضاً لا يزال يركز على التفاوض، وإن اقتضى في بعض مراحله أن يحصل بالنار، ولكن الغاية ليست الذهاب إلى حرب.
وتكمل المصادر، أما التجربة الثالثة فهي الخيار الكربلائي الحسيني، أي اللجوء إلى الثورة المسلحة والتي جاءت أيضاً دفاعاً عن الإسلام والمسلمين، لا سيما مع عبارة الحسين الشهيرة "ما خرجت إلا لطلب الإصلاح في أمة جدي". وهذه اللحظة التي تم اللجوء فيها إلى الحرب. وهنا لا بد التذكير بمقولة شهيرة للإمام الخميني أن الثورة الإسلامية في إيران هي ثورة كربلائية حسينية. واللجوء إلى هذا الخيار لا يبدو أنه قد حان إيرانياً بعد. لكن لحظة الوصول إليه هي شن إيران وحلفائها حرباً شاملة ضد اسرائيل، وهي بطبيعة الحال ستتطور إلى حرب مع الولايات المتحدة الأميركية.استعادة الهيبةما بين هذه التجارب الثلاث، لا تزال إيران تحافظ على التجربة الثانية، وتسير وفق منهجها، على الرغم من كل المحاولات الإسرائيلية للاستفزاز والاستدراج. ما تركز عليه إيران الآن هو البحث عن استعادة الهيبة، إذ لا حكم بلا هيبة. قوة السلطة تضعف وتتخلخل لدى ضرب هيبتها. هذا بالضبط ما تقوم به إسرائيل تجاه إيران وحلفائها. حاولت إيران مراراً ضرب الهيبة الإسرائيلية بتصريحات ومواقف تارة، وبعمليات متفرقة أحياناً، وصولاً إلى عملية طوفان الأقصى، التي تعتبر عملية لضرب الهيبة الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة ككل. لكن اسرائيل سعت بكل قوتها إلى استعادة هيبتها، سواء بالعملية العسكرية التي تشنها على غزة، أو بالضربات التي توجهها لحزب الله في لبنان أو للحزب وإيران في سوريا. وهي ضربات تسعى إسرائيل من خلالها إلى استعادة هيبتها. آخر ضربات استعادة الهيبة الإسرائيلية، هو استهداف القنصلية الإيرانية في قلب دمشق واغتيال كبار المسؤولين في فيلق القدس.
لا شك أن العملية قاسية جداً على إيران، وعبرها يقول الإسرائيليون إنهم قادرون على الوصول إلى أي مكان يريدونه. والمجموعة التي تم اغتيالها في القنصلية الإيرانية في سوريا هي التي تعمل على إدارة كل الملفات في كل المنطقة. بذلك تتأكد المعطيات التي تفيد بأن إسرائيل تعمل على تفكيك كل القيادات العسكرية التي كانت شريكة لقاسم سليماني، والذين يشكلون القوة المتقدمة في المنطقة. وهم ايرانيون وعراقيون ولبنانيون. إذ أن الاستهدافات التي طالت كوادر ومسؤولين في قوة الرضوان هي ضربات قاصمة، خصوصاً أنه لن يكون من السهل إعادة تشكيل هذه الكوادر بهذه الكفاءات بسرعة، بل يستغرق سنوات مديدة. كما أن نتائج هذه العمليات هي توجيه المزيد من الإهانات الاسرائيلية لكل القدرات العسكرية لإيران وحلفائها. والتسبب بخلخلة كل البنى الأساسية الإيرانية في المنطقة. لذلك لا بد من انتظار الرد الإيراني عسكرياً، وما سينجم عنه سياسياً.