ذكَر الروائي والشاعر الفلسطيني، ابراهيم نصرالله، في صفحته الفايسبوكية، أنّ الرقابة في معرض عمّان الدولي منعتْ تداول مجلدات أعماله الشعرية الصادرة عن مؤسسة الدراسات العربية للنشر... وسأل: "أما آن لهذا المنع أن ينتهي؟"، وأضاف: "في الوقت الذي أقوم فيه بجولة أقدّم فيها محاضرات في جامعتي كولومبيا وبنسلفانيا في الولايات المتحدة.. يصلني خبر قيام الرقابة بمنع مجلدات أعمالي الشعرية الثلاثة.. (من دون إبداء الأسباب) التي صدرت العام الماضي وتمّ الاحتفاء بصدورها في حفلة توقيع أقيمت في عمّان وتوزيعها في معرض عمّان للكتاب العام 2022. منذ أربعة أيام أحاول البحث عن حلّ هادئ لهذه المسألة من دون جدوى.. لذا، كان لا بدّ من الكتابة عن الأمر مع وجود من يسألني من القارئات والقراءة عن هذه الأعمال في المعرض".ويبدو أنّ علاقة الرقابة (الماكارثية) الأردنية، بأعمال الروائي الفلسطيني الأصل ابن بلدة البريج، والمولود في مخيم الوحدات (1954) في الأردن وعمّاني الإقامة، أشبه بمسلسل يعاد تكراره بشكل ساذج. فسبق أن مُنع مجلد أعماله الشعرية مباشرة بعد فوزه بجائزة العويس للشعر العربي العام 1998 عن هذه الأعمال، وتم التراجع عن القرار بعد احتجاجات إعلامية وثقافية. وفي العام 2006 وفي سابقة غير معهودة، أقدمت دائرة المطبوعات والنشر الأردنية على تحويل المجلد الشعري نفسه للاحتسام القانوني بحجة ان "مواده تتعارض مع قوانينها". وقال مدير المطبوعات والنشر، مروان قطيشات، أن قراءة المجلد خلصت الى انه يحتوي على مقاطع شعرية وعبارات لا تتفق مع قوانين المطبوعات والنشر، الأمر الذي أدى إلى مصادرة المجلد وتحويله الى الجهات القضائية. وحول المقاطع الشعرية والعبارات التي أدت الى هذا القرار، بيّن قطيشات انها مقاطع وعبارات تتعرض لأحداث أيلول/سبتمبر 1970 وتتوجه بالاساءة إلى الدولة الأردنية ودور القوات المسلحة، معتبراً أن هذه الاساءة ستؤدي إلى اثارة الفتن وعدم الاستقرار إضافة الى تلقين الأجيال الجديدة معلومات ملقّنة عن أحداث أيلول التي لا يمكن أن توصف الا بالفتنة التي يجب أن تظلّ نائمة وبعيدة من العبث.وكان الشاعر ابراهيم نصر الله، قد لفت حينها إلى أنّ القصائد المتهمة الآن صدرت في ديوان مستقل (نعمان يسترد نومه) العام 1984، ولم تُمنعْ آنذاك، كما عادت وصدرت في مجلد الأعمال الشعرية ولم تُصادر. وأضاف نصر الله: "الزمن بيّن أن هذه القصائد لم تزلزل أركان الوطن ولم تفسد الأمن أو تشرخ وحدته الوطنية"...وأظهرت الوقائع أن الأمن الوقائي الأردني يخاف من الذاكرة وتفاصيلها، كأن أحداث أيلول بالنسبة إليه لم تقع، ومُحرّم الكلام عنها، تماماً كما هو الحال مع بعض الأحداث في لبنان. نصرالله، الذي عايش أيلول الأسود، وعاش طفولة صعبة في المخيمات، ذكر أكثر من مرة أنه مُنع من السفر، وإن قدَّمَ أمسية، لاحظ أنها تضج بالأمن. وهو ما دفع بالناشر ومدير المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ماهر كيالي، إلى التساؤل بعد المصادرة: لماذا تصر دائرة المطبوعات والنشر على بقاء موضوع أيلول 1970 من المحرّمات؟ وأشار الكيالي إلى أن الحكومة البريطانية تفرج عن كل مصنفاتها السرية وغير السرية، بعد مرور ثلاثين عاماً على حدوثها، لتقدمها معلومة وفي متناول الناس. وأكد الكيالي على ضرورة الانتهاء من عهود القوانين القديمة والاستثنائية، وترك الكتاب الذي يشهد الآن حالة من الانحسار للقراء، لأن الوضع الطبيعي أن يمر الكتاب بلا إعاقة تُذكر. في الخلاصة، وبعد احتجاجات أكاديمية وثقافية وإعلامية أردنية وعربية وعالمية، تم سحب القضية بقرار من المستويات العليا للدولة. والآن بعد سنوات وسنوات، يعاد تكرار المشهد، رقيب، فمصادرة وضجيج، في المستنقع نفسه...ويقول نصرالله: "في كل مرة، أعتقد ان الأمر سيكون آخر مرّة. الأمر يثير الغضب حقاً ويتناقض بصورة صارخة مع الاحتفاء بالكتب والكتّاب وهو تكرار مرعب لخطيئة المنع التي لا تُحتمل، ما أعتبره مفاجئاً حين يتعلق بي وبفكرة الرقابة أصلاً".كأن هناك عقدة شخصية في كتب ابراهيم نصرالله الشعرية، وهذا يشكل نموذجاً عن واقع الرقابة في البلدان العربية. فرغم الصعود إلى المريخ وناطحات السحاب، ورغم عوالم الانترنت، وسهولة وصول المواطن إلى الكتب، بطريقة ما، ما زال الرقيب العربي يمارس ساديته تجاه النصوص، يخاف من قصيدة أو مشهد جنسي، كأنه إذا منع كتاباً فهو يثبت حضور سلطته وسطوته. يمنع كتاباً هنا، ويحذف مقطعاً من ترجمة هناك، وأحياناً يمنع داراً بكاملها من المشاركة في بعض المعارض ولأسباب غالباً واهية ترتبط بالشائعات. في المقابل، دور النشر تمارس الصمت بإزاء الكتب الممنوعة في بعض البلدان، حرصاً على ألا تنجر البلدان الأخرى إلى التماثل معها.