هل تحتاج المكتبة العربية إلى كتاب جديد ضمن فئة أدب السجون؟ نعم، لأن الكاتبة السورية جمانة طه لم تؤلف كتاباً آخر ينضم إلى ما تحفل به المكتبة العربية من فئة كتب السجون والمعقلات، بل كتاباً امتاز عن غيره بالعمق والشمول من جهتين: من جهة اتساع رقعة البحث التاريخي ليشمل القديم والحديث من تاريخ السجون والمعتقلات، ومن جهة العدد الكبير من الأسماء الأدبية التي استعرضت تجاربها وألقت الضوء على المعاناة التي ذاقها هؤلاء في سجون الاستبداد قديمه وحديثه.
ما دامت الدكتاتوريات العربية راسخة وتتمدّد، وما دام العسكريون العرب متشبثين، بالسلطة، ينشبون بجسدها الهزيل أسنانهم وأظافرهم، فمن غير المستغرب أن تكثر السجون والمعتقلات وتتعدّد أجهزة الأمن وتتوحش، لا يردعها قانون ولا حساب. وهكذا حال المنافي القريبة والبعيدة التي تكاد تكتظ بمن نجا من الموت حبساً وتعذيباً، وكذلك الفارين بأرواحهم من عسف السلطات وجبروتها.
وما دام الحال كذلك، فلا غرابة في أن يزدهر أدب السجون العربي ، ولا يتوقف رفد المكتبة العربية بالدراسات والسير والروايات والقصائد التي تروي جانباً من المعاناة الإنسانية التي ذاقها كتّاب وشعراء وناشطون سياسيون ومواطنون عاديون في سجون السلطات العربية وفي أقبية مخابراتها وعلى أيدي جلاديها الذين أبدعوا في فنون التعذيب والقهر، وحتى القتل في بعض الحالات.
في هذا السياق صدر كتاب «اعتقال الحياة: من أدب المنافي والمعتقلات» للأديبة السورية جمانة طه، وهو كتاب يمتاز، بحسب ما جاء على غلافه الخلفي، «بالعمق والشمول من جهتين: اتساع رقعة البحث التاريخي ليشمل القديم والحديث من تاريخ السجون والمعتقلات، والعدد الكبير من الأسماء الأدبية التي استعرضت المؤلفة تجاربها وألقت الضوء على المعاناة التي ذاقها هؤلاء في سجون الاستبداد قديمه وحديثه، وقدّمت نماذج من أعمالهم وأوردت بعض ما صرحوا به بأنفسهم».
وتجدر الإشارة إلى أن البحث شمل معظم أقطار الوطن العربي، وتطرق إلى تفاصيل وحالات قد لا تكون معروفة لدى القارئ العربي.
وقد جاء في تقديم المؤلفة لكتابها: «تنبني هذه الدراسة على حكايات هؤلاء المدمَّرين والمسحوقين الذين سعوا إلى لحظة صفاء ذاتي، وتحرر داخلي مُنع عليهم بلوغه. فمن خلال إبداعاتهم استطعت أن ألتقط نبضهم في أثناء وجودهم في السجن، وبعد خروجهم منه. فإذا كان بعض المعتقلين قد تمكنوا من الابتعاد عن حياتهم في السجن، فإن بعضهم لم يستطيعوا أن يتخلصوا منها. فحريتهم قيّدت مستقبلهم، ومنحتهم راهنًا مثقلًا بالخيبة والألم. فالشعر الذي نظموه والنثر الذي كتبوه في فترة حبسهم هو الوثيقة الرئيسة لهذه الدراسة، إلى جانب ما صدر عنهم من قبل وأدى بهم إلى الاعتقال والسجن والنفي وحتى القتل. وسيجد القارئ أن القاسم المشترك بين الأدباء المثبت ذكرهم في الدراسة، هو البعد الإنساني المتوافر في حياتهم ومعاناتهم. وستضعه أشعارهم وسردياتهم، في قلب تجربة الأسر حتى ليشعر أنه يعيشها واقعًا حقيقيًا وليس مجرد كلام كُتب للقراءة».
صدر الكتاب حديثاً عن دار سامح للنشر في السويد، وجاء في 354 صفحة من القطع الوسط.