2025- 05 - 12   |   بحث في الموقع  
logo حزب الله في صيدا عرض مع وفد جمعية نور اليقين الأوضاع الإجتماعية في صيدا والجوار logo باسيل: واجهنا الإلغاء في جونية والأرقام تثبت حضورنا شمالاً logo الاتحاد العمالي في الجنوب: أين الوعود بإعادة الإعمار والتحرير؟ logo البستاني الى وزير الصحة من مستشفى دير القمر الحكومي: لقد اتممنا مهمّة البناء وحان وقت التجهيز والتشغيل logo ترامب: زيارتي إلى السعودية والإمارات وقطر “تاريخية” logo في مصر.. إنجاز رياضي للبنان logo أحيلت للجيش اللبناني.. “اليونيفيل”: عثرنا على أكثر من 225 مخبأ أسلحة logo عون لأمير الكويت: حفاوة الاستقبال عكست مدى محبتكم للبنان وشعبه
هل كان صلاح جاهين ممثلا بالصدفة؟
2023-04-23 08:27:15



قليلون أولئك الذين يجمعون بين أكثر من موهبة، ونادرون هم من استطاعوا التفرّد في كل واحدة منها، أما هؤلاء الذين يحلقون بعيدا، ويتركون أثرهم أينما حلوا فهم العباقرة المعدودون، فلتات زمانهم وكل زمان.
وليس في هذا الزمان من هو فلتته وألفته وبهجته وفتنته أفضل صلاح جاهين الذي رحل عن عامنا في الحادي والعشرين من نيسان 1986 هذه الكتلة المتفجرة من العبقرية والمشاعر الإنسانية، فريد عصره وأوانه، إحدى علامات الحياة بمصر في وقت استأثر فيه رجال السياسة والفن والرياضة بالشهرة والأضواء فإذا به يملأ الدنيا إبداعا كرسام وشاعر ومؤلف درامي وممثل ومؤد غنائي ومستشار فنّي في العديد من المجالات، والأهم من ذلك كله يده الحنونة التي امتدت لكل بذرة فنّية واعدة، وقلبه الكبير الذي فاق كتلة جسده احتواء ومساندة لكل مأزوم لجأ إليه وما أكثرهم، هذا الرجل الذي كان ينشر بهجته رغم نوبات اكتئابه، وينثر حنينه رغم برودة أيامه، ويفرش على الجميع رداء محبته من دون مًن أو تفضل، هذا الإنسان الذي اختصرت سعاد حسني إنسانيته حين قالت إنه كان "يشربنا الشاي ويشرب هو التفل". صلاح جاهين الذي استطالت قامته تيها وفخراً مع المد الثوري المصري في الخمسينيات والستينيات، وانكفأت هامته احباطاً وانكساراً مع هزيمة حزيران وضياع الحلم العريض، صاحب الرباعيات التي حملت فلسفته في الحياة والوجود بسط رداءه على كل مجالات الإبداع تقريبا، فكان مثار اهتمام الباحثين والدارسين في كل هذه المجالات ربما باستثناء مساهماته السينمائية التي لم تنل حظها من الاهتمام.فهل كان صلاح جاهين ممثلا بالصدفة؟
ربما تقول واقعة ولوجه إلى عالم السينما أنه هبط على مهنة التمثيل بالمصادفة، أو أنه أتاها على سبيل المغامرة، أو هي كانت بالنسبة إليه مجرد لعبة شأن الكثير من ألعاب جاهين التي خاضها في حياته، لكن الباحث عن جذور التمثيل في جعبة جاهين يدرك أنها لم تكن مصادفة عشوائية في مسيرة عطائه المتعدّدة، صحيح أن التمثيل لم يكن سابقاً على موهبتي الرسم والكتابة لكنه كان بالتأكيد جزءاً أصيلاً من مكنون مواهبه المتعدّدة.يقول صلاح جاهين إن الرسم كان سابقاً على كل المواهب التي حباها به الله وأنه كان يأخذ من وقته الكثير على حساب تحصيله الدراسي قبل أن تلتفت أسرته إلى ذلك وتحظر عليه الرسم وقت المذاكرة، فكان يحتال على ذلك بكتابة الشعر والزجل من دون أن يشعر به أحد أثناء مطالعة دروسه، وربما تمكّن منه حب الرسم في كثير من الأحيان، وربما يكون قد احتال بالشعرعلى منعه من القلم والألوان، لكن الذي لم يكن يستطيع إخفاءه هو حبه للتمثيل، ولذلك كان التمثيل هو هوايته الأولى التي يمارسها في العلن دون خوف وبمباركة أسرته سواء كان في المدرسة أو في كليتي الفنون الجميلة والحقوق، ساعده على ذلك قدرته اللافتة على إلقاء شعره بأداء تمثيلي محبّب، وقد يكون التمثيل توارى خلف مشاغل مهنة الصحافة والرسم وكتابة الشعر عندما تحوّلت كل هذه الهوايات إلى حرفة يقتات منها، إلا أنها كانت بالتأكيد في انتظار من يمنحها فرصة الظهور حتى وإن بقيت طيلة حياته هوايته التي لم تتحول إلى حرفة.ويرجع الفضل في ظهور صلاح جاهين كممثل على شاشة السينما إلى الكاتب يوسف إدريس، فقد كان يعدّ مع المخرج صلاح أبو سيف عام 1962 لتحويل روايته "قصة حب" إلى فيلم من بطولة فاتن حمامة ورشدي أباظة تحت عنوان "لا وقت للحب" عن كفاح الشعب المصري ضد الاحتلال الانكليزي قبل يوليو 1952، وكان إدريس قد رسم في النص الأدبي شخصية درامية لشاب اسمه "بدير" يتسم بالطيبة والاندفاع، وعبثا حاول أبو سيف إقناع إدريس بهذا الممثل أو ذاك لأداء الدور من دون جدوى إلى أن سأله المخرج الكبير في النهاية عمن يشبه في الواقع هذه الشخصية الدرامية، فرد من فوره: صلاح جاهين، فقام أبو سيف العارف مسبقاً بحب جاهين للتمثيل بالاتصال به عارضاً عليه الفكرة التي رحب بها جاهين من دون تردّد، وبالفعل كانت هذه الواقعة سبباً في ظهور صلاح جاهين على الشاشة.
غير أن المدهش في الأمر، أن الفيلم الذي كان سببا في دخول صلاح جاهين إلى عالم التمثيل، لم يحمل رقم واحد في قائمة أفلامه المحدودة، وإنما حمل رقم 4 حيث صادف الفيلم مشاكل إنتاجية ورقابية عطّلت عرضه لمدة عام تقريباً، كان جاهين خلاله قد شارك في بطولة ثلاثة أفلام أخرى سبقت فيلم أبو سيف في العرض الجماهيري هي: "من غير ميعاد" إخراج أحمد ضياء الدين، "شهيدة الحب الإلهي" إخراج عباس كامل، و"اللص والكلاب" إخراج كمال الشيخ، والتزامن مع عرض "لا وقت للحب" سنة 1963 شارك جاهين في فيلم عالمي اسمه "كايرو" مع كل من فاتن حمامة وأحمد مظهر وكمال الشناوي من إخراج وولف ريللا، وكان من المتوقّع بعد هذه الدفعة القوية في البدايات (خمسة أفلام في عامين) أن يشغل التمثيل مساحة عريضة في خريطة مواهب جاهين المتعددة، لكن ما حدث شيء آخر، على أية حال يمكن النظر إلى تجربة صلاح جاهين على شاشة السينما في ضوء الملحوظات التالية:أولا: لم يتجاوز عدد الأفلام التي شارك جاهين فيها بالتمثيل ثمانية أفلام رغم امتداد تجربته لنحو ثلاثة وعشرين عاماً، فبعد حمى البدايات – إذا جاز التعبير – شارك في ثلاثة أفلام أخرى أحدها عام 1965 هو "المماليك" إخراج عاطف سالم ومن بطولة عمر الشريف ونبيلة عبيد، ثم توقف عن التمثيل لمدة خمسة عشر عاماً حتى ظهر في فيلم خارج مصر هو "موت أميرة" ستة 1980 مع الفنانة سوسن بدر، وهو الفيلم الذي جر عليه كثيرا من المشاكل في علاقته بدول الخليج العربي في ذلك الوقت، ثم اختتم مسيرته على شريط السينما بظهوره العابر في فيلم "الوداع يا بونابرت" من إخراج يوسف شاهين عام 1985 قبل أشهر قليلة من رحيله في الحادي والعشرين من نيسان العام التالي.
ثانيا: يلاحظ أن السينما المصرية لم تكن وحدها التي رحبت بظهور صلاح جاهين على شاشتها، فمن بين ثمانية أفلام هي كل رصيده كممثل شارك الرجل في فيلمين خارج الحدود هما "كايرو" و"موت أميرة" ما يعني أنه كان بإمكانه التحليق بتجربته السينمائية بعيداً، لكنه لم يفعل.
ثالثاً: بدا على الشخصيات الدرامية التي أداها جاهين فطرتها الطيبة وعفويتها التي تصل أحياناً إلى حد البراءة واللامبالاة، فـ"بدير" في "لا وقت للحب" هو شخص طفولي جداً لديه من البراءة والطيبة ما يجعله سريع التعكر واعتلال المزاج، والمعلم طرزان في "اللص والكلاب" ورغم بيئته الخشنة فهو لا يخلو من طيبة واتزان، والشيخ سيد السقا في "المماليك" رجل وطني عفوي لا يبالي حتى بالموت، وهكذا.
رابعا: لعبت الملامح الظاهرية لصلاح جاهين دوراً هاماً ليس فقط في إضفاء الطابع الكاريكاتيري على اختياراته وأدائه لأدواره، وإنما أيضاً في الحد من فرصه في الاختيار، ويبدو أن هذا هو الذي جعل تجربته السينمائية أقرب إلى الشذرات المتناثرة على مدى ثلاثة وعشرين عاماً، ودفعته إلى الاكتفاء عند هذا الحد بما قدمه كممثل على شاشة السينما.
غير أن عطاء صلاح جاهين للفن السينمائي لم يتوقف فقط عند مساهمته كممثل، فقد تعدّدت مساهماته الأخرى، فمثلا قام بدور الراوي في كثير من الأفلام كما في "الزوجة الثانية" للمخرج صلاح أبو سيف، و"شفيقة ومتولي" للمخرج علي بدر خان، فأكسب العملين طابعاً ملحمياً ناسب المضمون الفولكلوري الذي قاما عليه، كما غصت كثير من الأفلام بالأغاني والاستعراضات التي كتبها كما في أفلام "العتبة الخضراء، السيد البلطي، غرام في الكرنك، سلطانة الطرب، اليوم السادس وخللي بالك من زوزو وأميرة حبي أنا والمتوحشة"، ويكفي هنا التدليل على مجموعة من الأغنيات شكلت وجدان الكثيرين منا مثل: "يا واد يا تقيل، بمبي، الدنيا ربيع، بانوا بانوا"، وغيرها.وتبقى مساهمة صلاح جاهين في كتابة السيناريو والحوار هي الأبرز على شريط السينما، صحيح أنه اقتحم الكتابة للسينما متأخراً عام 1972 وربنا إرضاء لسعاد حسني، لكن اسم صلاح جاهين على أي عمل سينمائي كتبه كان كفيلا بمنحه عمقاً وبعدا فلسفياً لم يتوفر لغيره، خذ لذلك مثلاً أول أفلامه التي كتبها للسينما "خللي بالك من زوزو" إخراج حسن الإمام، فبصمة صلاح جاهين لم تقف عند مجرد الاشتراك في القصة وكتابة السيناريو فقط،‮ ‬فالذين انتقدوه ولاموا عليه اشتراكه مع حسن الإمام في عمل واحد لم‮ ‬يتوقفوا ـ على ما‮ ‬يبدو ـ أمام الجمل الحوارية التي نطقت بها شخصيات الفيلم والتي لم تكسبها فقط المصداقية والدفء وإنما أيضا ارتقت ـ عامة ـ بمستوى الفيلم متجاوزاً الفكرة المباشرة إلى معان وأفكار تقترب إلي‮ ‬حد الفلسفة،‮ ‬وذلك في لغة أدبية بسيطة وعميقة في آن واحد زادت من سحر هذا العمل الفريد، ‬فأضاف الكثير إلى قصة‮ ‬يراها عديدون تقليدية في خطوطها العامة ‮امتلأت بها أفلام حسن الإمام الأخرى، الأمر نفسه ينطبق على فيلم "أميرة حبي أنا" أو حتى على الأفلام الأخرى التي كتبها جاهين مثل: "شفيقة ومتولي" إخراج علي بدرخان، "المتوحشة" إخراج سمير سيف، و"شيلني واشيلك" إخراج علي بدرخان الذي اكتفى فيه جاهين بكتابة القصة فقط.



وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top