كتبت صحيفة “الأخبار”: أحد أوجه العدوان الإسرائيلي – الأميركي المستمر على لبنان، يتمثّل بمنع تنفيذ أي مشروع ذي بعد تنموي في منطقة جنوب الليطاني، خصوصاً في بلدات الحافة الأمامية للحؤول دون عودة الجنوبيين إلى قراهم.
وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن مساعيَ تبذلها جهات دولية، في مقدّمها الصليب الأحمر الدولي، لإعادة بناء محطة مياه الوزاني التي دمّرها العدو في عدوانه الأخير على لبنان.
إلا أن الضغط الذي يمارسه الأميركيون بصفتهم جهة التمويل الأساسية للمنظمات الدولية، أدّى حتى الآن إلى إحباط المشروع. وتتجنّب منظمات دولية عدّة تعمل في الشأن الإنساني، طرح تنفيذ أي مشروعٍ في تلك المنطقة خوفاً من اتهامها بالتورّط في «دعم الإرهاب» وقطع التمويل عنها، فكيف إذا كان الحديث عن مشروع يتعلّق بالمياه، وخصوصاً بمحطة الوزاني التي افتُتحت عام 2002 تحت تهويل إسرائيلي بشنّ حرب على لبنان.
«معركة الوزاني» تتجدّد، وتفرض الوقائع التاريخية المرتبطة بها منذ عام 1965، على اللبنانيين المسؤولين وغير المسؤولين، التذكّر دوماً بأن المياه من أكثر الملفات خطورة في إطار الصراع مع العدو.
فإلى جانب العناصر السياسية والعسكرية الوازنة في أجواء الحرب الإسرائيلية المستمرة، وارتباطها بالأجواء التي يخلقها الأميركيون إقليمياً، لا تفوّت إسرائيل فرصة لإثارة الضجيج حول إمكانية عودة لبنان إلى الاستفادة من حقوقه القانونية والوطنية في مياه تنبع من أراضيه (نبعا الوزاني والحاصباني)، ويسير فوقها (الحاصباني 24 كلم والوزاني 5 كلم) قبل أن يلتقيا على بعد 4 كيلومترات من الحدود مع فلسطين المحتلة، ويدخلا إليها حيث يلتقيان مع روافد نهر الأردن.
وقبل الغوص في الواقع الحالي لقطاع المياه جنوباً، والمشروع المُقترح للتخفيف من آثار العدوان والتحديات التي يواجهها، لا بدّ من العودة إلى السياق التاريخي لفهم الحساسية الإسرائيلية تجاه محطة الوزاني.
ففي عام 1964، ورداً على محاولة إسرائيل استثمار مياه نهر الأردن، أقرّت جامعة الدول العربية تمويل مشروع لاستغلال روافد النهر، عبر تحويل مجاري الأنهر التي تصبّ في بحيرة طبريا، وهي الحاصباني والوزاني اللبنانيان وبانياس السوري.
وفي تشرين الأول من العام نفسه، كلّف مجلس الوزراء المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بتنفيذ مشروع تحويل الحاصباني عند نقطة كوكبا، وجرّ مياه الحاصباني والليطاني الأوسط إلى سد خزان ميفدون، جنوب شرق النبطية، لتخزين 90 مليون م3 من المياه الشتوية.
وردّ العدو على القرار بغارات على منابع الحاصباني والوزاني صيف 1965 مرّتين، ما عطّل المشروع، وأدّى إلى رضوخ الحكومة اللبنانية التي قرّرت في تموز 1965 وقف الأشغال.
بعد التحرير عام 2000، خاض لبنان المقاوم، ولبنان الرسمي برئاسة إميل لحود، معركة ضد إسرائيل لضخّ المياه من نبع الوزاني. ونجح في 16 تشرين الأول 2002 في ضخّ مياه نهر الوزاني إلى القرى العطشى في جنوبه، وشيّد مضخّة لتزويد بلدتَي الوزاني والميسات بالمياه، قرب النبع، وعلى مسافة 20 متراً فقط من المنشآت الإسرائيلية على الضفة الأخرى لنبع الوزاني، متجاهلاً حفلة الجنون والتهديد الإسرائيلية بشن حرب على لبنان، باعتبار ذلك «يمس بأمن إسرائيل ووجودها ومستقبلها».
وفيما منح السفير الأميركي إريك جونستون (مخطط مياه وادي الأردن الموحّد عام 1955) لبنان 35 مليون متر مكعب من مياه نهرَي الحاصباني والوزاني، تؤكد الدولة اللبنانية على حقها بـ 130 مليون متر مكعب تجري فوق الأرض، بينما تقدّر مؤسسة مياه لبنان الجنوبي حقوق لبنان في مياه النهريْن فوق الأرض وتحتها بـ 450 مليون متر مكعب.
إلا أن لبنان، وإلى ما قبل العاشر من تشرين الثاني 2024، (تاريخ تفجير العدو الإسرائيلي لمحطة الوزاني) كان يستفيد فقط من مليونَي متر مكعّب من المياه.
وسبق ذلك، قصف معادٍ للمحطة في السادس من شباط 2024 (خلال حرب الإسناد)، وبعد تنسيقٍ بين مؤسسة مياه الجنوب وبعثة الصليب الأحمر الدولي في لبنان، تمكّنت الأخيرة من الوصول إلى المحطة وصيانة ما تضرّر، فعادت في نيسان الماضي إلى العمل، قبل جرفها كلياً في تشرين الثاني الماضي.
المدير العام لمؤسّسة مياه لبنان الجنوبي وسيم ضاهر أكّد أن «الصليب الأحمر الدولي يسعى إلى بناء محطة الوزاني بما تيسّر، عبر تشييد محطتَيْ ضخ لخدمة المرحلة الأولى لعودة السكان»، لافتاً إلى أنّ «الصليب الأحمر الدولي هو الجهة التي تستطيع التنسيق، والأكثر تحرراً لجهة صرف تمويلها، وهي معنيّة بالمحطة، فقد سبق أن موّلت مشروع إعادة تأهيلها منذ ثلاث سنوات، وخلال حرب الإسناد». الخطوة مهمة، في إطار كسر الحظر على المحطة، خصوصاً أنّ نحو 50 بلدة تستفيد منها، تمتد من الحدود مع فلسطين إلى العديسة والطيبة وكل قضاء بنت جبيل، وبلدات أعالي صور.
ولفت ضاهر إلى أنّ «أطراف مرجعيون وبنت جبيل، لا توجد فيها مصادر مياه أخرى، وهي تعتمد حصراً على الوزاني». وبما أن كمية المليونَيْ متر مكعب من المياه لم تكن تكفي لسد حاجة كل تلك المنطقة، أعدّت المؤسسة عام 2019، مشروعاً لإنشاء محطة جدية بقدرة ضخّ تبلغ 12 مليون متر مكعّب، بكلفة بين 3 و4 ملايين دولار، وكان التمويل مؤمّناً، على أن تصل كمية الضخ في مرحلة لاحقة إلى 50 مليوناً.
ولا يحتاج المرء إلى الكثير من البحث، لفهم أنّ المسؤولين اللبنانيين حينها، خافوا من تصعيدٍ إسرائيلي، ولم يشاؤوا خوض معركة شبيهة بتلك التي حصلت عام 2002، علماً أنّه لو نُفّذ المشروع، لكان لبنان ثبّت حقه بكمية أعلى من المياه. فهل، سيكون الصليب الأحمر الدولي أصلب، أم ستتحكّم الأجندة السياسية الأميركية – الإسرائيلية بعمل أكثر الجهات حياديةً وحريةً على صعيد اختيار صرف تمويلها من بين جميع المنظمات الدولية؟
ظهرت المقالة هل يكسر الصليب الأحمر الدولي «الفيتو» الأميركي – الإسرائيلي؟ أولاً على شبكة موقع الإعلامية.