بات واضحا أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يتعرض لهجمة شرسة غير بريئة الأهداف والمرامي، خصوصا أن من يتناوب عليها هم متخاصمون في السياسة تلاقوا على إستهدافه كل منهم على طريقته تارة بالابتزاز وتارة أخرى بالافتراء وتشويه الصوره، وطورا بتعطيل عمل حكومته وإتهامه في الوقت نفسه بالتقصير.
هذه الهجمة غير المبررة لا سيما في ظل الظروف المأساوية التي يشهدها لبنان، تطرح تساؤلات عدة لجهة: ما هو سرّها؟، ولماذا في هذا التوقيت؟، ومن يديرها؟ وهل هي بفعل إشارات خارجية أم تجاذبات داخلية سياسية ـ طائفية على وجه التحديد؟، وما هو أفقها؟، وهل يمكن أن تأخذ إتجاهات خطيرة؟.
مهما كانت الأجوبة على هذه التساؤلات، فإن نتائج هذه الهجمة ستكون سيئة جدا على البلاد والعباد وستؤدي الى مزيد من التدهور، وبالتالي فإن من يقف خلفها يسعى الى الارتطام الكبير بتعميم الفوضى وتفكيك المؤسسات وشلها بالكامل، وصولا الى تهشيم صورة الدولة.
لا شك في أن المعادلة التي يطرحها البعض لا ترتقي الى أي منطق، بعدما بات مطلوبا من الرئيس ميقاتي “ألّا يعمل وألّا يتوقف عن العمل”، وذلك في أحجية يعلم خفاياها فقط أصحاب النهج التعطيلي الذي يقدمون مصلحتهم الشخصية على مصالح اللبنانيين، وهم يواجهون الرئيس ميقاتي في حال أراد أن يعمل، وفي الوقت نفسه ينصبون أنفسهم قضاة لمحاسبته على التقصير، فكيف يمكن أن يصار الى محاسبة شخص كلما أراد أن يلبي مصالح اللبنانيين توضع له العصي في الدواليب.
هذا الواقع يؤكد أن نهج التعطيل مستمر، وهو يتطور اليوم الى تعطيل وإتهام بالتقصير لمن يتعرض لتعطيل دوره وصلاحياته، في حين يتناسى كثيرون أن بلدا كلبنان متخم بالأزمات والمآسي، يحتاج الى حكومة بصلاحيات إستثنائية تجتمع وتتخذ قرارات وتسيّر المرفق العام، ولا أحد اليوم يمتلك ترف الرفاهية أو الوقت، ولا البلد يعيش أجواء مريحة بعيدة عن الأزمات، لكي يتمترس أي كان خلف صلاحيات أو ميثاقيات وتحريض طائفي لا يعود على البلاد إلا بمزيد من الانهيار.
لا شك في أن هناك قضايا ملحة جدا إجتماعيا وإنسانيا وصحيا وتربويا تحتاج الى قرارات مسؤولة لا يمكن أن تتخذ إلا في إجتماع للحكومة، في وقت يرفع فيه البعض الصوت خوفا على العام الدراسي المهدد، وإعتراضا على عدم زيادة ساعات التغذية الكهربائية وتأخر الفيول، وإنتقادا لتحول الطرقات الى بحيرات خلال تساقط الأمطار، فضلا عن المخاطر المحدقة بالمطار والاقتصاد والأمن والاستقرار، فكيف يمكن معالجة كل هذه القضايا في ظل هذا النهج التعطيلي، وكيف يمكن لأي رئيس حكومة أن يعالج هكذا أمور من دون عمل حكومي يومي مدعوم من كل الأطراف السياسية في حال كانت تريد مصلحة لبنان واللبنانيين.
تقول مصادر سياسية مواكبة إن “الوضع بلغ مرحلة من الخطورة لم يعد من الممكن السكوت عنه، ما يتطلب من أصحاب نهج التعطيل ومن منفذي الأجندات خارجية كانت أم داخلية، وممن يضعون نصب أعينهم إستهداف رئيس الحكومة، أن يتوقفوا عن هذه المقاربات الضيقة سياسيا وحزبيا وطائفيا، وأن يتعالوا عن أنانياتهم ويتجهوا نحو خطوات جريئة تأخذ بعين الاعتبار الأزمات الخانقة، وتحاكي نهج الرئيس ميقاتي المتمسك بالدستور والساعي بشتى الطرق لمعالجة هموم الناس وتلبية إحتياجاتهم، خصوصا أن المكابرة اليوم لا تنفع، والمطلوب ورشة عمل إنقاذية تكون على مستوى المسؤولية الوطنية.