تتواصل اللقاءات والاتصالات الفرنسية السعودية للبحث في الملف اللبناني. لا تزال باريس تصر على جذب السعوديين أكثر فأكثر إلى الانخراط في التفاصيل السياسية اللبنانية، بينما الرياض -حسب ما تقول مصادر متابعة- لا تزال على موقفها. إذ ترفض الدخول في التفاصيل وأسماء المرشحين للرئاسة، وتكتفي بما وضعته سابقاً من شروط أو برنامج. وعلى أساس الالتزام به، يتحدد اهتمامها في المسارات اللبنانية.اللجنة الفرنسية السعوديةفي باريس، عُقد قبل أيام قليلة اجتماع جديد للجنة الفرنسية السعودية المشتركة، للبحث في الاستحقاق الرئاسي. هذا لا يحصل من دون تنسيق مع دول أخرى، من بينها دولة قطر التي كانت قد استقبلت قائد الجيش جوزيف عون من جهة، وفيما بعد حطّ فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حيث التقى بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، من جهة ثانية. وحسب ما تقول مصادر فرنسية متابعة، فإن ماكرون يحرص على إثارة الملف اللبناني انطلاقاً من اهتمامه المباشر به، ويطلب مساعدة كل القوى الإقليمية القادرة على تحقيق أي تقدّم.
ترد من باريس أجواء متعددة، بعضها يشير إلى ما تم تناوله بين اللجنة الفرنسية السعودية المشتركة للبحث في ملف لبنان. فالسياق الأول يشير إلى أن البحث كان متقدماً حول الاستحقاق الرئاسي. وكان اسم قائد الجيش متقدماً، وهو عنوان المرحلة للتوافق حول انتخابه. خصوصاً بعد زيارته إلى دولة قطر. أما رئاسة الحكومة فتشير المعلومات المتداولة ضمن هذا السياق، إلى أن الفرنسيين لم يركزوا بالبحث على اسم رئيس الحكومة، إنما يفضلون الآن انتخاب الرئيس، وبعده إنجاز هذا الاستحقاق يبدأ البحث في رئيس الحكومة وتشكيلتها. يقول المقتنعون بهذا السياق إن باريس لا تريد استباق مسألة رئاسة الحكومة، ربما لتمسكها بنجيب ميقاتي. وهي ستبحث عن كيفية التفاهم معه والحصول على ضمانات لطمأنة السعوديين للموافقة عليه.الأدوار المحليةفي المقابل، هناك سياق آخر يتناقض مع السياق الأول. وتشير فيه المعلومات إلى أن البحث لم يتطرق إلى الأسماء لا في رئاسة الجمهورية ولا في رئاسة الحكومة، بل إن باريس تريد انتخاب أي رئيس طالما أنها قادرة على التفاهم والتعامل معه، كذلك الأمر بالنسبة إلى رئاسة الحكومة وتشكيلتها. وتضيف المعلومات، أن الاجتماع لم يحقق أي شيء جديد بشكل جوهري يختلف عن ما كان في السابق. وتصف هذه المصادر اللقاءَ بأنه استمرار للتحرك الفرنسي السعودي المشترك، ولكن من دون الوصول إلى مراحل متقدمة وتفصيلية من شأنها إنجاز الاستحقاق، لا سيما أن السعودية لا تزال ترفض الدخول في الأسماء، وتتمسك بالإطار العام الذي تعبّر عنه مواقفها في كل المحافل الدولية، وفي المبادرة الكويتية التي تم تسليمها للبنان قبل أشهر.
في كلا السياقين، يبقى جزء أساسي مفتقد لإتمام هذه التسوية، خصوصاً دور القوى الأخرى على الساحة اللبنانية. إذ لا يمكن تجاوز حزب الله والتيار الوطني الحرّ من جهة، ولا يمكن تجاوز المعطيين الأميركي والإيراني من جهة أخرى، لا سيما أن المعلومات تفيد بأن واشنطن لا تدخل في التفاصيل أيضاً، بينما إيران لن يكون من شأنها تسهيل إنجاز المبادرة الفرنسية في ظل التصعيد الفرنسي ضد طهران، وفي ظل انسداد آفاق التحاور مع واشنطن. هذا على الصعيد الخارجي، أما على الصعيد الداخلي، فأيضاً لا يمكن لأي تسوية أن تتجاوز الحزب والتيار الوطني الحرّ. وهنا تبرز جوانب متعددة تحتاج إلى متابعة لتذليل العقبات والعقد. أولها، كيف يمكن لحزب الله السير في مثل هذه التسوية؟ وكيف يمكن لباسيل تسهيلها أو الموافقة عليها، خصوصاً أن الحزب لن يوافق على إنجاز التسوية من دون ثمن. وهو يرفض الالتزام بشروط المبادرة الكويتية، أو بنصفها بالحدّ الأدنى. أمام كل هذه المعطيات، تشير مصادر متابعة إلى أن الملف اللبناني لا يزال على الطاولة، ولكن لحظة إنجازه لم تحن بعد. بل تحتاج إلى المزيد من الوقت الذي قد يكون طويلاً، ومرتبطاً بوقائع إقليمية دولية تنعكس على الساحة الداخلية، فيما الحركة الخارجية الحالية تأتي في إطار تحضير الأرضية إلى أن يحين موعد التسوية.