رغم كل التدابير الاحترازية التي تتخذها المصارف، عبر منعها المودعين من دخول مقراتها إلاّ بناء لموعد مسبق، لم تنجح حتى الآن من تدارك المواجهات مع غضب أصحاب الحقوق فيها. وكانت آخر فصول هذه المواجهات اليوم الجمعة، في مصرف سوسيتيه جنرال- فرع زحلة، حيث تمكنت السيدة جهاد سيف الدين، وهي زوجة نقيب متقاعد في الأمن العام اللبناني، من انتزاع تعهد خطي من إدارة المصرف ومن مسؤولي الأجهزة الأمنية الذين حضروا لإخراجها عنوة من المصرف، بتحويل مبلغ ستة آلاف دولار إلى ابنها الذي يتخصص بطب الأسنان في أوكرانيا. وذلك بعد أن دخلت المصرف مع ابنتها البالغة تسعة أعوام، واعتصمت بداخله لساعات، من دون أن تستخدم أي سلاح أو آلة حادة. فخرجت السيدة جهاد أقله بوعد بتحويل المبلغ يوم الإثنين المقبل، بعد أن كانت محاولاتها السابقة باءت بالفشل على مدى أكثر من عام.رغم القانون الطلابيوجهاد أم لأربعة أولاد، تبين أن اثنين من أولادها كانا يتخصصان بالطب في أوكرانيا، إلا أن أحدهما توقف عن التخصص بعد خمس سنوات من الدراسة، لأن الأموال المتوفرة في المصرف لم تعد تكفيهم.
فوفقاً للسيدة جهاد "كان لدينا مبلغ مئة ألف دولار، إلا أننا لم نحصّل منه سوى 18 ألف دولار، بعد أن حصّلنا المبالغ على تسعيرة الثمانية آلاف ليرة للدولار". وكان آخر مبلغ حولته إلى إبنها قبل عامين. ومن بعدها، ورغم صدور قانون الدولار الطالبي، لم تنجح كل محاولاتها بإلزام المصرف بتطبيق القانون.
وكشفت أن كل الرصيد المتوفر لديها في المصرف هو عشرة آلاف دولار وخمسة ملايين ليرة، تريد تحويل ستة آلاف دولار منه إلى إبنها الذي يتخصص بطب الأسنان حتى لا يخسر شهادته كما خسرها شقيقه الذي تحول إلى العمل في بيع الأجهزة الخليوية.
ومن هنا، روت جهاد، كيف حضرت مع ابنتها الصغرى إلى المصرف بناء لموعد مسبق، وكان قرارها الاعتصام بداخله إلى أن يتم تحويل المبلغ المطلوب إلى إبنها.ليست وحدهاتمسكت جهاد بفرصتها التي اعتبرتها الأخيرة خلال المفاوضات التي خاضها معها مسؤولو المصرف، لإقناعها بالعودة لاحقًا، ولم تخرج من المصرف، إلا بعد أن حصلت على تعهد خطي بذلك، مصرة على أنها لن تقبل إلا بتحويل هذا المبلغ يوم الإثنين المقبل.
وقضية جهاد مع الدولار الطالبي وتطبيقه إستنسابياً بالنسبة للطلاب الذين يتعلمون في الخارج ليست وحيدة. فخلال اعتصامها داخل المصرف حضر إلى باحته الخارجية السيد جان أبو ياغي وهو أيضا من العسكريين المتقاعدين في جهاز أمن الدولة، وكان يشكو عدم قدرته على تحويل مبلغ من المال إلى ولديه اللذين يتعلمان في فرنسا. فشرح أبو ياغي أن جامعات فرنسا مجانية، إلا أن كلفة السكن فيها والمعيشة مرتفعة جداً. كانت آخر تحويلة ناجحة للأموال إلى ولديه قبل صدور قانون الدولار الطالبي. من بعدها، يؤكد أبو ياغي انه لم يتمكن من تحويل أي دولار لهما، وكانت ذريعة المصرف أن القانون المشار إليه يلزم المصارف بأن تجري التحويل لتغطية الأقساط الجامعية وبدلات إيجار السكن حصراً، وليس للمصاريف الشخصية للطلاب، على أن يتم تحويل المبلغ مباشرة إلى الحساب المصرفي العائد للجامعة أو لمالك الشقة المستأجرة، بعد دراسة المستندات. وهذه شروط كما قال أبو ياغي لا تنطبق على معظم الطلاب اللبنانيين في الخارج الذين لا يسكنون في شقق بل بتجمعات سكنية لا تقبل التحويلات المصرفية المباشرة.
وكان أبو ياغي -كما يقول- قد رفع دعوة على المصرف، ولكنه عاد وسحبها، كتعبير عن بادرة حسن نية، إلا أن حتى هذه البادرة لم تنجح بتحرير ولو قسم من وديعته لإكمال علم ولديه، اللذين يتخصص أحدهما كعالمٍ والآخر كمهندس. آسفاً لما وصلنا إليه من واقع يحرم الشباب حتى من الطموح لمستقبله.