يواصل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حملته على التيار الوطني الحر الرافض تفرّده في الحكم واستغياب رئاسة الجمهورية وتحقيق رغبته الدفينة بالتطبيع مع الفراغ الرئاسي بما يتوّجه ملكا منفردا ومطلقا على الجمهورية.
يسوّق ميقاتي ابدعاته وافتراءاته عبر موقعه الإخباريّ وحفنة من أصحاب الحاجة والغاية. ووصل به الأمر، كما هو متوقّع، الى محاولة ممجوجة ومفضوحة لوضع التيار في مواجهة اللبنانيين، هذه المرة بذريعة أن اعتراضه على عقد جلسة للحكومة المستقيلة والميتة دستوريا هو "ابتزاز للمرضى والمستشفيات".
وسبق لميقاتي أن حمّل التيار مسؤولية (كذا!) عدم مشاهدة اللبنانيين مجانا مباريات كأس العالم لأنه يرفض أي اجتماع للحكومة الميتة دستوريا، مما عطّل قدرة ميقاتي على تأمين ٥ ملايين دولار من موازنة شركتيّ الخليوي، وهي أصلا أموال عمومية تُجبى من جيوب اللبنانيين، لدفعها الى الشركة الوكيلة لمحطات beIn sports. وتسقط حقيقة أن الأموال هي عمومية كذبة مشاهدة اللبنانيين المونديال مجانا، الى جانب أن الخزينة الخاوية تحتاج الى أموال تُصرف في أماكن أكثر إلحاحا وأهمية وضرورة.
تقول مصادر مسؤولة إن استعار النار الميقاتية المتفلّتة من عقال المنطق والدستور، طهرت علنا في المداخلة التي أدلى بها رئيس الحكومة المستقيلة في الجلسة التي عقدها مجلس النواب في ٣ تشرين الثاني للاستماع الى رسالة الرئيس ميشال عون. يومها بدا في كلمته متوترا، عليلا، مشتت الذهن، فاقد الحجة، يلهج بما ليس له فيه، يدبّج اتهامات ويضع كلاما على لسان آخرين بلا أسس أو براهين. وهي المرة الأولى التي يظهر فيها على هذه الهيئة.
وتشير الى أن ميقاتي يخوض راهنا تجربة سياسية وشخصية صعبة عليه. لم يعد على يقين من مستقبله الحكومي، وهو الذي فقد النيابة والكتلة. وبعدما ظنّ أنه الزعيم الأوحد لأهل السنّة الذي لا بديل له، تبيّن له بالملموس أن مسوّدات التسويات الخارجية للملف الرئاسي، كلّها بلا استثناء، وضعته خارج المعادلة، وأن رعاةً له في الخارج تخلوا عنه عند أول تلاقٍ للمصالح، فيما حلفاء له في الداخل أفتوا في إحدى مسوداتهم التسووية برئيس للجمهورية من ٨ آذار في مقابل رئيس للحكومة من ١٤ آذار. ولكي يكتمل المشهد القاتم، ها هو المجلس الدستوري يعيد فيصل كرامي الى المجلس النيابي من الباب الزعماتيّ العريض. أما علاقاته العربية، وخصوصا مع المملكة العربية السعودية، فلم يستطع أن يزيد عليها حجراً واحداً، فيما معادلة "حُكم لبناني خالٍ من أي فساد سياسي أو مالي" تقضّ مضاجعه.
وتلفت المصادر المسؤولة الى أن ميقاتي الواقع تحت تلك الوطأة، لا يزال على اعتقاد (باطل) بأن مهاجمة التيار بذريعة الحفاظ على موقع رئاسة الحكومة، تتيح له إبقاء العصب مشدودا حوله. لكن هذه السياسة القاصرة جعلته راهنا في مواجهة العقل الجمعيّ المسيحي، لا التياريّ وحده. وربما عليه الإنصات بدقة وتهيّب الى ما يقوله البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ليدرك هذه الحقيقة، وليسقط كل ما حاول تسويقه في بكركي في الأسبوعين الأخيرين من تشرين الأول، وخصوصا خرافة أن تأليف حكومة جديدة من شأنه أن يزيد في عمر الفراغ الرئاسي.
وتشير المصادر الى كل التعقيد الحكومي الراهن وكل مسّ بصحة اللبنانيين وسلامتهم ومصالحهم (أو ما تبقّى منها)، يتحمّله ميقاتي شخصيا، وهو الذي فاخر في لحظة صفاء وتجلّي، في حديث الى الـLBCI، بأن مصلحته اقتضت بأن يمتنع عن تشكيل حكومة جديدة لكي يبقى متحكما برقاب اللبنانيين عبر كرسي العرش على رأس الحكومة الميتة دستوريا.