ماذا يعني الشرط "اليتيم" لتنظيم "حزب الله" في الانتخابات الرئاسية اللبنانية، كما جاء على لسان أمينه العام حسن نصر الله في يوم الشهيد؟
مواصفات "أضعف الإيمان"، هكذا تحدث نصر الله، ومن أجل تجنب صغائر الأمور، أي الدخول بالأسماء وهذه تفاصيل لبنانية لا أهمية لها في عالم الحزب، وَضَعَ الأمين العام آلية لاختيار المرشحين. وهذا يستوجب أولاً تحليل المبادئ المطلوب توافرها بالمرشحين ومعناها، وثانياً معنى وضع الآلية للنظام اللبناني برمته، سيما وسط الحديث عن إعادة النظر باتفاق الطائف أو النظام اللبناني برمته.
أولاً في المبادئ أو مواصفات "الحد الأدنى" المطلوب توافرها، يُريد نصر الله رئيساً في بعبدا "لا يخاف" من التهديدات الأميركية بالسفارة والخارجية أو القيادة الوسطى. إذا صرخ في وجهه هؤلاء أو من هم أعلى منهم، لا "يبدأ بالرجف والخوف ويتنازل". المطلوب رئيس "شجاع لا يخاف، يُقدّم المصلحة الوطنية على خوفه". أعطى مثالاً هو الرئيس السابق اميل لحود، وقال إن "هذه المقاومة التي صنعت التحرير عام 2000 وقاتلت بالعسكر وبالسياسة عام 2006، كانت مطمئنة من ظهرها أنه ليس هناك رئيس للجمهورية يطعنها في ظهرها، ليس هناك رئيس للجمهورية يبيعها، ليس هناك رئيس للجمهورية يخونها، لا يوجد رئيس للجمهورية يتآمر عليها".
حين نصرف هذا الكلام من خلال المواصفات والكلام الأمثلة عن الرئيس الذي "لا يطعن المقاومة في ظهرها" و"لا يتآمر عليها" و"لا يبيعها"، نصل الى فئة محدودة من المرشحين اليوم المقبولين لدى الحزب، وهم من فئة الحلفاء مثل النائب والوزير السابق سليمان فرنجية.
عملياً، يُطالب نصر الله بتجنب خطأ ميشال سليمان، إذ تحول من مرشح وسيط بين الطرفين، إلى آخر منحاز ضد التنظيم بعد مشاركته في حرب النظام السوري على المنتفضين ضده. المرشح الوسطي الذي يرتبط بعلاقات مع الطرف الآخر، وقد ينقلب على التنظيم غير مقبول، بغض النظر عن حسابات البرلمان اللبناني، وعن الميل العام للموارنة المعنيين بهذا المنصب في التركيبة اللبنانية.
هناك محددات على جميع المرشحين تجاوزها وفقاً لقاعدة "نبدأ من هنا، ولاحقاً نتحدث بالصفات الأخرى".
لكن في طرح هذه الآلية إشكالاً على ارتباط بتركيبة النظام اللبناني. عملياً هذه الشروط والمواصفات، تعني تصفية للمرشحين، واختيار مجموعة قليلة منهم بالإمكان التفاوض بشأنها. وهذه آلية لها مفعول مجلس صيانة الدستور في ايران، وهي الهيئة المخولة انتقاء المرشحين وغربلتهم واختيار مجموعة صغيرة منهم، من مواصفاتها عدم تهديد النظام وطرح أسئلة عن طبيعته وتركيبته.
والنظام الإيراني فيه مؤسسات "ثورية" غير منتخبة، بل يُعينها المرشد الأعلى، وأخرى منتخبة محدودة الصلاحيات. هذه العلاقة الشائكة بين غير المنتخب، والمنتخب، تنتهي غالباً الى النتيجة ذاتها: مرشحون لا يُهددون المنظومة يجري اختيارهم واختبارهم بهدوء للاطمئنان الى عهدهم.
وكما يختار "صيانة الدستور" مرشحين يطمئن الى احترامهم النظام وتركيبته واستمراره، ستعمل هذه الآلية على تقديم المرشح الأنسب لها. من الممنوع أن يكون هناك رئيس لا يبعث على الاطمئنان لجهة تجنبه طرح موضوع السلاح خارج الدولة على بساط البحث. دور "حزب الله" ومؤسساته ليس مطروحاً على الاطلاق، بل خارج نطاق البحث والصلاحيات.
وإذا كانت الرئاسة "ممسوكة" من خلال هذه الآلية، فإن الحكومة نفسها ليس ببعيدة كذلك مع وجود الثلث "المعطل" أو "الضامن" في يد "حزب الله" وحلفائه. هكذا نكون أمام التأسيس لثنائية بين الحزب والدولة، لا إشكاليات وتوترات فيها. وهذا تثبيت لعهد الرئيس السابق ميشال عون، إذ يجبّ ما قبله من عهود واشكالات، ويفتح الباب لجمهورية جديدة تستظل دائماً بالتنظيم وأسسه بغض النظر عن ارادات الناس وخلافاتهم وتنوعهم.