كان واضحا أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في كلمته لمناسبة يوم الشهيد أمس، بضرورة “إنتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن لأن الفراغ في الرئاسة ينعكس على كل اللبنانيين وعلى المصلحة الوطنية الكبرى”.
كلام “السيد” أوحى بأن عدم إتمام هذا الاستحقاق سريعا أو الاستفادة من لحظة سياسية إقليمية ودولية لتهريبه قبل رأس السنة على أبعد تقدير، قد يُمدد هذا الفراغ وقد يكون له تداعيات خطيرة جدا لا سيما في ظل المخاوف التي تصدر من هنا وهناك عن إمكانية تفجير الوضع الاجتماعي وما يمكن أن يؤدي الى فوضى أو توترات أمنية.
لا شك في أن هذه المخاوف هي في محلها، خصوصا أن الهدوء الذي خيّم على المنطقة خلال الفترة الماضية بدأ يتلاشى لمصلحة تسخين الأرضية الاقليمية والدولية، لاسيما مع إعادة الاعتبار الى اليمين المتطرف في الانتخابات الاسرائيلية تمهيدا لعودة بنيامين نتنياهو الى رئاسة الحكومة، ومع عودة التوتر السعودي ـ الايراني والأميركي ـ الايراني، على خلفية الاحتجاجات الشعبية في إيران، وصولا الى نتائج الانتخابات الأميركية التي أضعفت موقف جو بايدن الذي سيجد نفسه مقيدا في إتمام ما بدأه على صعيد التهدئة في منطقة الشرق الأوسط.
كل ذلك، من شأنه أن يرخي بظلاله على لبنان وأن يؤدي الى مزيد من التعقيدات السياسية التي تحول دون إنتخاب رئيس الجمهورية الذي غالبا ما يتطلب تفاهمات دولية وإقليمية، ما يعني طول أمد الفراغ الى أجل غير مسمى، وما يمكن أن يستتبع ذلك من مجهول يتخوف منه الجميع.
لذلك، فإن السيد نصرالله شدد على أهمية الحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري للتوافق على رئيس للجمهورية، لكن الاسراع بالنسبة لـ”السيد” لا يعني التسرع، ولا يعني إنتخاب “مين ما كان” للمنصب الأول في الدولة اللبنانية، بل إن “السيد” وضع مواصفات ليست حصرا بحزب الله، بقدر ما هي عامة يجب أن تتوفر في أي رئيس من المفترض أن يكون قويا وشجاعا ولا يخاف ولا يرضخ للاملاءات الخارجية، ولا يطعن المقاومة في ظهرها أو يتآمر عليها، ولا يُباع ولا يُشترى وأن يكون قادرا فعلا على حماية البلاد وصون مؤسساتها والحفاظ على مكوناتها وتعزيز الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، بما يحقق المصلحة اللبنانية العليا.
ولا شك في أن هذه المواصفات تنطبق على الرئيس التوافقي الذي يستطيع أن يقود حوارا يؤسس الى إستقرار طويل الأمد يستطيع لبنان من خلاله الاستفادة من ملف الترسيم باستخراج ثروته الغازية، خصوصا بعد التطمينات بأن عودة نتنياهو الى رئاسة حكومة العدو لن تؤثر على هذا الملف بأي شكل من الأشكال، في ظل توازن الرعب الذي تفرضه المقاومة.
يُمكن القول إن كلام السيد نصرالله حرّك المياه الراكدة في البركة الرئاسية، خصوصا أن كثيرا من المراقبين وجدوا في المواصفات التي أعطاها رسائل في كل الاتجاهات، ورأى البعض أن السيد نصرالله قصد في مواصفاته رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي تنطبق عليه بشكل كامل، خصوصا أنه المعروف بصلابته وثباته والاجهار بمواقفه الداعمة للمقاومة من دون أن يحرجه ذلك أمام سائر القوى الأخرى التي يحرص على بناء أفضل العلاقات معها، ولعل مشاركته في منتدى الطائف والحفاوة السعودية التي أحيط بها أكبر دليل على ذلك.
كما رأى البعض الآخر أن مواصفات نصرالله قد تنطبق أيضا على قائد الجيش العماد جوزاف عون الذي لا يستطيع أحد نكران مناقبيته ووطنيته ونجاحه في الحفاظ على تماسك وقوة الجيش في ظل الظروف العصيبة التي تسيطر على لبنان، خصوصا أن السيد نصرالله ضرب مثالا بالرئيسين إميل لحود وميشال عون القادمين من قيادة الجيش، وأثنى في الوقت نفسه على المؤسسة العسكرية قائدا وضباطا ورتباء وعناصر والتي لم تلب الرغبات الأميركية في إستهداف المقاومة.
واللافت في كلام “السيد” هو التأكيد باصرار على أننا “لا نريد رئيسا للجمهورية يغطي المقاومة أو يحميها، لأن المقاومة ليست بحاجة لغطاء أو حماية”، حيث رأى فيها كثيرون أنها رسالة قاسية وواضحة المعالم لمن يحاول اليوم إبتزاز المقاومة بالغطاء والحماية بهدف وصوله الى رئاسة الجمهورية.