يدور كلام كثير حول الاستحقاق الرئاسي في الكواليس السياسية المختلفة. وفي وقت يعتبر البعض أن حضور سليمان فرنجية إلى مؤتمر الطائف شكل منطلقاً جديداً لحركة الرجل سعياً لإبرامه تفاهمات جديدة أو لتحقيق تقارب مع قوى مختلفة.. يعتبر آخرون أن التيار الوطني الحرّ وتكتل لبنان القوي يشهد نقاشات متعددة حول كيفية التعاطي مع هذا الاستحقاق. في المقابل، يوجه الخصوم السياسيون لرئيس التيار جبران باسيل اتهاماً بأن مصلحته تتجلى في إطالة أمد الفراغ، ما يفرض حاجة لإبرام تسوية شاملة، فيعزز حضوره كمعبر أساسي لهذه التسوية. ويعتبر هؤلاء الخصوم أن الفراغ يصب في مصلحة باسيل خصوصاً إن طال الانتظار حوالى سنة أو أكثر. فبذلك تكون ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد انتهت، وكذلك بالنسبة إلى قائد الجيش جوزيف عون، فيصبح باسيل متحرراً من الرجلين، ما يفرض البحث في قواعد التسوية على أرض الواقع، وبجوانبها التفصيلية، أي بما يتعلق بالتعيينات الأساسية الجديدة.مصير تكتل لبنان القويداخل التيار وتكتل لبنان القوي، نقاش موسع حول عدم الاستمرار بالتصويت بالورقة البيضاء. وهو الأمر الذي يسعى التكتل لحسمه في اجتماعه الثلاثاء، وحسم وجهة التصويت في جلسة يوم الخميس المقبل، خصوصاً بعد تلميحات متعددة من عدد من النواب بأنهم لن يستمروا باعتماد خيار الورقة البيضاء. على هامش التيار، نقاشات متعددة بين بعض أعضائه، وجهات سياسية مختلفة في الداخل وجهات ديبلوماسية أيضاً. من بين هذه النقاشات سؤال أساسي يُطرح حول قدرة باسيل على إبقاء التكتل مجتمعاً تحت رايته، ما بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. خصوصاً أنه قبل انتهاء الولاية وقبل الانتخابات النيابية حتّى، تسرّب كلام كثير عن احتمال حصول تمايز بين عدد من النواب عن قرارات التكتل وقرارات باسيل، لا سيما أن الانتخابات أحدثت ندوباً متعددة في العلاقة بين باسيل وعدد من النواب.
في نقاش ديبلوماسي حصل قبل فترة، كان هناك تضارب في وجهات النظر، بين جهات تعتبر أن عون نجح في تجيير الشرعية، والشعبية، واللعبة السياسية كلها إلى باسيل، وأن الرجل سيكون عنصراً مقرراً بالقوة نفسها التي كان عليها سابقاً، في مقابل وجهة نظر معارضة تعتبر أن 7 نواب من التكتل بالحدّ الأدنى يبدون على تعارض مع رؤية باسيل ومواقفه، ويبدون مرونة أكبر في التفاهم مع أطراف أخرى. جزء من هؤلاء النواب يرى أن التيار يمكنه أن يرشح أي شخصية أخرى من التكتل لرئاسة الجمهورية، على أن تكون قادرة على تحصيل الدعم من الأطراف المختلفة باعتبارها مقبولة، لكن موقف باسيل وطموحه هو الذي يعيق ذلك.اختيار "القائد"لم يعد بالإمكان الحديث أو التكهن عن إمكانية حصول انشقاقات في الكتلة، إذ كثرت التحليلات التي تتعلق بهذه المسألة، والتي ربما تبقى قائمة أو واردة، إلا أن الأساس يبقى في اجتماع كل نواب التكتل على موقف واحد بما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي. خصوصاً أن هؤلاء الذين تفصل مسافة بينهم وبين باسيل يعتبرون أنه لا يمكن الاستمرار في الفراغ طويلاً، نزولاً عند رغبة الرجل وطموحاته في تفريغ كل المؤسسات وانهيارها، للوصول إلى لحظة التسوية التي إما يجد فيها حظوظه مؤاتية أو يقتنع باستحالة انتخابه فيتجه إلى التسوية. يحاول هؤلاء استباق كل هذه التطورات من خلال طرح فكرة أساسية تقضي بتبني ترشيح إحدى الشخصيات المقبولة.
بين هؤلاء من يندفع باتجاه اعتماد خيار قائد الجيش جوزيف عون، باعتباره شخصية وسطية مقبولة من الجميع وتحظى بثقة داخلية وخارجية. وهؤلاء يعارضون باسيل واتهاماته لقائد الجيش بأنه نفذ انقلاباً في 17 تشرين 2019، علماً أنهم ينظرون إلى أداء جوزيف عون بأنه حمى السلم الأهلي ومنع الصدامات الخطيرة، كما أنه تمكن من حماية المؤسسة العسكرية، وهي العمود الفقري لما تبقى من مؤسسات، كما أن لها الأثر الأعمق في نفوس اللبنانيين والمسيحيين خصوصاً، بعدما شهدوا على انهيار كل المؤسسات التابعة لهم، وانهيار قطاعات هم من أبرز روادها.باسيل وحدهيحاول هؤلاء الانطلاق في وجهة نظر تعتبر أن احتضان قائد الجيش وتبني ترشيحه، يفترض به أن يعود إيجاباً على التيار، أولاً من خلال التعالي عن الحسابات الشخصية، وثانياً من خلال إثبات قدرة على الحضور بالتعاون مع جوزيف عون تأسيساً للمرحلة المقبلة، بما يحفظ النظام والانتظام العام، ويمكن أن يؤدي إلى إدخال البلاد في مرحلة انتقالية تهدوية. وبالتالي، فإن أي احتضان يتوفر من قبلهم لقائد الجيش سيشكل عنصر قوة له، مسيحياً ووطنياً أيضاً. يختلف هؤلاء في وجهة نظرهم عن وجهة نظر باسيل التي تبدو متخوفة من أن ما يمثله جوزيف عون في الوجدان العوني بالاستناد إلى إبقاء الجيش قوياً، ونظراً لرمزية البزة العسكرية بالنسبة إلى العونيين، قد يشكل خطراً على باسيل شخصياً وليس على التيار، وهو أمر لا يلزم الآخرين.