2024- 05 - 05   |   بحث في الموقع  
logo التجديد للطوارئ: محك للديبلوماسية اللبنانية ونفوذ اسرائيل logo متى سيُسلم بري الرد اللبنانيّ على الورقة الفرنسية؟ logo معطيات جديدة عن عصابة الـ “تيك توك”… وتسجيلات صوتيّة منسوبة للرأس المدبّر logo في بعلبك.. مطلوبٌ يقع بقبضة المخابرات! logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم السبت logo بالفيديو: “موكب حفل زفاف” يثير هلعاً في طرابلس.. ماذا حصل؟ logo رسمياً… ريال مدريد بطل الدوري الإسباني logo "حماس": نتنياهو شخصيًا يعرقل التوصل إلى اتفاق هدنة في غزة
هكذا ينهار الغرب وننجو
2022-10-01 06:56:12

الأكثر دقة، من وجهة النظر التي نعرضها، أن الغرب انهار فعلاً ونجونا نحن. ونحن تدل هنا على أبناء منطقتنا، وتحديداً اللواتي والذين امتلكوا المنعة إزاء ما تسبب بخراب الغرب. يجدر التنبيه منذ البداية إلى أن هذا النص ليس ساخراً، والسيناريو الذي يعرضه جادٌّ حقاً.
لبعض القرّاء ميزة الدفع في اتجاه إعادة التفكير في ما قد نراه من البديهيات، وهذا ما فعله قارئ جال بتعليق له على مقالي المنشور في المدن بعنوان "دفاعاً عن منقّبات أعزاز". في جزء من التعليق الذي لصقه القارئ في العديد من صفحات وسائل التواصل الاجتماعي يقول: لأن تمسّك نسائنا وبناتنا بدينهم وحجابهم وحيائهم وحشمتهم هو ما يكوي قلوبكم ويحرق صدوركم، بسبب انحراف نسائكم وبناتكم وتباهيهم وافتخارهم بارتكاب أقذر أنواع الشذوذ والرذيلة والفجور والانحلال الأخلاقي تحت مسمى حرية المرأة وحرية الفكر والتعبير، وهو ما كان سبباً بتدمير المجتمعات الغربية الوثنية وتفشّي الرذيلة والفاحشة والفجور...
من المؤكد أن الذين يرون الغرب متقدماً على بلدان المنطقة، لا على الصعيد التقني فحسب وإنما أيضاً على مستوى المنظومة الحقوقية ككل، سيستخفّون فوراً بعبارات القارئ الواردة أعلاه، فهي وفق رؤيتهم مجافية للحقائق، ولا يمكن صدورها إلا عن شخص منفصل تماماً عن الواقع. لكن هذه التهمة تصحّ لو كان التصور المقتبس عن دمار الغرب شخصياً، ولو لم تكن هناك قناعة لدى جمهور أوسع ينطلق منها الكلام نفسه، ولو لم تكن هناك جهات ذات سطوة تعمل حثيثاً على تعزيز هذا الرأي لدى معتنقيه والتبشير به بأساليب لا يعوزها العنف في بعض مناطق سوريا، أو حتى في معظمها إذا أخذنا في الحسبان مبشّرين من صنف آخر بخراب الغرب.
كان رئيس المجلس الإسلامي السوري المعارض قد أثار ضجة بإلقائه خطبة ركّز فيها على الجانب نفسه، جانب الخشية من تسلل الانحلال الأخلاقي الغربي عبر منظمات عاملة في مناطق المعارضة. بعضٌ من الانتقادات التي وُجِّهت آنذاك إلى الشيخ أتى من إهماله "أولويات" إنسانية في منطقة مهملة دولياً ومهدَّدة بالمجاعة، فضلاً عن خطر استهدافها عسكرياً من قوات الأسد وحلفائه. هكذا ينطلق أصحاب الانتقادات، ونحن منهم، مما يرونها أولويات في مقام البديهيات، بينما هي ليست كذلك على الإطلاق من وجهة النظر المسيطرة في العديد من المناطق، ويمثلها أفضل تمثيل الشيخ والقارئ المشار إليه أعلاه.
في أولوياتنا نحن، من وجهة النظر تلك، تشغلنا "دار الفناء" عن "دار البقاء"، تشغلنا الدنيا عن الآخرة، وهي خير وأبقى. هذا في أحسن ظن، ولدى فئات لا تجرّد فوراً سيف التكفير. دمار المجتمعات الغربية هو تماماً في كونها مجتمعات دنيوية، لا تكترث بالآخرة، وهذا كلام أمينٌ جداً لمنطقه، لا تجدي محاججته بالتطور التقني الذي أنجزه وينجزه الغرب، ولا بدولة القانون والديموقراطية في بلدانه، وبالطبع فإن الحديث عن الحريات خارج المحاججة.
إن الأولوية المطلقة لـ"دار البقاء"، من منظار هؤلاء، تنقض معظم ما نراه من أولويات وبديهيات السياسية، باعتبار الأخيرة تدبيراً من تدابير العالم المُعاش. وهذه الأولوية المطلقة تنقض الأساس الذي انطلقت منه ثورة السوريين، باعتبارها ثورة حرية، وتنقض تحالفات المعارضة التي هي في جزء مؤثر منها كانت مع الغرب، وتنقض الانتقادات التي وُجِّهت إلى الأخير بسبب تقاعسه عن نصرة السوريين كما ينبغي.
لكننا، بالعودة إلى المنطق نفسه، لن نتحسر على عدم تدخل المجتمع الدولي-الغرب لنصرة السوريين، إذ من المرجح أن النصر الذي سيأتي به الغرب سيكون محمَّلاً بشيء من القيم التي أدت إلى خرابه، وعليه تكون الخسارة أمام الأسد مع المحافظة على "قيمنا" أهون من نصر خبيث. وهذه الخلاصة ملائمة إذا أخذنا في الحسبان معاداة الأسد للغرب أيضاً، من دون أن نعزوها إلى النفاق، فللمذكور عداء حقيقي للغرب، واظب إعلامه وإعلام أبيه من قبل على التغني به، وعلى النيل من قيم الغرب مجتمعةً، وصولاً إلى التنبؤ بانهياره.
لدينا أيضاً قسم من اليسار الحالي، وبعض من فلول اليسار القديم، على عداء جذري مع قيم الغرب، وعلى يقين بأن هذه القيم ستتسبب بانهياره، ولو أتت النبوءة من زاوية مختلفة عن نظيرتها الإسلامية. وفي إرثنا الثقافي القريب هناك الكثير من الهجاء الموجَّه للغرب، ونبوءات الشعراء بدماره الوشيك أو الآجل، ولا يرى البعض منهم تناقضاً بين ذلك وبين سعيه المحموم للحصول على جائزة نوبل أو سواها من جوائز الغرب الموصوم بالاستهلاكي وعديم الإنسانية.
لا فائدة من نقاش مع المبشِّرين بانهيار الغرب انطلاقاً من التمييز بين سياسات خارجية غربية وبين قيَم باتت تُنسب إلى الغرب رغم أنها حصيلة تطور الفكر البشري بمجمله، فنقد سياسات الغرب لدى قسم من المبشِّرين هو مجرد أداة للنيل من تلك القيم. ميزة الإسلامي المتقدمة هي في ذهابه إلى الهدف مباشرة، أو عدم مراوغته بين الهدف والوسيلة. ميزته الأخرى أن الهدف الأسمى متحقق له، فهو لا ينتظر انهيار الغرب لأنه يراه منهاراً وقد خسر دار البقاء، أما خسارته دار الفناء فهي مسألة وقت ليس إلا.
الغرب، كما في معظم التجارب، لا يبقى خارجياً، وقد عشنا عقوداً من رواج الحديث عن عملاء الغرب في الداخل. كانت هذه الكليشيه جاهزة مثلاً ليستخدمها الأسد في الحديث عن مؤامرة غربية ينفّذها السوريون الثائرون عليه، ولم يتورع مقرّبون منه حتى عن نسب داعش إلى المؤامرة المزعومة. الحديث الذي يختفي ليعاود الظهور، وهو قد عاد إلى التداول مؤخراً، عن تسلل الغرب عبر المنظمات العاملة في "المناطق المحرّرة" لا يبتعد إطلاقاً عن فكرة المؤامرة، التي هذه المرة تستهدف "ديننا وقيمنا"، وبحسب البعض تستهدف تدمير ما عجز الأسد عن تدميره!
قد نبرر ذلك بأن اليأس العميق من احتمالات الواقع، ومن ضمنه سياسات الغرب، لا بد أن ينعكس بأنواع عديدة من العدمية السياسية، وبأنواع مختلفة من تعزية النفس، بما فيها الهزلي كتمنّي ارتطام نيزك ما بالأرض ليقضي على الحياة. المشكلة أن الكوارث التي ينبغي حلها في السياسة وصراعاتها الدنيوية تتفاقم وتتعزز، ولا يصحّ فيها الاستدلال بالعبارة الشهيرة عن نفاد حلول الأرض وانتظار الحلول من السماء، طالما أن جزءاً من الكارثة هو أصلاً في توسل الحلول من السماء قبل البحث عنها جيداً في الأرض.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top