لارا الهاشم -
لربّما لم يشهد ملفٌّ قضائي كمّ الإنقسام والتسييس والنزاع القانوني الذي يشهده ملف المرفأ. ولربّما لم يعلم وزير العدل هنري خوري أن طلبَه إلى مجلس القضاء "تعيينُ محققّ عدلي لمعالجة الأمور الضرورية والملحّة طيلة فترة تعذُّر قيام المحقق الأصيل بمهامه" سيضعه في خانة الإتهام بمخالفة القانون وصولاً إلى حدّ مقاضاته.
هدفُ وزير العدل كان تحريك الملف المجمّد منذ أكثر من تسعة أشهر إلى حين زوال الموانع التي تحول دون وضع القاضي طارق البيطار يده على ملفّه إذ لا يجوز الإبقاء على موقوفين من دون مرجعٍ قضائي يبت بوضعهم في ظلّ التعطيل السياسي للملف. فالموقوفون ال 17 يقبعون في السجن منذ سنتين وما من جهةٍ قادرة على البت باخلاءات سبيلهم لا سلباً ولا إيجاباً فيما عددٌ منهم يعاني من ظروفٍ صحية صعبة، ومن هنا انطلق وزير العدل بقراره الإداري الذي يؤكد أنه سليم.
لكن في المقابل تعتبر جهات قانونية أن القرار "منعدم الوجود" ومن بين هذه الآراء كان لافتاً طلب نقيب المحامين من مجلس القضاء ضرورة الرجوع عن هذا القرار لحصوله تحت ضغط السلطتين التنفيذية والتشريعية التي تجلّت بلقاء رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود بوفد من نواب تكتّل لبنان القوي. وعليه اعتبر كاسبار أن القرار يناقض مبدأ استقلالية القضاء خاصة وأن وزير العدل توجّه بصفة الإملاء إلى مجلس القضاء مستخدماً عبارة "للعمل على البت بمبدأ تعيين محقق عدلي"، هذا عدا عن غياب المرتكز القانوني الذي يسمح بتعيين محققّ رديفٍ في ظل وجود الأصيل.
إذاً توجُّه نقابة المحامين في بيروت واضحٌ وقد عبّرت عنه هذه المرة عبر كتاب خطّي موجّه من النقيب إلى مجلس القضاء طالباً منه الإمتناع عن الموافقة على تسمية أي محقق عدليّ "إضافي" أو "رديف". أوساط المحامين تعتبر عبر tayyar.org أنه كان على الوزير هنري خوري وعوضاً عن اتخاذ قرارٍ يمنحُ صلاحيات مطّاطة إلى المحقق الجديد، كان عليه توجيه كتابٍ إلى وزير المال يوسف خليل وتنبيهه إلى التعدّي على صلاحيات وزير العدل عبر الامتناع عن توقيع مرسوم الهيئة العامة لمحكمة التمييز. بالنسبة للمصادر، القانون واضحٌ لجهة صلاحية وزير العدل الذي لا تمرّ التشكيلات القضائية من دون توقيعه والذي يعود له وحده وضع الملاحظات وعرضها على مجلس القضاء الأعلى، أما وزير المال فتوقيعه ماليٌّ بحت وفي كثير من الأحيان هو سياسي تكريساً لمبدأ "التوقيع الشيعي" الذي تمّ إرساؤه في السنوات الأخيرة. وعليه كان على المواجهة أن تكون أشرس من أجل توقيع مرسوم الهيئة العامة لمحكمة التمييز من أجل إحقاق الحق في قضيّتي الموقوفين والضحايا عوضاً عن اللجوء إلى أنصاف الحلول.
من هنا إنطلق المحامي شكري الحداد بوكالته عن عددٍ من أهالي الضحايا لتقديم شكويين جزائيّتين بحق كلّ من وزير العدل ووزير المال. في الشكوى المقامة أمام قاضي التحقيق في بيروت اعتبر حداد أن وزير العدل أساء استعمال السلطة خدمةً لفريقه السياسي بهدف إخراج موقوف منتمي إلى هذا الفريق.
أما بالنسبة لوزير المال يوسف خليل فقد أمعن بحسب الشكوى في مخالفة القانون عبر الإمتناع عن توقيع مرسوم التشكيلات حماية لمدّعى عليهم تابعين لفريقه السياسي. بخطوته هذه لم يتعدّى وزير المال فقط على صلاحيات وزير العدل وإنما أيضاً بحسب الشكوى فقد تعدّى على استقلالية السلطة القضائية التي تكرّسها المادة 20 من الدستور اللبناني والمادة 4 من قانون التنظيم القضائي التي تنص على "يسهر مجلس القضاء الأعلى على حسن سير القضاء وكرامته واستقلاله". فالوزير أعاد المرسوم لأسباب لها علاقة بالشكل، تارة لإحالة القاضية رولا المصري على التقاعد وطوراً لوجود خللٍ طائفي فيما الأصول تقتضي أن يُحدّد مجلس القضاء ملاك الهيئة العامة والأشخاص الذي يرى فيهم الكفاءات لتولّي هذه المراكز.
لكنّ على الرغم من كلّ هذه الوقائع فان وزير المال مصرُّ على رمي الكرة في ملعب وزير العدل ومجلس القضاء عبر الإيحاء بأنهما يتحمّلان مسؤولية التأخير. ففي ثلاثة بيانات متتالية أكدت وزارة المال أنه تمّ استرداد المرسوم من قبل وزارة العدل منذ حوالى الشهر لتصحيح الخلل الذي يعتريه وكأن المقصود هنا هو أن المعنيين بتصحيح "الخلل" لم يبادروا إلى ذلك وبالتالي فهم من يتحمّلون مسؤولية التأخير لا وزير المال. إلا أن مصادر قانونية متابعة ترى في ردود وزارة المال إرباكاً كون المرسوم يدور بين وزارتي العدل والمال التي ترفض توقيعه بالصيغة الصادرة عن مجلس القضاء الأعلى في شهر آذار الماضي.
إذاً هي حفلة ضياعٍ إن لم نَقُل تضليلٍ يتكرّس فيها حكم القوي تحت ذريعة الصلاحيّات فيما الثابت الوحيد أن الضحية الأكبر هي الحقيقة، حقيقة مَن فجّر بيروت ومَن تسبّب بابقاء الموقوفين من دون محاكمة ومَن المستفيد من قبع القاضي طارق البيطار.