2024- 04 - 29   |   بحث في الموقع  
logo انتهاكات قانونية جسيمة: ترحيل السّجناء السّوريّين لإرضاء الأسد؟ logo "إجماع" سياسي لبناني على اللاجئين.. ومسار عربي لتعويم الأسد logo تجدد إشكال في عكار.. تضارب وإحراق سيارة مواطن logo ميقاتي التقى وزير خارجية البحرين.. وبحث في جدول أعمال القمة العربية المقبلة logo الجائزة العالمية للرواية العربية 2024للكاتب الفلسطيني الأسير باسم خندقجي logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم الأحد logo "خطة طموحة للتحديث"... اليكم قدرات فرنسا النووية؟ logo "بطعنات سكين"... إشكالٌ في الدورة يودي بحياة سوري!
هادي مطر.. "البطل" الخارج من حفرة الأرنب
2022-08-18 21:26:06

قال هادي مطر ما كان متوقعاً: قرأ "صفحتين" فقط من "آيات شيطانية". هذا يعني أنه عملياً لم يقرأ شيئاً من الرواية التي بسببها أبدى روح الله الخميني رغبته بقتل سلمان رشدي. هذه الرغبة المقدسة التي لا تسقط بمرور الزمن أو تغير الولي الفقيه، أو حتى النظام في إيران.
هذا ليس مهماً. ليس أن الذين قرأوا الرواية هم الذين كرهوا رشدي حصراً وقرروا قتله. العكس هو الصحيح. الذين لم يقرأوا هم الذين حقدوا. لكن هذا ليس مهماً أيضاً. المسألة ليست بحثاً في مخاطر هواية المطالعة. الخميني نفسه لم يقرأ ومع ذلك أفتى. الآلاف ممن فرحوا بالشاب البطل الذي طعن الكاتب الشيطان لم يقرأوا، ولن يقرأوا. القراءة ليست نشاطاً مفيداً للصحة الذهنية. المهم هنا هو كيف تترسخ الفكرة في ذهن الساذج، وكيف تصير سكيناً تطعن، أو رشاشاً، أو عبوة.
في مقابلته القصيرة مع "نيويورك بوست"، رفض هادي أن يقول ما إذا نفذ هجومه تطبيقاً للفتوى. نفى أي علاقة له بالحرس الثوري الإيراني، لكنه قال، في المقابل، إنه يحترم آية الله الخميني ويرى فيه شخصاً عظيماً. قال إنه "لا يحب" رشدي. يعتبره "شخصاً سيئاً". ووصف القاعة حيث طعن رشدي "باللطيفة".
من عباراته القصيرة، ومفرداته القليلة المباشرة، "أحب، أكره، عظيم، سيء، لطيف".. بدا مطر أشبه بمتطرف أميركي نموذجي. قاموسه محدود في حلقات ضيقة من المصطلحات والرؤى تتخبط في دماغ عمره 24 سنة. ثنائيات من وزن حب كره، أبيض أسود، جيد سيء. ثنائيات تبسيطية مريحة تؤدي إلى تنفيذ قرار بالقتل بناء على صفحتين ورغبة شيخ "عظيم" راحل منذ عقود.
يا لها من خيبة أمل لمريديه الجدد الذين رفعوه إلى رتبة "بطل"، ولفوا جبينه في الرسم الرديء بعصبة حمراء كتب عليها "لبيك يا إمام"، ووصفوا جريمته بالمهمة النبيلة التي حققت المعاني الإنسانية والفكرية والفلسفية العميقة التي اختزنتها الفتوى. حولوه إلى جندي شجاع في ولاية الفقيه، بينما هو مجرد أميركي آخر عاطل عن العمل يعيش معزولاً عن العالم، يلعب "بلاي ستايشن"، ويمضي أيامه مطلقاً النار من بنادق رشاشة، ويطعن أعداءه بخناجر وسيوف، يستخدم أسلحة مرسومة بدقة متناهية ويعيش في ألعاب مصنوعة لتستحوذ على مشاعره وأوهامه، وتنقله إلى عالم موازٍ يكون فيه جباراً. ألعاب تسمح له بالهروب إلى متخيل لا يشبه واقعه في شيء، لا يشبه الشاب الغارق في فشله.
هادي ليس انتحارياً شيعياً آتياً من الثمانينيات مشبعاً بالعقيدة يقتحم بشاحنته الملغمة السفارة الأميركية في بيروت ليسقطها على من فيها. ليس مؤدلجاً. شهر واحد في قريته الجنوبية لا يكفي لأن يحوله إلى عقائدي. سيحتاج إلى شهور على الأقل، فقط ليتعرف إلى خريطة الوجوه المرفوعة على الأعمدة وعلى سياق قصصها وتاريخها والفارق بين الشهيد فيها وبين القائد. شهر واحد لا يكفيه لأن يتحول من أميركي إلى خميني الهوى. مأساة هادي تقع في مكان آخر. في أنه نموذج الأميركي المحبط. هذا اليائس الذي بلغ الرابعة والعشرين من عمره، من دون أن يكون قد حاز على شهادة جامعية، من دون عمل، من دون الاستقلال عن والدته، من دون أسرة تخصه، من دون الانتماء إلى الطبقة الوسطى وإن كانت رمادية، من دون حياة. هادي يعيش عالة على أمه، في قبو بيتها. أمه المطلقة العاملة، التي عليها وحدها واجب إطعامه وإطعام شقيقتيه الصغيرتين، ودفع الفواتير كلها في البلد الذي يسحق عظام الطبقة التي تنتمي إليها سيلفانا فردوس. ومع أنه ليس بالضرورة أن يتحول كل من يعيش في ظروف هادي إلى قاتل، لكن مثل هذه الظروف تصنع قتلة، بخاصة في المجتمع الأميركي الذي يختزن عنفاً لا قعر له.الشاب واحد من عدد لا يحصى من أترابه الأميركيين، تمضي حياتهم في الطوابق السفلية من بيوت أهاليهم، ملجأهم الأخير الذي إذا خرجوا منه لم يعد لديهم إلا التشرد. وفي الطابق السفلي، أمام الشاشات، تنمو الأفكار داخل الرؤوس المغلقة كالأعشاب الضارة، كالطحالب السامة. لا يعود الأميركي يعرف ما إذا كان يحقد على الحكومة الفدرالية واللاتينيين والسود والعرب واليهود وعلى سلمان رشدي، أو أنه يحقد على نفسه وأهله وماضيه وحاضره ومستقبله وسيرته الشخصية. في الطابق السفلي يغرق الأميركي المحبط في حفرة الأرنب الشهيرة على الانترنت. من فيديو إلى فيديو ومن نظرية مؤامرة إلى أخرى يطور وحده، وبناء على نقاشه مع ذاته، منظومة كاملة مما يظنها نظريات لأسباب مشاكل العالم وحلولاً لإنقاذه بالعنف. وحين يخرج من قبوه، يذهب إلى مدرسة مسلحاً ببندقيتين ليقتل أطفالاً بعمر الثالثة، أو إلى كنيسة ليقتل مسنين سوداً، أو إلى كنيس ليقتل يهوداً، أو إلى ملهى ليلي ليقتل مثليين، أو، وهيا بنا نلعب، إلى مسجد ليقتل مسلمين.
ما الفارق بين هؤلاء وبين هادي مطر؟ المتطرف الأبيض الذي يقتحم مسجداً ليقتل مصلين، هو على يقين تام بأنه على حق، وأنه ينفذ رغبة السماء بقتل الأشرار. ليس لدى هادي عقد الأبيض الأميركي المزمنة، خوفه من خسارة امتيازه العرقي ومن التهام الملونين عمله والليبراليين عقيدته المحافظة. لكن هادي يحمل جينة التطرف نفسها التي دفعته للقتل. وبينما العنصري الأبيض يجد ضالته في السود واليهود والمسلمين، يجد الشيعي التائه ضالته في فتوى تعلوها طبقات سميكة من الغبار حتى لم يعد يذكرها أحد لو لم ينبشها. هو التطرف ذاته، المبني على رؤى بسيطة للعالم وتعقيداته، ولصورته المشوهة عن نفسه، وما يريد لها أن تكون.
للفتوى قوة عابرة لمطلقها ولزمانها وحتى لوعي المؤمنين فيها. هذا لا شك فيه. هادي مطر ساذج يخلط بين البلاي ستايشن والواقع. هذا أيضاً لا شك فيه. المشكلة في الفتوى وفي منفذها معاً. المشكلة أيضاً في من تصدوا لتمجيد فعل الساذج، لتبنيه بصفته اثباتاً لقوة ولاية الفقيه. هؤلاء أضفوا عمقاً أيديولوجياً على جريمة لا عمق فيها. ألبسوا هادي ثوباً ليس له ليؤكدوا انتصاراً للولي الفقيه على أميركا وبريطانيا وأفكار الغرب الهدامة، واستعماره الإمبريالي الذي كان رشدي وما زال أداته. مع أنها إهانة كبيرة للفتوى وصاحبها أن من نفذها أخيراً هو النموذج المثالي للمعتوه الأميركي التقليدي. هؤلاء، شيوخاً ومدّعي يسار ومجهولي سوشال ميديا، ليسوا سذجاً. هؤلاء يقتنصون الفرص ليدّعوا انتصارات عقائدية وهمية، ليفتوا بدورهم، ليس بتبرير فعل القتل فحسب، بل باسباغ قيم سامية عليه وعلى من فتى فيه قبل عقود بصفته استشرافاً خارج الزمان والمكان. هؤلاء جنود صادقون، ينفخون في الفتوى كي تصير درساً يلقنوه لكل من تسول له نفسه أن يتكلم. درس أبدي. هؤلاء يجيدون صناعة القتلة. يغذون الفكر كي يستمر وينتشر وينمو طحلباً ساماً في الرؤوس. هؤلاء خطرهم أكبر من هادي مطر، العربي الأميركي الذي يعيش في قبو، يجد مثله الأعلى في روح الله الخميني. هؤلاء خطرهم أكبر من عنصري أبيض يعيش في قبو، يجد ضالته في أدولف هتلر، يحضر بندقيته وجعبته، ويستعد للخروج إلى المسجد القريب.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top