يستخدم الإعلام الأميركي تعبير "الذئب المنفرد" للدلالة على قيام شخص ما بعملية أو جريمة ذات طابع عام بمفرده ودون تنسيق أو مشاركة من الجهات ذات المصلحة أو الاهتمام بالموضوع. سرعان ما استخدمت الصحف والتلفزة المصطلح نفسه لوصف الشاب الأميركي، اللبناني الأصل، هادي مطر (24 سنة)، الذي حاول اغتيال الكاتب الإنكليزي، الهندي الأصل، سلمان رشدي (75 سنة)، في بلدة تشاتاكوا في ولاية نيويورك يوم الجمعة قبل الماضي. حرصت وسائل الإعلام التي أفردت مساحات واسعة لتغطية الخبر على استخدام ذلك التعبير للإشارة الى عدم مساهمة آخرين في الجريمة المرتبطة بالفتوى الشهيرة للإمام الخميني عام 1989، تكليف كل "المسلمين الغيارى" بقتل مؤلف الآيات الشيطانية في أي مكان من العالم.
تعوّد العرب الأميركيون أن يبدأوا بالصلاة والدعاء كل مرة تحصل فيها جرائم إرهابية أو أعمال عنف سياسي في أميركا، طقس تدرّج مع الأيام، خصوصًا بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، ليصبح على مستويات ثلاثة؛ أولها ألا يكون المنفذ عربيًا أميركيًا مسلمًا، وثانيها ألا يكون أميركيًا مسلمًا وثالثها ألا يكون مهاجرًا حديثًا من إحدى الفئتين، ولا داعي للتوسع في عرض أسباب ذلك أكثر من الإشارة الى التبعات السلبية عليهم في مساكنهم ومعاشهم وتنقلاتهم وتعاطيهم مع مواطنيهم البيض والسود والملونين القابلين للتأثر السريع بالتغطية الإعلامية الفجائعية في هذه الحالات التي يتم استثمارها العاطفي على الفور من قبل خبراء ومحللي "الشاشات" لتكريس صور نمطية تصب في خانة صراع الحضارات داخليًا أو تسجيل نقاط معنوية في سياق الحسابات الإقليمية خارجيًا، فالعربي هدف سهل ومعروف ...ومباح أيضًا.
لم تأخذ الصلوات والإبتهالات هذه المرة مفعولها وتبين أن المنفذ ليس من المستوى الأول فقط، وانما يمتاز ايضًا بأنه من مواليد أميركا، هذه الميزة التي تجعله أميركيًا بحتًا في نظر القانون لا تخفف من اثار فعلته على بيئته الإثنية، وتثير في الأوساط العربية الأميركية المعنية مخاوف أكبر من تسلل التطرف أكثر الى فئة الشباب الواقع تحت تأثير الخطاب الديني التعبوي، الذي لم يعد محصورًا في المؤسسات الدينية التي لا تتورع عن ترويجه، بل جعلته شبكات الانترنت والتواصل الاجتماعي سهل المنال وموضع نقاش وسجال وتحريض متفاعل ومتواصل.
لا تختلف سيرة هادي مطر العائلية عن اترابه الا في التفاصيل. ولد هادي في بلدة كوداهي جنوب كاليفورنيا عام 1998، لأبوين من بلدة يارون المجاورة لمدينة بنت جبيل في جنوب لبنان هاجرا الى أميركا عام 1996 هما حسن مطر وسيلفانا فردوس اللذين انفصلا عن بعضهما عام 2004، ليعود الأب بعدها الى بلدته التي يعيش العدد الأكبر من أبنائها في أميركا والمغتربات، وتنتقل الأم بعد عشر سنوات الى مدينة فيرفيو في ولاية نيوجرسي حيث تعمل كمترجمة ومعلمة في مدرسة ثانوية، وتعيش مع هادي وشقيقتيه التوأم في منزل تملكه.
وأبلغت فردوس مراسل صحيفة الدايلي ميل في نيويورك أن سلوك ابنها تغيّر كثيرًا بعد زيارة الى لبنان عام 2018 ليلتقي والده، وأنه عاد منزويًا على نفسه واضطربت دراسته وعاش في الطابق السفلي من المنزل حيث كان يحضر طعامه بنفسه ويمنعها وشقيقتيه من دخول غرفته، وكشفت انه كان يعاتبها على حثه على اكمال دراسته بدل تلقينه مبادئ الإسلام، قبل أن تختم حديثها بإعلان التبرؤ منه لأنها تريد أن تكمل حياتها "من دونه" وتعتني بابنتيها المراهقتين المصدومتين من الخبر. واجمع معارف هادي وجيرانه الذين تحدثوا الى الاعلام على انه كان منطويًا على نفسه ولا يتعاطى مع أحد، فيما قال صاحب نادٍ رياضي محلي أنه انتسب الى برنامج الملاكمة في نيسان الماضي وواظب على الحضور الى ان اتصل قبل أيام وطلب الغاء عضويته، وكرر صاحب النادي ملاحظة الآخرين حول انطواء هادي قائلًا" كلما رأيته كنت اظن انه يمر بأسوأ يوم في حياته".
وقالت التقارير المتنوعة المصادر أن ضباط مكتب التحقيق الفدرالي (اف. بي. آي) صادروا من منزل مطر حاسوبه الخاص وجهاز "بلاي ستايشن" وبعض الأوراق، وأن حسابه على الفيسبوك وذاكرة هاتفه المحمول يحتويان على صور لقادة إيرانيين ومنهم الجنرال قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الذي اغتالته طائرة أميركية قرب مطار بغداد. وأنه كان يستخدم إجازة قيادة سيارة مزورة باسم حسن مغنية، وأنه راقب مكان تنفيذ محاولة الاغتيال قبل عدة أيام من التنفيذ.
هادي مطر ليس أول عربي أو مسلم من مواليد أميركا توجه اليه تهمة القيام باعمال إرهاب وعنف لكنه أصغرهم سنًا، ولعل ابرز العرب الأميركيي المولد المتهمين بالضلوع في الهجمات على أميركيين أو مصالح أميركية رجل الدين اليمني الأصل أنور ناصر العولقي المولود في مدينة لاس كروسيس في ولاية نيومكسيكو عام 1971، والذي قتل في غارة أميركية على سيارته في اليمن عام 2011، والرائد في الجيش الأميركي نضال مالك حسن الفلسطيني الأصل المولود في مدينة أرلينغتون بولاية فرجينيا عام 1970، والذي نفذ عملية في قاعدة فورت هوود العسكرية في تكساس عام 2009، فقتل 13 وجرح 32 آخرين، وينتظر على قائمة المحكومين بالإعدام، وسيد رضوان فاروق، الباكستاني الأصل المولود في مدينة شيكاغو عام 1987، والذي نفذ مع زوجته المهاجرة تشفين مالك هجومًا مسلحًا على مكتب حكومي في سان برناردينو في كاليفورنيا عام 2015، أدى الى مقتل 14 شخصًا وجرح 22 آخرين، ومقتلهما بعد مطاردة، وعمر متين الأفغاني الأصل المولود في نيويورك عام 1986 والذي نفذ هجومًا مسلحًا على ملهى ليلي للمثليين في مدينة أورلاندو في فلوريدا فقتل 49 وجرح 53، وقُتل برصاص الشرطة.
الآن يرقد سلمان رشدي تحت الحراسة في مستشفى في بنسلفانيا ليداوي الطعنات العشر التي اصابته في عينه ورقبته وكبده وبطنه، فيما يقبع هادي مطر في زنزانة منفردة رهن التحقيق بانتظار إجراءات محاكمته بعدما رفض الإعتراف بالذنب، ويبات العرب الأميركيون على قلق مثل سيلفانا فردوس التي لم تجد بدًا من التبرؤ من ابنها، ويحاولون أن يدفعوا عن اذهانهم هواجس تهم الإرهاب التي بدأت منذ "أزمة الرهائن" في لبنان أواسط ثمانينات القرن الماضي، قبل أن يكتب رشدي روايته وقبل أن يصدر الخميني فتواه وقبل أن يبلغ والدا هادي سن الرشد.