2024- 05 - 04   |   بحث في الموقع  
logo "نشاط" باريس والرياض لترتيب المشهد السياسي اللبناني logo أسلحة مخدرات وأعمال إرهابية.. الجيش يوقف 5 اشخاص logo جريح بالرصاص في طرابلس.. إليكم التفاصيل logo حرب موازية بين إيران وإسرائيل: القبة السيبرانية آتية! logo بيرنز في القاهرة ووفد حماس يصل السبت..لاستكمال محادثات الهدنة logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم الجمعة logo "بين ورطة وفرصة"... بايدن امام قرار التخلي عن نتنياهو! logo "مذبحة"... إسرائيل أبلغت بايدن خطتها بشان رفح!
بسام الشيخ حسين ليس علي شعيب
2022-08-12 07:56:01

لا أمل، ولو ضئيل، في إيقاظ حنين ما على باب المصرف في الحمرا. قصيدة عباس بيضون، أغنية مارسيل خليفة، "يا علي.. قاومت لتحرر دمك".. علي شعيب، رومانسية اليسار الراديكالي، ليس هذا وقته. لا الزمان زمانه، ولا الحكاية هي الحكاية. بسام الشيخ حسين، الذي اقتحم فدرال بنك بالأمس، ليطالب بحقه المختطف، ليس علي شعيب الذي اقتحم "بنك أوف أميركا" قبل عقود، مدججاً بالأفكار العظيمة، مدججاً بأحلام الحرية والعدالة الإشتراكية والانتصار للطبقة العاملة في العالم أجمع، بيرق جامع كل الشعوب.. بسام ليس علي.
بسام الشيخ حسين ليس علي شعيب. تقع المقارنة بينهما في انتفاء المقارنة بينهما. الأول كان ينظر إلى صورته من بعيد، أممياً، يغرف من بئر البنك الأميركي الإمبريالي المحتكر الجشع، وينثر الثروة على الفقراء، أصحابها الأصليين. علي شعيب كان يعرف أنه ذاهب إلى عملية بطولية انتحارية. كان يسجل موقفاً. دفع حياته ثمناً لموقفه السياسي الأخلاقي. كان يرى البطل الذي سيصيره حين يقتل، وكان له هذا. كان له أن يخلد في القصيدة و في الأغنية وفي نوستالجيا اليسار. علي شعيب صار الرمز الذي كان يشاء لصورته أن تكونه، رمزاً لليسار في زمانه، للفكرة الحمراء، للأيديولوجيا. وقد خلده عباس بيضون ومارسيل خليفة والشيوعيون.
بسام الشيخ حسين ليس بطلاً ولا يريد أن يكون. لا يملك ترف الأفكار الكبرى. بسام هو المواطن العادي. هذا العادي بشدة مثيرة للحزن وللشفقة في آن. هذا الذي كان لديه ما يكفي من الثقة بالدولة، بمصرفها المركزي، بمصارفها الحديثة القوية، لأن يسلم كل مدخراته، كل حياته، لها، ثم يستيقظ في يوم ليقول له هذا الحلف المتين العميق بين انتهازيي السياسة والمال، أن ودائعه اختفت وأن عمره تبخر. هو المواطن العادي الذي لم ولن يصدق أن الأموال تتبخر هكذا، كالماء في ليلة صيف، بل إن لصاً هائلاً بحجم الحوت في التوراة، بحجم الغول في قصص الأطفال، قد ابتلعه وابتلع حياته معاً.

المواطن العادي، القاضي والمحامية والطبيبة والصحافية والضابط والشرطي والمعلمة والموظف والموظفة والمتقاعدة والمتقاعد. العادي الذي يدفع بلا تذمر فواتيره كلها. فواتيره التي لم تكن يوماً منطقية ولا مبررة، يدفعها على الموعد، كالساعة السويسرية، ليس لأنه يؤمن بأنه يعيش في دولة، بل لأنه يريد أن يقنع نفسه بأنه يعيش في دولة. أن يحلم. أن يحلم بأنه مواطن عادي في دولة عادية. بأنه ينفذ واجباته لينال حقوقه، كما لو أنه في دولة عادية. بأنه ليس في السويد، لكنه على الأقل يقوم بما يقوم به المواطن السويدي العادي. أي كنز من القناعة لا يفنى أن يكون كل ما يتمناه المرء هو أن ينال رتبة المواطن العادي؟ حتى هذا حرام على اللبناني. كيف لا يقتحم، رجل عادي مصرفاً حاملاً بندقية؟

ليس هذا السؤال؟ ليس لماذا يقتحم بسام الشيخ حسين مصرفاً ببندقية وغالون بنزين ليستعيد حقه. السؤال: لماذا لا يحذون كلهم حذوه؟ من مِن المودعين المقهورين لم يتخيل نفسه يقتحم المصرف الذي التهم أمواله حاملاً بندقية، ليسترجع ما سلبوه منه. يتخيل، كأقل إيمان؟
ما فعله بسام هو ما تخيله، ويتخيله جميع من هم مثله، وقد نبشت حياتهم عليهم ونهبت منهم. هو ثالث الآخذين حقهم بيدهم، لكنه الأول في العاصمة، حيث الحدث دائماً ضجته أعلى. بعكس علي شعيب، لم يجد بسام من يتهمه بأنه مجرم، أو أنه يخرّب صورة لبنان وعلاقاته الدولية وصورته السياحية واسطورته المصرفية. كل هذا ماضٍ مضى. وفي الحاضر، وبعكس علي شعيب، لم يجد بسام جندياً لبنانياً مستعداً لتصويب مسدسه عليه، وجرحه. عناصر القوى الأمنية الذين انتظروا هذا المواطن أمام البنك، كانوا ينتظرون واحداً منهم، يشبههم، يكاد يحكي كلامهم الساكتين عنه غصباً. يحقق أحلام يقظتهم. حين سلّم نفسه، قد لا يكون سمع همساً إلا دعماً من هؤلاء المسحوقين، وربما تربيتاً على كتفه لأنه استرد حقه بقوته. بسام ومن قبضوا عليه، أبناء طبقة واحدة، كعلي شعيب ومن قتله. الفارق هنا هو أن ابن طبقة علي في حينها، كان نفسه قاتله. الزمن غير الزمن، والبلد غير البلد. وبسام الشيخ حسين غير علي شعيب.
لم يقتل بسام أحداً في البنك ولم يُقتل. علي شعيب كان يجب أن يقتل حينها حفاظاً على هيبة الدولة التي كانت. الآن لا دولة ولا هيبة. ليس إلا المصرف نفسه، يفاوض رجلاً مسلحاً على الجزء الذي سيعيده له من ماله، لقاء أن يسلم نفسه. المصرف التاجر، يعوّل على أخلاق المواطن العادي الذي لن يقتل أبرياء، ينتهز هذه النقطة الضعف الغريبة من نوعها، ليحد ضرره المادي بأقل ما ممكن. بأقل ثمن. عشرة آلاف.. لا. عشرون ألفاً. لا. ثلاثون ألفاً وهذا عرضنا الأخير. ماذا لو رفض بسام؟ ماذا لو هدد بإحراق نفسه والأبرياء من موظفي وعملاء البنك الذين صودف وجودهم معه؟ هل كان البنك ليغسل يديه من العملية الخاسرة ويقول فعلنا ما بوسعنا؟ هل كان سيرفض دفع المئتي ألف دولار، وليحرق بسام نفسه بمن معه أو، أفضل، فلتقتله القوى الأمنية وتريح خزنة البنك منه ومن أمثاله. فليكن، مثل علي شعيب، عبرة لمن يعتبر؟ هذه أخلاق المصرف على أي حال. هذا ما لقنوه للبنانيين عنهم.
لا. بسام الشيخ حسين ليس علي شعيب. علي يعيش في قصيدة عباس بيضون وفي أغنية مارسيل خليفة إلى الأبد. علي صار فناً صافياً خالداً في ذاكرة لبنان وفي حنينه. علي شعيب صار مجرداً كالموسيقى والشعر الحديث. بسام ليس كذلك. بسام هو نحن. العادي الذي نلقاه صدفة في السرفيس، مرهقاً، يكلم نفسه. الذي نعطيه أوراقاً ليختمها ويرجعها إلينا في مبنى الضمان. التي تعلم أطفالنا الألف باء، وطلابنا الفلسفة والرياضيات. الذين واللواتي يقاومون في كل صباح ليحرروا دمهم من عنابر الزيت، ومن مخازن السكر، كائناً ما كان معنى هذه العبارة الغامضة الرائعة. الذين يحملون لبنانهم على أكتافهم كل يوم. ينوؤون بثقله، ولا يتذمرون، ولا يدعون أنهم أبطالاً كعلي شعيب، بل مجرد مواطنين عاديين مثل بسام الشيخ حسين. مجرد مواطنين عاديين، سيسددون سكك محارثهم يوماً إلى بطونهم.. السمينة.. إلى آخر القصيدة. إلى آخر الأغنية.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top