بالرغم من أن هبة الفيول الايراني ما تزال ضمن إطار الأخذ والرد والحديث عن المواصفات وإمكانية مطابقتها مع معامل الانتاج الكهربائي، خصوصا أن إيران لم تعرض الأمر رسميا على لبنان، ولا الدولة اللبنانية طلبت رسميا هذا الأمر، إلا أن الموضوع سارع الى حجز مكان له في السجال السياسي اللبناني مع محاولات الاحراج وتسجيل النقاط بدءا من النائب جبران باسيل الذي تحدث بشعبوية سعيا الى إحراج رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ضمن الحملة التي يشنها عليه، وصولا الى سمير جعجع الذي تذاكى في الدعوة الى قبول هذه الهبة، في محاولة منه لاحراج حزب الله.
أخطأ باسيل وجعجع في العنوان، فلا الرئيس ميقاتي يمكن أن يُحرج بموضوع الفيول الايراني خصوصا أنه يفتش عن كل ما يمكن أن يساعد في زيادة ساعات التغذية الكهربائية وهو إستقبل السفير الايراني وأبلغه أن لا مشكلة في قبول الهبة الايرانية كونها مجانية وغير مشروطة، وبناء على ذلك سلمه مواصفات الفيول التي تتماشى مع معامل إنتاج الكهرباء، ولا حزب الله يمكن أن يقصر في الطلب من إيران تزويد لبنان بالفيول لزيادة ساعات التغذية، وهو سبق وإستقدم المازوت الايراني الى سوريا وعبره الى لبنان لكي لا يعرّض الدولة اللبنانية لأية عقوبات خارجية، وعمل في الوقت نفسه على حل جزء من الأزمة التي كانت قائمة آنذاك.
لا شك في أن الرئيس ميقاتي وفي مقاربته للأمور الوطنية لا يؤخذ بالعواطف أو الشعبوية، ولا يخضع لضغوطات ولا الى إبتزاز بل هو يزين مثل هذه القضايا بميزان “جوهرجي” حيث يضع أي مسألة في كفة، والمصلحة الوطنية العليا في الكفة الثانية، ويتعاطى مع الكفة الراجحة من دون الالتفات الى إنتقاد من هنا أو الى هجوم وردات فعل من هناك.
وتقول مصادر سياسية مواكبة: إن لبنان يعاني شتى أنواع الأزمات ولم يعد قادرا على تحمل أي أزمة جديدة، لذلك فإن أبوابه من المفترض أن تبقى مقفلة أقله في الوقت الراهن أمام أية رياح خارجية يمكن أن تصيبه بأذى أو أن تمعن في إضعافه، لافتة الى أن القبول بالفيول الايراني يحتاج الى كثير من التروي لدرس التداعيات التي يمكن أن تنتج عنه، خصوصا أنه من غير المستبعد أن يصار الى إستغلال هذه الهبة لفرض عقوبات أميركية على لبنان.. فهل يحتمل البلد عقوبات من هذا النوع؟، وهل المطلوب إنهاء البلد وإزالته عن الخارطة خصوصا إذا ما طالت هذه العقوبات المعاملات المصرفية في الخارج؟.
وتؤكد هذه المصادر، أن أحدا لا يمكن أن يرفض هبة الفيول الايراني، خصوصا أن معامل الكهرباء اللبنانية عطشى وتحتاج الى كل نقطة فيول من أي جهة أتت، لكن الأمر يحتاج الى إجراءات وتدابير من المفترض أن تقوم بها الدولة اللبنانية، إذ يمكن لها أن تحذو حذو العراق الذي تمنحه الدول المعنية إذنا في إستيراد ما يحتاج من إيران بعيدا عن العقوبات، وبالتالي يمكن للدولة أن تبلغ هذه الدول بحاجتها الى الفيول الايراني وأن تحصل على إستثناءات منها تجنبها أي نوع من العقوبات تماما كما يحصل مع العراق.
وترى هذه المصادر أن المزايدات في قضية الفيول الايراني من شأنها أن تضر بلبنان وبمصالح مواطنيه، والأجدر بالمتحمسين الساعين الى الشعبوية المقيتة، أن يكونوا في هذا الظرف العصيب على مستوى المسؤولية الوطنية، وأن يضعوا مصلحة وطنهم فوق كل إعتبار، خصوصا أن أحدا لن يقصر في الحصول على الهبة الايرانية أو أية هبات أخرى عندما تسمح الظروف.