لبنان الوطن الجريح على مرّ السنين والحقبات السياسية المتغيرة التي أنهكته، يقف مترنحاً أمام كل هذه التحديات وساسته الفاسدين على كل الأصعدة في حالة سبات عميق دون حراك يشاهدون آلام شعبه المقهور على أمره.

ماذا ينتظرون؟ إنهم لا يستحون . أينتظرون محادثات مؤتمر فيينا، الخمسة زائدا واحدا.

هذه المحادثات وليدة عام 2015 وما زال الخلاف القائم بين إيران وأميركا دون حل والردود المتواصلة بين قطبيها دون نتيجة.

إيران مستمرة دون خجل أو وجل في تطبيق برنامجها النووي تعمل دون توقف .

الأقطاب جميعهم دون استثناء منشغلون في لملمة الآثار المباشرة والسلبية من جراء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا دون حلول.

عقدت قمة طهران (إيران، روسيا، تركيا) دار النقاش حول موضوع شمال سوريا والمنطقة الآمنة لتثبيت أمن تركيا الحدودية ولم تصل إلى نتيجة، علماً أن السبب الرئيسي لعقد هذه القمة هو نشوب حرب أوكرانيا وانشغال القطب الروسي في آتون هذه الحرب ، ألقى الروس بعض المهام الأمنية في سوريا إلى إيران بغياب الدولة المنوطة بأمنها أي دولة سوريا الشقيقة .

قمم تعقد هنا وهناك ومباحثات تجري والأولوية لصالح الدول الكبرى دون النظر الى دول الاقليم .

زيارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط جاءت مباشرة إلى الأرض المحتلة لتثّبت أمن العدو الإسرائيلي أولاً وتأمين مسار ضخ الغاز إلى القارة الأوروبية ، ممّا جعله يتطرق إلى الحلول السريعة المناسبة لترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل .

هذه المحادثات الدائرة منذ فترة طويلة برعاية أميركا كوسيط ، أولويتها بدء ضخ الغاز من إسرائيل إلى القارة العجوز لتعويض ما خسرته أوروبا من كميات الغاز القادمة من روسيا  منذ اندلاع هذه الحرب. عقد مؤتمر في الدوحة – قطر ولم تعلن نتائجه.

عقد مؤتمر جدة الراعي الرئيسي المملكة العربية السعودية والمحاور الرئيسي الرئيس الأمريكي بايدن، حضر قادة الخليج ، مصر ، العراق والأردن .

أمور كثيرة معلّقة وهامة منذ انتخاب الرئيس بايدن، مواضيع شتى بحثت في المؤتمر، منها القضية الفلسطينية،  النفط والغاز. من دون النظر في أزمة لبنان الاقتصادية .

و بحث ملف أمن المنطقة والخليج  وهو موضوع حيوي ورئيسي بسبب انتشار أذرع إيران القتالية في الوطن العربي (فيلق القدس) ، تحت شعارات واهية وممجوجة ومستهلكة ، دمّر أو رهن بالوكالة أربع دول عربية (العراق – سوريا – لبنان واليمن) .

قمة جدة لم يكن لقاء بايدن وولي العهد السعودي حاراً كما توقع البعض . في هذه القمة المملكة قالت كلمتها.

قمة اجتماع ولي العهد السعودي في اليونان جاء سريعاً لبحث موضوع الطاقة وأسعار النفط المتأرجحة .

مباشرة عقدت قمة عالية المستوى في قصر الإليزيه بباريس مع الرئيس ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يصاحبه وفد كبير من الوزراء السعوديين من مختلف الاختصاصات للجلوس مع أقرانهم الفرنسيين لبحث شتى المواضيع الاستراتيجية، السياسية والاقتصادية.

قمة باريس هي قمة سعودية فرنسية توصف بأنها استثنائية في ظروف حساسة من جراء أزمة روسيا- أوكرانيا، بينما يجري تحضير لمعركة خيرسون في أوكرانيا وتبدو قريباً جداً لاستعادة أوكرانيا ما خسرته من أراض.

والآن العالم بأسره مقدم على أزمة اقتصادية كبرى . أولى الملفات الرئيسية في قمة باريس هو الملف النووي الإيراني، التدخل الإيراني في دول الإقليم، الصواريخ الباليستية وخطرها على السعودية، انسداد المحادثات الإيرانية السعودية في العراق غير المعلنة حتى الآن نتائجها .

ملف الطاقة الذي بحث سابقاً في قمة جده، إمدادات الطاقة وحاجات فرنسا، الاستقرار في الشرق الأوسط والضمانات الأوروبية.

أما الملف اللبناني فقد أعاد النظر الرئيس الفرنسي ماكرون في أوضاع لبنان بعد زيارته الأخيرة له، واتفقا سوياً على عدم انهيار المجتمع اللبناني الإنساني والمباشرة بإنشاء صندوق مشترك يشمل مساعدة الشعب اللبناني في مجاليّ الصحة والتعليم فقط .

أكدا دعم البلدين لسيادة لبنان وأمنه واستقراره. والجدير بالذكر أن حكومة لبنان قامت بخطوة وحيدة بعقد اجتماع رباعي شمل (لبنان، العراق، سوريا والأردن) على مستوى وزراء الزراعة لتبادل التعاون الزراعي بينهم خطوة إدارية جيدة لكنها لا تكفي.

في ظل كل هذه القمم والمحادثات بين كافة الأطراف لا يزال لبنان على شفير الهاوية يعاني كثيراً من أمور معقدة تحتاج إلى حلول مالية تشمل ميزانية ذات سقف جيد مع توفر السيولة النقدية (الدولار الأمريكي) لتقوم عملية الإصلاح حيث لزم بصدق وأمانة دون كذب وسرقات تملئ الجيوب على أن تكون هناك محاسبة ورقابة من قبل القضاء اللبناني المختص، الذي أخاله في حالة أشبه بالكوما.

الكل يطالب القضاء بأخذ القرارات والإحكام الملزمة بالقانون والعدل دون مواربة أو تمييز .

البلد كله في ظلام دامس ، لا كهرباء فيه سوى ساعتين تغذية بالنهار إن صدقت شركة الكهرباء.

السبب هو غياب مادة الفيول والمازوت. حتى الآن لا حل لهذه المشكلة برغم الوعود الكثيرة من وزير الطاقة بحل آت قريباً.

إلى جانب فقدان الطاقة ظهر حديثاً نقص المياه في بعض المناطق اللبنانية ومشاريع السدود المائية التي فشلت،

وأصبحت صورة غريبة للزوار والمارة ومدعاة للسخرية.

أزمة القمح والطحين جعل الرغيف الأزمة الراهنة للمواطن. التهريب إلى خارج الحدود اللبنانية دون ضوابط جمركية حسب إفادة وزير الاقتصاد .

الطوابير البشرية في كل مكان عند الأفران. يزيد الأزمة هذه مليون ونصف مليون نازح سوري لما يحتاجه أيضاً من هذه المادة الأساسية في الغذاء اليومي .

المدارس الرسمية والخاصة تتدبر والأهالي في دفع أقساطها . الجامعة اللبنانية في حالة انهيار، القوى العاملة في الدولة مشلولة بسبب الإضراب العام ، الذي ما زال قائماً من دون حلول من قبل الحكومة.

حكومة تصريف الأعمال أشبه مشلولة لإصدار خطة يستطيع أن يستفيد منها المواطن اللبناني.

حتى الآن لا أفق لتأليف حكومة جديدة، الكل بانتظار شهر أيلول وبدء الاستحقاق الرئاسي. لم يلحظ حتى الآن أي إصلاحات رئيسية مطلوبة من جانب (IMF) على لبنان تنفيذها.

سقف سعر الدولار الجمركي المطلوب تطبيقه قريباً وسلبياته المؤلمة على المواطن اللبناني .

توقف صيانة الطرق من قبل الوزارة المختصة والحوادث الأليمة التي سببها هذا التوقف وبإفادة من وزيرها أن لا ميزانية كافية لدى الوزارة .

الدواء والاستشفاء ووضع المستشفيات عموماً في حالة يرثى لها ، كله يعود وبالاً على المواطنين من دون تمييز.

المجلس النيابي الجديد في تخبط، أملنا من رياح التغيير في الانتخابات النيابية الأخيرة أن تحدث تغييراً ملموساً فجاء المجلس الجديد أشبه بالقديم باستثناء تغيير طفيف مدينة طرابلس غيرت جميع نوابها و13 نائباً تغييرياً في مناطق متفرقة …

جميع النواب الجدد لم نشهد لهم موقفاً مميزاً وموحداً له تأثير ملموس في الوضع اللبناني القائم.

شاهدنا بعض النواب أشبه بأحصنة طروادة بمواقفهم السياسية مما أثار الشك في أنهم نواب ثوار وتغيير.

أما المجلس ككتلة نيابية حصل في جلسته الأخيرة أموراً إدارية لم ترتق إلى رمزية سدة المجلس النيابي.

على عكس ذلك تمّ انتخاب النواب السبعة بالتزكية أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب. أعضاؤه جميعاً ليسوا ذوي الاختصاص من القضاة أو المحامين والمتمرسين بالقانون للقيام في هذا العمل الدقيق.

أول فعل لهذا المجلس استقالة أحد أعضاءه، مظهراً أن الجميع يريد أن يحيّد القضاء المختص ويثنيه عن الأمور الأساسية.

أما قضية المرفأ وقد قرب ذكرى موعد 4 آب ولم نلحظ أي تقدم في هذا المسار وما زالت الحقيقة معالمها مطموسة، وأثار الجريمة ما زال قائماً مشتعلاً وجراح الشعب اللبناني لم تلتئم حتى اليوم .

أكتف بالقول عن الوضع المأساوي للدولة المتهالكة أركانها في جميع الإدارات المسؤولة، وماذا عن المواطن اللبناني ليس لدي سوى الدعاء له بالصبر… أقول حسبي الله ونعم الوكيل … عاش لبنان سيداً حراً مستقلاً …

الكاتب: المهندس شفيق ملك