2024- 05 - 06   |   بحث في الموقع  
logo إسرائيل تهاجم"يونيسف"بسبب تقريرها عن معاناة سكان جنوب لبنان logo دليل الأمان الرقمي: كيف تحمي أطفالك في عالم الإنترنت logo لبنان كـ"حالة إنسانية".. والانقسام قد ينقلب تمرّداً على "الحزب" logo سرقة بقوة السلاح في طرابلس.. إليكم التفاصيل logo جريح بالرصاص في طرابلس.. ماذا جرى؟ logo انجاز لبناني جديد.. راي باسيل تحرز ميدالية ذهبية في بطولة العالم للرماية logo "وصمة عار "... رسالة من الحجار لميقاتي! logo "فنان العرب" يُعلن إصابته بالسرطان!
ما ينقصنا لتأريخ "يوليو"
2022-07-26 07:25:53

التأريخ مبحث يعمل بأثر رجعي، أي يُحدث التراكم في الاتجاه العكسي، بالسير بعيداً. المفارقة هي أننا، كلما ابتعدنا من الحدث، تعمقت معرفتنا التاريخية به. تلك العلاقة المقلوبة تجد مبرراتها في مَواطن عديدة. تسمح لنا المسافة الزمنية برؤية الكلّي، بوضع تلك القطع الصغيرة اليومية، جنباً إلى جنب، لنصنع صورة متكاملة، لم تكن لتُدرك في زمن الوقائع نفسها، حين نكون مغمورين بتيّارها العارم. الحكمة الرائجة هي أن حدثاً لا يمكن الإلمام به سوى بالانتظار، وحتى تتجلى تبعاته في المدى الطويل. ففي تقسيمة المديَين، القصير والأطول، ثمة أفضلية ضمنية للثاني على الأول، ولغير المباشر على المباشر. هكذا، كانت محاولات تأريخ أحداث آنية أو قريبة، عادة ما تقابل باستهجان، على أنها غير مختمرة ومتعجلة، حتى ولو كانت تتعامل مع أحداث من عقدٍ مضى. وهناك المؤطرات الأكثر عملية، مثل فتح الأرشيفات المغلقة والاعترافات والسِّير الذاتية المتأخرة لصنّاع الحدث، تلك التي تأتي كاعتراف بالذنب والمسؤولية مقترناً بتأنيب الضمير، أو كفعل تحرر أخير من خشية العواقب.إلا أن أهم ما يمنحنا فهمنا للماضي، كلما أوغلنا بعيداً، هو تحديداً اغترابنا عنه، كوننا شهوداً لم نرَ، متجردين قدر الإمكان، ولم نتورط في الوقائع، وتسليمنا بها كنتيجة أبدية غير قابلة للتغيير بختم الزمن المديد. لا يفترض هذا بالضرورة غياب المصلحة في الحاضر، لكن على الأقل انقشاع ضباب الإيديولوجيا، تلك التي لا تكتفي بتشكيل العالم من حولنا، بل تحدد وسائط رؤيتنا له. هكذا التاريخ كما نعرفه اليوم، ليس مجرد حوليات يكتبها المعاصرون للحدث، بل حفريات يتصدى لها القادمون من المستقبل. والمتعة لا تكمن فقط في الوصول إلى القاع واكتشاف الكنز، بل في إزالة كل تلك الطبقات المتراكمة من التعمية والنسيان والتضليل وفحص مادتها وبُنيتها.ينطبق هذا كله على ثورة يوليو، كما ينطبق على غيرها من وقائع التاريخ الفارقة، حتى ضباطها الأحرار أنفسهم احتاجوا مهلة من الزمن حتى يدركوا أن تلك "الحركة المباركة" من شأنها أن تكون "ثورة" أو يجدر بها أن تصير كذلك. بقيت الأرشيفات في معظمها مغلقة كما هي، أما تجردنا بشأن جمهورية يوليو فلم يكتمل، الخلاف عليها في ذكراها يتجدد كل عام، لا كحدث من الماضي بل كميراث جاثم في حاضرنا لا يمكن الإفلات منه، وبوصفها انقساماً آنياً على خطوط اليسار واليمين، والعروبة وخصومها، وغيرها من مسائل لم تحسم. انقسام يصفي أطرافُه ثأراً مع التاريخ أو يستعينون به كحجة مرجعية.لكن، مع هذا، يظهر أن ما نعرفه اليوم عن الثورة وجمهوريتها، التي هي جمهوريتنا أيضاً، أكثر وأوضح من أي وقت مضى. والفضل في معظمه يرجع إلى التراكم الأكاديمي والتحولات المتتابعة في إطارات البحث والرؤية. وأحياناً كثيرة، تأتي تلك المعرفة من مواقع تظهر نائية. كأن تقوم الدراسات التاريخية للفترة الليبرالية أو التاريخ الاقتصادي للاحتلال البريطاني، بنفي منطق القطيعة، أي رفض التعامل مع "يوليو" على أنها تحول كامل عما قبلها. فعلى سبيل المثال، تتعمق معرفتنا بأصول الإصلاح الزراعي في المرحلة البرلمانية الليبرالية، بل وحتى تحت الحكم البريطاني الذي طبّق سياسات كانت معنية بتحسين أوضاع صغار الفلاحين، وإن لم تكن نتائجها في هذا الاتجاه بالضرورة. ومن دراسات الشتات والهجرة، وبالأخص في ما يتعلق بالجاليات اليونانية، يتوافر لدينا ما يكفي للتيقن من أن عمليات تمصير الوظائف والمجال الاقتصادي، بدأت منذ عشرينيات القرن الماضي وتسارعت في العقدين التاليين، وأن الهجرة العكسية للجاليات الأجنبية إلى خارج مصر بدأت قبل يوليو بوقت طويل، ولأسباب كثيرة، لا تتعلق بالظرف المحلي فقط. الأمر نفسه ينطبق على السياسات الثقافية الخارجية خلال الفترة البرلمانية، حيث يتضح أن مد التأثير الثقافي المصري بغية منافسة الهيمنة الانغلوفونية والفرانكفونية في المنطقة العربية، كان مشروعاً للريادة الثقافية ومناهضة الاستعمار بمعالم واضحة منذ الأربعينات، ومحل تنفيذ أيضاً في ذلك الوقت. بكثير من الثقة يمكن الادعاء اليوم أن "يوليو" كانت امتداداً لما قبلها على مستويات عديدة، أو تسريعاً لعمليات كانت قائمة بالفعل، وليست قطيعة كاملة مع ما سبقها، كما يحلو لأنصارها وخصومها الادعاء، بالحماس نفسه، وإن لأغراض مختلفة.من جهة أخرى فإن التأريخ ليوليو على خلفية تقسيمة الاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، والتطورات التقنية، والدور المركزي للدولة في التخطيط والتنمية سواء في الكتلة الشرقية أو العالم الغربي، وإن بمقادير متفاوتة،.. هذا التأريخ يشي بأن السياسات الاقتصادية للحقبة الناصرية بنجاحاتها وإخفاقاتها، لم تكن وليدة خطأ تاريخي، ولا هي معجزة تم إجهاضها من الخارج، بل سلسلة من المواءمات والتموقعات المحلية في سياق تقني وسياسي واقتصادي عالمي، ومن داخل شبكة قائمة من العلاقات الدولية والرأسمالية أتاحت مجموعة محدودة بعينها من الخيارات.يظل أمامنا الكثير لنعرفه عن "يوليو"، ولعلنا سنحتاج وقتاً طويلاً قبل أن تتاح لنا إمكانية الوصول للقسط الأوفر من سجلات الوثائق، وبالأخص المتعلقة بالجانب العسكري وهزيمة يونيو 1967. وينقصنا أيضاً تاريخ شعبي لثورة يوليو وللجمهورية التي أسستها. تاريخ يرصد الطرائق التي تفاعل بها المواطنون العاديون، والأقل من عاديين، مع الأحداث والتغيرات التي طرأت على حياتهم بسببها، الوسائل التي تواءموا بها مع بُنى السياسة المتغيرة، أو قاوموا بواسطتها، بمعنى آخر ينقصنا تاريخ ليوليو من أسفل.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top