تتفاعل الدعوة إلى تقسيم بلدية بيروت من قبل "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" الذي قدّم قبل يومين مشروع قانون في هذا الخصوص. وبدأ تهافت الخطاب ينذر بإضافة أزمة جديدة إلى أزمات البلد المتناسلة.
طفا إلى سطح النقاش كلام طائفي واتهامات متبادلة، بتوصيفات تستل مفرداتها من قاموس الإقتتال "الأهلي". وللمناسبة، كم يبدو متناقضاً وسوريالياً الجمع بين كلمتي "اقتتال" و"أهلي".
وها هم أهل بيروت، والأدق سياسيوها، يخوضون ما يشبه "اقتتالاً أهلياً" جديداً، تحت عنوان الحقوق المهدورة، على خلفية الإهمال الذي يبدو، من دون جهد التدقيق، معمماً على كل العاصمة.استنفار سنيّتقسيم بلدية بيروت يستنفر السنّة. يشعرهم أن فيه استهدافاً لدورهم وسلطتهم ليس في البلدية فقط، إنما في العاصمة التي طبعتهم وطبعوها بحضورهم ودورهم. يضيف إلى تراكم "إحباطهم" سبباً جديداً. لذا، فموقفهم من الموضوع حاسم، وعليه شبه إجماع. وبعد موقف المفتي عبد اللطيف دريان اليوم الإثنين، لن يكون من السهل إيجاد رأي سنيّ يرتضي البحث في تقسيم البلدية.
فقد استغرب المفتي دريان "ما يردده البعض من طروحات ومشاريع همايونية في تقسيم بلدية بيروت"، مضيفاً، "هذه إرهاصات تنذر بما لا يحمد عقباه، ولا يمكن أن تمر، لأن التقسيم عودة إلى شرقية وغربية في بيروت، وهذا أمر مرفوض شكلاً ومضموناً ويهدّد العيش المشترك الإسلامي المسيحي الذي حافظنا وسنحافظ عليه مهما كان الثمن". مشيراً إلى أن "التناتش على بيروت من خلال بلديتها لا يرضى به الجميع، والأمور تعالج بالحكمة وبالقانون لا بتجاوزه. وهذا يستدعي استنفار كل المخلصين المعنيين في هذا الأمر".
يصعب الاعتماد على "الحكمة والقانون" حين يتم النفخ على جمر الغرائز والحقوق المهدورة والاستنسابية.
ومع ذلك، فتح النائب ابراهيم منيمنة كوة لـ"أصحاب النية الحسنة" من طارحي فكرة تقسيم البلدية. قال: "إذا كان البعض يريد تحسين الواقع الخدمي في بيروت، وخصوصاً أصحاب النية الحسنة، فإن أهم ما يمكنهم فعله هو الدفع بإقرار قانون اللامركزية في المجلس النيابي كمدخل لتحسين الحوكمة المحلية في كل لبنان، وبما في ذلك العاصمة بيروت".
وكان منيمنة، في الوقت نفسه، جازماً لجهة اعتبار "تقسيم بلدية بيروت بالشكل المطروح من خلال حملة شعبوية تستهدف الغرائز الطائفية، هو تنفيذ لما عجزت عنه الحرب الاهلية في تقسيم المدينة ورسم حدود بين شوارعها".الحريري و"التقسيميين الجدد"على الأرجح، وجد الأمين العام لـ"تيار المستقبل" أحمد الحريري، فرصة جديدة لاستهداف حليفيه السابقين في "القوات" والتيار الوطني الحر" من دون ذكرهما بالإسم، لا بل بوصفهما بـ"التقسيميين الجدد". وقال في أول موقف لـ"تيار المستقبل" من موضوع تقسيم بلدية العاصمة، عبر تويتر "ما حدا أكبر من بيروت. باقية واحدة موحّدة في وجه "التقسيميين الجدد". تعلموا من الماضي والحاضر، بيروت أكبر من تقية وعنصرية قوى وتيارات لا تتفق إلّا على التقسيم وضرب قواعد العيش المشترك". أضاف "قبل الانتخابات كنتو عم ترشحوا زيت الوحدة والعيش الواحد. شو عدا ما بدا؟!"
وجاء مدد الدفاع عن وحدة بلدية بيروت من نائبي البقاع والشمال حسن مراد وميشال الدويهي. قال مراد "أن بيروت كما لبنان أكبر من أن تقسم وفقاً للهوى أو الزواريب الضيقة، ولأننا نرفض العودة إلى خطوط التماس وكل ما يذكرنا بها، يبقى موقفنا متصل مع تاريخنا ومبادئنا بأن وحدة بيروت هي أساس وحدة الوطن، لذلك نرفض أي تقسيم لها سواء كان إدارياً أو سوى ذلك".واعتبر النائب الدويهي أن "الطريقة الوحيدة لحماية عاصمتنا ومواجهة الكلام الطائفي المقيت والإفلاس السياسي الكامل لمن كان ولا يزال شريكاً في المجلس البلدي الحالي، هو في الاستعداد من اليوم لخوض معركة استعادة بلدية بيروت من الفاسدين والفاشلين".
كان يمكن للكلام عن تقسيم بلدية، أي بلدية، أن يدخل في نقاشات حول دقة المحاسبة والحوكمة المحلية والشفافية والسرعة في اتخاذ القرارات والإنجاز وأولوية الملفات الواجب معالجتها، وغيرها من العناوين التي تطال الشؤون اليومية الحياتية والخدماتية. لكنه في لبنان يشرّع أبواب الطائفية والغرائز ويستعيد خطاباً يؤكد للمشككين أن خطوط التماس راسخة في العقول، لدرجة ينسى الناس كل استخفاف بـ"حقوقهم البلدية البدائية"، ويخوضون غمار صراعات يُفترض أنهم اختبروها وتذوقوا علقمها.