من راقب وتابع مسلسل الحوادث والإشكالات الأمنية التي سبقت عيد الأضحى المبارك الذي حلّ يوم السّبت الماضي، وأيّام العيد التالية، التي لا تزيد على أصابع اليد الواحدة، يخرج بانطباع لا يدعو أبداً إلى الإطمئنان، ويتملكه قلقٌ كبير ممّا ستحمله الأيّام المقبلة من حوادث وإشكالات مشابهة أو أكثر حدّة على الأرجح إذا استمر الوضع على ما هو عليه من الفوضى وتراخي القبضة الأمنية.
في غضون هذه الأيّام القليلة شهدت مناطق لبنانية عدّيدة، وشمالية تحديداً، إشكالات مختلفة سقط ضحيتها قتلى وجرحى جرّاء إستخدام أسلحة حربية فيها، إلى جانب عصيّ وسكاكين من آلات حادّة وغيرها ممّا بات مألوفاً وشائعاً إستخدامه خلال الإشكالات في الآونة الأخيرة، ما بات يشكل قلقاً واضحاً من أن يؤدّي أيّ إشكال يقع، حتى لو كان تافهاً، إلى سقوط ضحايا وجرحى.
عدّاد القتلى جرّاء هذه الإشكالات المختلفة الأسباب كان كبيراً، من طرابلس إلى عكّار والضنّية والمنية، فضلاً عن سقوط جرحى وخسائر مادية وتوتّر أمني رافق وأعقب أيّ إشكال، ودفع إلى إغلاق المحال التجارية والمقاهي والمطاعم وغيرها أبوابها خوفاً من تطوّر الأوضاع نحو الأسوأ، وهو أمر كان يحصل غالباً.
هذه الإشكالات كانت تحصل للأسف في عزّ موسم عيد الأضحى، حيث كان يتوجّه المواطنون إلى الأسواق للتزوّد وشراء حاجياتهم المختلفة، من ألبسة وأحذية وحلويات وفواكه وهدايا وأدوات منزلية وغيرها، وهو موسم ينتظره تجّار الأسواق والمحال من السّنة إلى السّنة، حيث يعتبرون أنّ موسم عيد الأضحى إلى جانب عيد الفطر هما من أفضل المواسم التي تحرّك الأسواق في طرابلس وجوارها، وتخرجها من ركودها، كما تعوّض على التجار خسائر وركود الأيّام والأسابيع والأشهر الماضية.
لكنّ حساب حقل التجّار لم ينطبق على حساب بيدر الإشكالات المتنقلة التي “خربطت” الأمور رأساً على عقب، وألحقت ضرراً كبيراً بموسم العيد في مناطق معينة، من بينها للأسف مدينة طرابلس وجوارها، في حين كانت مناطق أخرى تنعم باستقرار واسع لم يعكّره أيّ إشكال أمني، كما أنّ التيّار الكهربائي كان مؤمّناً فيها بفضل جهود بلدياتها وشخصيات وجهات مختلفة، بينما كانت طرابلس تغطّ وجوارها في عتمة مظلمة زاد من عتمتها وظلمتها الإشكالات الأمنية التي نغّصت على الجميع فرحة العيد، وحوّلتها إلى مآتم ومخاوف ومظاهر حزن وقلق.
أثار ما شهدته طرابلس وجوارها من إشكالات دامية الخوف من أن تكون المدينة مقبلة على تطوّرات أمنية خطيرة تكون هذه الفوضى ومظاهر التفلّت الأمني مقدمة لها، وفي أحسن الأحوال أن تكون هذه الفوضى والمظاهر بديلٌ عنها، كون المدينة جرت العادة أن تستخدم صندوق بريد متفجّر قبل وخلال الأزمات السياسية، منها حالياً أزمة تأليف الحكومة، وبعد أشهر إستحقاق إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، فهل تنجو طرابلس من مرحلة متفجّرة بانتظارها، يزيد احتمال اشتعالها الأزمة المعيشية والإقتصادية الخانقة، أم أنّ المكتوب لهذه المدينة البائسة والصّابرة لن يتغيّر؟