لاقى التبني غير المسبوق، منذ سنوات، لعملية "أرئيل" الأخيرة قرب مدينة سلفيت بالضفة الغربية، من قبل كتائب "القسام"- ذراع "حماس" العسكرية، والتي أسفرت عن مقتل حارس أمن المستوطنة، تساؤلات إسرائيلية عن تداعيات ومعنى التبني، من جهة.. وتشكيكاً من المؤسسة الأمنية في تل أبيب إزاء وقوف "حماس"، فعليًا، وراء العملية، خاصة أن إسرائيل صنفت العملية، في سياقها الفردي، دون تبعية لبنية "حماس" العسكرية.
ولطالما، باركت "حماس" العمليات ضد الأهداف الإسرائيلية في الضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة، لكنّها لم تتبنّ أيًّا منها؛ لأسباب تكتيكية، حتى تلك التي زعمت إسرائيل أن "القسام" هو من وقف وراء هندستها.. لكن السؤال الإسرائيلي الأبرز: ماذا جدّ لتبني "القسام"؟، وهل هو إعلان حمساوي عن انطلاق استراتيجية عسكرية جديدة؟، ثم ماذا ستكسب الحركة من هذا التبني؟
بالخوض في الموقف الأمني الإسرائيلي، الذي لا يزال يتعاطى بتشكيك إزاء تبني "حماس"، فإن الدولة العبرية تعتقد أن المنفّذَين، اللذين اعتقلا السبت، وهما يحيى مرعي (19عاماً) ويوسف عاصي(20 عاماً)، غير مرتبطين بأي جماعة سياسية، بالرغم من أن لدى مرعي "بعض الصلات" بحركة حماس، لكنه ليس عضواً فعلياً بالحركة، حسب التقديرات الأمنية الإسرائيلية. وكان مرعي قد اعتقل في السجون الإسرائيلية سبعة أشهر، في وقت سابق، بتهمة حيازته سلاحاً بشكل "غير قانوني"، وكان مفروزاً على قسم أسرى "حماس" في سجن مجدو، في ذلك الحين. مع العلم، أن أي معتقل فلسطيني يتم تخييره "في أي قسم للأسرى يرغب بقضاء مدة محكوميته؛ لأن لكل فصيل فلسطيني قسماً في سجون الإحتلال".
ولعلّ هناك أسباباً أخرى تدفع الأمن الإسرائيلي إلى التشكيك بتبني "حماس" للعملية، وأبرزها أن منفذَي عملية أرئيل تربطهما صلة قرابة عائلية وصداقة حميمة، علاوة على أنّهما استخدما سلاحًا من نوع "كارلو" (محلي الصنع).. ثم أن طريقة انسحابهما والتواري في منطقة قريبة، وصولاً إلى اعتقالهما، تظهر أنهما لم ينسقا مع أحد، لإطالة مدة تعقبهما من قبل الأمن الإسرائيلي، على الأقل. علاوة على أنّ المعطيات المتوفرة لديه، لا توفر دليلًا على تصنيف العملية المذكورة في "سياق الفعل المُنظّم"، كما أنّ كتائب "شهداء الأقصى"، ذراع "فتح" العسكرية، هي التي سبقت "القسام"، في تبني الهجوم المُسلح.
في المقابل، قال رئيس الدائرة السياسية والعلاقات الخارجية في حركة "حماس" في غزة باسم نعيم إنّ "تبني القسام للعملية هو إيذان بمرحلة جديدة من المواجهة المسلحة المباشرة في الضفة"، من منطلق أن الضفة، بمنظور الحركة، هي المساحة الجغرافية الأهم في استراتيجية المقاومة الجديدة، لأكثر من سبب: الأول، حجم الإحتكاك المباشر مع الإحتلال، بفعل الواقع الجيوسياسي. وثانيا، التخطيط الإسرائيلي لضم جزء كبير من الضفة.. فيما يتمثل الدافع الثالث، بإعتبار أن "أصل الرواية الإسرائيلية لتسويغ احتلال فلسطين هو في الضفة، تحت عنوان أن المملكة اليهودية أقيمت تاريخياً في هذا المكان"، ما يعني أن الضفة هي بؤرة حرب الرواية.
وقال باسم نعيم ل"المدن"، إن أحد أهم أهداف "القسام"، في المرحلة القادمة، هو تفعيل المقاومة المسلحة في الضفة، معتبراً أن ما تمتلكه المقاومة من أوراق عسكرية "مهمة"، علاوة على تثبيت قواعد اشتباك جديدة، كنتيجة لحرب غزة في 2021، بإشعال ساحات متعددة، مثل الضفة والقدس وأراضي-48، وحتى لبنان وساحات إقليمية أبعد.. كلّها عوامل "رادعة" لأي حرب إسرائيلية جديدة على غزة، وفق نعيم.
فيما اعتبر الكاتب المقرب من "حماس" مصطفى الصواف أن إعلان "القسام" يعني أن مرحلة جديدة واستراتيجية مختلفة قد بدأت؛ ما يُنبئ بعمليات مسلحة "منظمة" ستشهدها الضفة الغربية في الأيام المثبلة، من منطلق أن الضفة هي "ساحة المواجهة الحقيقية".
وأوضح الصواف ل"المدن"، أن دافعاً آخر لإعلان "القسام"، ألا وهو تبني "شهداء الأقصى" للعملية، إذ أرادت "القسام" أن "تضع الأمور في نصابها، منعاً لأي تأويل بخصوص العملية، أو ادعاءات أمنية إسرائيلية بشأنها".
وعمّا إذا كانت "حماس" واثقة من عدم تسبب تبنيها للعملية المسلحة بحرب جديدة على غزة، قال الصواف إن "المقاومة لا تخشى حربًا على غزة، ويحيى السنوار أكد ذلك، في خطابه السبت الماضي". ورفض الربط بين استراتيجية "حماس" الجديدة، وبين أي تنسيق مع محور إيران، مشيرًا إلى أنها ردة فعل على تغول الإحتلال ضد الفلسطينيين ومقدساتهم، وهي الأسباب التي صعّدت من العمليات الفردية، وفق الصواف.
وادعى محللون عسكريون إسرائيليون أن "حماس" تستفز إسرائيل، وهذا ما يمكن تفسيره في خطاب السنوار ثم إعلان المسؤولية عن الهجوم، وكأن حماس تفهم أن تل أبيب لن تتحرك، عسكريًا، ضد غزة. واعتبر هؤلاء أن حماس تحاول أن تحصد الإنجازات على حساب حكومة إسرائيل.
وبغض النظر عن تأكيد أو استبعاد وقوف "حماس" وراء عملية الضفة الأخيرة، فإن إسرائيل تُقر بمحاولات الحركة، منذ شهرين، لإشعال النار في الضفة والقدس الشرقية، وثمة متغيرات قد طرأت في الآونة الأخيرة، وقد جسدتها كلمة خطابية وجهها قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، لأول مرة، إلى أهل غزة، ثم بعده بيومين، كلمة خطابية للسنوار، ليليه إعلان التبني القسامي لعملية "أرئيل".
وهنا، تحاول المؤسسة الأمنية الإسرائيلية الإجابة على أسئلة متعددة لفهم المستجد، من قبيل: هل تشعر حماس بقدرتها على استفزاز إسرائيل دون أي رد؟، وهل تدرك بأنها مدعومة من محور إيران؟، وأن ساحة غزة ستكون بموازاة ساحات عديدة في المواجهة القادمة؟ لكن، ماذا تكسب حماس من تبني عملية الضفة، للمرة الأولى منذ سنوات؟
الواضح أنّ الأروقة الأمنية الإسرائيلية تدرك أن القياديين في "حماس" صالح العاروري وزاهر جبارين قد تمكنا من حسم نقاش داخلي في الحركة، لمسألة الإنتماء للمحور الإيراني-الشيعي، مدعية أن "العاروري وجبارين قد حسما وجهة حماس نحو تعزيز علاقتها بإيران ومحورها على حساب الإتجاه العربي-السني".
وتقر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بأن "حماس" قد غيرت استراتيجيتها، بالفعل، بعد الحرب الأخيرة، حيث تقوم على "إشعال النار في بعض الساحات من خارج غزة، بما فيها لبنان، وأراضي-48 والضفة وشرق القدس".