2024- 04 - 27   |   بحث في الموقع  
logo "معضلة الأجسام الثلاثة": الفيزياء تفعل ما تشاء logo في نقاش الحدّ الأدنى للأجور:هل الراتب للمأكل والملبس فقط؟ logo مقتل أشهر مستخدمة "تيك توك" عراقية رمياً بالرصاص logo رواتب القطاع العام قبل العيد: وزارة المالية تجاوزت الأعطال logo الذكاء الاصطناعي...أرباح بمليارات الدولارات لـ"غوغل" و"مايكروسوفت" logo جمعية “سوشيل واي” تهنئ نقيب المهندسين شوقي فتفت وتفتح آفاقاً للتعاون.. logo فاجعة تهز زغرتا.. وفاة ابن ال ٢٥ عاماً في بلاد الاغتراب logo حزب الله يحضر عرسا وطنيا حاشدا نظمته عشائر ال سيف والعويد خلال تكريمهم عائلة الشهيد ابو علي الرنتيسي في بلدة عدوى الضنية.. 
الأكثرية الصامتة... أو حين ترتبك السياسة
2022-04-13 12:56:12

واحد على أربعة أشخاص في فرنسا، لم يصوّت في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية، الأحد الماضي، بل إنه شكل مع سواه أكثرية عددية، إسمها "الأكثرية الصامتة". هذه الأكثرية حيرت، بداية، المصوّتين، وقبلهم، الأحزاب المتنافسة، ثم أنها دفعت الإعلام ومحلليه وضيوفه إلى البحث عنها ودراستها لمحاولة الدراية بالأسباب التي جعلتها تتغيب عن الاقتراع. لكن هذه المحاولة لم تُفض إلى شيء يذكر، ومردّ ذلك أنها تتناول أكثرية يصعب تصويرها بأنها تشكل جسماً بعينه، كما أنها، وحين تتناولها هكذا، تقع على أشخاص لا مشترك بينهم من ناحية المنطلقات التي استندوا إليها لكي لا يدلوا بأصواتهم. بالتالي، نحن هنا أمام أكثرية لا يمكن تفسيرها بالوقوف على رأيها، لأن هذا الرأي هو آراء متباعدة ومتضاربة، وفي الكثير من الاحيان، هي آراء ليست مُعدّة سلفاً، او بالأحرى غير موجودة، بل تجري صياغتها عند المطالبة بها، يعني عند التساؤل عن أسباب التغيب الاقتراعي. فالأكثرية في هذه الجهة هي أكثرية الصمت، الذي، وحتى حين يكسره استفهام من هنا وهناك، لا يبدو أنه يتشتت، بل ينتج آراء متطايرة، سرعان ما تعود وتتركه خلفها.فالأكثرية الصامتة لا تنطق، ليس لأنه لا شيء عندها لتقوله، بل لأنها، وبصمتها هذا، أي بالصمت الذي يحدث من جانبها، تبرز أن الانتخابات والضجة حولها، بلا أي أهمية، أو بلا أي أثر، إذ إن حصولها يساوي انعدامه. من هنا، صمت الأكثرية هذه مزعج، بل مخيف، بحيث يعكس كل ما يحصل من حملات، وحوارات، وبرامج، وانقسامات، ومنافسات، واقتراعات، وانتظارات، وانتصارات، وخيبات أمل، كما لو أنه خالٍ من أي معنى. الصمت، بهذا، يكون بمثابة ردّ على معنى كل هذه الإجراءات السياسية، على كل المعنى السياسي، ليبيّنه من دونه، أي ليبيّنه أنه لا-معنى. فمعنى السياسة يتوقف عند هذا الصمت، الذي يسحبه إليه، ويذوبه فيه، ولا يرد عليه، إنما يتركه مرتبكاً، على ارتباك مما هو، ومما يريده، ومما يدعو إليه. وهذا الارتباك، مهما طال، لا يزول، بل يبقى، وفي كل مرة، يبرز من جديد، كما لو أنه قدر السياسة، اضطراب معناها، حتفها، الذي لا تتوقف عن المكابرة عليه من دون أن تنجح في تلافيه. هذه المكابرة تستقر، في بعض الأوقات، على طرح إشكالية محددة على الأكثرية الصامتة: أليسَ انعدام تصويتك هو تركك لغيرك أن يقرر مصير مَن يحكمه ويحكمكِ؟ لكن الأكثرية هذه لا تجيب، بل إن صمتها، وحين يطاول هذه الاشكالية، يقلبها رأساً على عقب. تصير هذه الإشكالية: من أين يأتي فرض الاقتراع هذا؟ لماذا على مَن لا يجد في المرشحين من يمثله أن ينتخب؟ لماذا هذا الحضّ على الاقتراع؟ لماذا فرض الإيمان بالانتخابات؟ أليس تمام الديموقراطية هو أن لا أدلي بأيّ رأي؟ صمت الأكثرية يغير الإشكالية المطروحة عليها إلى هذه الأسئلة، وفي طريقه إلى ذلك، يبدي الذين يرتبكون أمامه أنهم يعيشون تحت ضغط الاقتراع، تحت أمره، الذي لا يعرفون كيف يتفلتون منه. كما لو أن المأمورين بالاقتراع، وحين يصطدمون بالأكثرية الصامتة، يرتبكون، ولا يعرفون كيف ركنت إلى صمتها في حين أن كل شيء يفرض عليها أن تصوّت، بمعنى أن تنطق، وبمعنى أن تقترع. وبهذا، لا يتحملونها، بل يسعون إلى اقتلاعها من صمتها بالبحث عن أسباب عدم تصويتها، وبطرح الاشكالية إياها عليها. فاقتلاع الأكثرية من صمتها، في هذا المطاف، كناية عن ردّ فعل عليها من قبل المأمورين بالتصويت لأنهم غير قادرين أن يكونوا على نحوها. في النتيجة، باقتلاعهم ذاك، يستفهمون منها، لا عن مردّ تغيبها عن الاقتراع، إنما عن كيف يحذون حذوها: كيف نقدر أن نكونك أيتها الاكثرية الصامتة؟ لكن هذه الأكثرية لا تجيب، بل تصمت، وتترك معنى السياسة في ارتباكه حيالها.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top