2024- 04 - 27   |   بحث في الموقع  
logo "معضلة الأجسام الثلاثة": الفيزياء تفعل ما تشاء logo في نقاش الحدّ الأدنى للأجور:هل الراتب للمأكل والملبس فقط؟ logo مقتل أشهر مستخدمة "تيك توك" عراقية رمياً بالرصاص logo رواتب القطاع العام قبل العيد: وزارة المالية تجاوزت الأعطال logo الذكاء الاصطناعي...أرباح بمليارات الدولارات لـ"غوغل" و"مايكروسوفت" logo جمعية “سوشيل واي” تهنئ نقيب المهندسين شوقي فتفت وتفتح آفاقاً للتعاون.. logo فاجعة تهز زغرتا.. وفاة ابن ال ٢٥ عاماً في بلاد الاغتراب logo حزب الله يحضر عرسا وطنيا حاشدا نظمته عشائر ال سيف والعويد خلال تكريمهم عائلة الشهيد ابو علي الرنتيسي في بلدة عدوى الضنية.. 
أيمن هدهود: الاختفاء في دولة الأشباح
2022-04-13 07:56:03


الناس يختفون في مصر. وليس الخبير الاقتصادي أيمن هدهود، أول المختفين، وللأسف لا يبدو أنه سيكون آخِرهم. يستطيع النظام معقابة معارضيه من دون جهد، حبسهم وتجميد حساباتهم ومنعهم من السفر، يمكنه فعل ذلك بمواد القوانين التي تجرّم كله شيء وبصياغة نصوصها الفضفاضة، وبتواطؤ المؤسسات القضائية والنيابات، عبر الأبواب الدوارة للقضايا، وخلال مُدد الحبس الاحتياطي الممتدة بلا سقف. إلا أن الاختفاء القسري تقنية للحكم، تجاوز لا يلزمه الاضطرار، بل كونه خياراً مرتباً، منظومة واعية لإنتاج الرعب وما هو أفدح منه.في الثلث الأخير من القرن العشرين، اكتشف العالم الاختفاء القسري. عبر التاريخ، كانت الممارسة حاضرة بالطبع، لكن الأنظمة العسكرية في دول أميركا اللاتينية كانت أول من طوّعها كمنهجية شاملة وروتينية للحكم، نظام عابر للحدود في قارة كاملة. الرواية الرسمية أن الضباط الأرجنتينيين والتشيليين تدربوا على أيدي جنرالات الجيش الاستعماري في الجزائر. كانت الوصفة الفرنسية سهلة، على الجيش أن يغيّر عقيدته، وبدلاً من حماية الحدود، على رجاله أن يستديروا إلى الداخل، والهدف تحطيم المجتمع، تخريب كل رابطة ممكنة بين أفراده وكل شبكة للشعور بالأمان. وبكلمات موجزة كان الغرض هو تدمير المجتمع بالكامل، وكان الاختفاء السلاح المناسب لتلك المهمة.بشكل شبه مقنن، أضحى إلاخفاء إجراءً يومياً في منظومة عمل الأمن المصرية. أنواع من الاختفاء ودرجات منه. اختفاءات كاملة يتغيب أصحابها بلا رجعة، في العام 2018، اختفى مصطفى النجار ولم يظهر من حينها. وهناك اختفاءات تنتهي بموت مشهر، تظهر جثة أيمن هدهود بعد أسابيع من الاختفاء وعليها آثار تعذيب. هناك اختفاءات مؤقتة، تلك التي كادت أن تكتسب صفة العادية، كونها مقدمة متوقعة قبل أي أجراء له صفة القانونية، يختفي المقبوض عليه بشكل روتيني، قبل ظهوره في إحدى النيابات أو المحاكم بعدها بأيام أو شهور، وتلك الاختفاءات المؤقتة تحمل في طياتها تهديداً دائماً بالنوعين الآخرين من الاختفاء.الاختفاء غير السجن، وأيضاً لا يساوي الموت. للبشر أجساد، وتلك نعمتهم وشقاؤهم في آن. داخل السجن، تقيّد السلطة حرية الجسد، وفي الموت تفارقه الحياة، أما في الاختفاء فيُفرض على الجسد وضع ملتبس، بمعنى عجزنا عن الإلمام به، التعاطي معه أو استيعابه. يدخل المختفي حالة أنطولوجية جذرية، فالمرء لا هو حاضر ولا هو غائب، في مكان معلق بين الحياة والموت، في لامكان بمعنى آخر، حيث يتوقف الزمن أو يمتد إلى حد يغدو معه بلا تبعات، وبلا قدرة لتدفقه أن يكون معياراً لقياس أي شيء.لا يمكن لطقوس العزاء الجماعي، تلك الموروثة عبر قرون أن تعيننا في مواجهة الاختفاء القسري. يفتح الاختفاء مساحة لحزن دائم غير قابل للاندمال. فليس في وسع أحد أن يضع المختفين في علبة للذاكرة، بينما يظل الأمل في عودتهم عقوبة تدور في الفُلك نفسه مع اليأس. يظلون موتى في عيوننا، ويبقون أحياء أيضاً. عمداً، يُحرم الأهالي من اليقين بشأن المختفي، بمكان احتجازه إن كان حياً، وظروف وتوقيت وفاته إن كان ميتاً. وهذا التعمد لا يدفعه خوف من الحساب، فمن يُحاسب السلطة المطلقة؟ بل يكمن الغرض في تجذير حالة من استحالة الحقيقة. فالاختفاء في محصلته النهائية هو زعزعة لمفهوم المعرفة، وتحديداً في فعالياتها كأساس لعلاقات المجتمع.الإقرار الرسمي بموت هدهود، مع ظهور جثته، وضع نهاية لحالة اختفائه. ومع هذا، ستبقى ظروف وفاته، وما مر به خلال أسابيع اختفائه محفوظة في مكان مظلم، ولا يمكن الوصول إليها. ولا تقف السلطة في مصر عند الروايات الملفقة والمتضاربة حول موته وحالته العقلية، بل تطارد شقيقه أيضاً لتنديده بتلك الأكاذيب.كل حالة إخفاء تعني استثناء من القانون. يُلقى بالمرء في مكان لا تحكمه أي قاعدة، سوى العنف العاري والمجرد، عالم من الأشباح تلعب فيه السلطة دور الساحر أمام الجمهور الواسع، وسحرها الأسود لا يكتفي بقتل هدهود، ولا إخفاء النجار وغيره في جحيمها المصطنع، بل تستنزل السلطة ذلك العالم الشبحي بيننا، ليكون حضوراً موازياً وبشكل دائم، حتى يبتلع المجتمع بأسره داخل ظلمته ورعبه.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top