مفرح الشمري
«انتظار فرج».. مسرحية تحاكي الواقع اللبناني بمشاكله وهمومه المعيشية، إن في بلاد الاغتراب أو داخل الوطن. وبأسلوب كوميدي لا يخلو من الكوميديا السوداء، أعادت نسج الحكاية الإنسانية بإسقاطات على المشهد السياسي والاجتماعي في لبنان، فكان أن أعادت للحكاية أهميتها في العمل المسرحي وفي سرد الوقائع والأحداث واختزال المعاناة والتعبير عن هواجس الشعوب وتطلعاتها.
المسرحية التي كتبتها وأخرجتها فارعة السقاف، رئيسة مجلس إدارة أكاديمية لوياك للفنون (لابا)، كانت مسك ختام فعاليات «لابا» للاحتفاء بيوم المسرح العالمي في نهاية شهر مارس، وعكست كذلك جهود الأكاديمية في إطار تعزيز القيم الأساسية التي تؤمن بها والمرتكزة على الشمولية والمشاركة والوحدة العربية والإنسانية.
تمسك بالأمل
ومن خلال عرضين متتاليين على خشبة مسرح الأكاديمية في المدرسة القبلية، أبدعت الطاقات الشبابية في ملامسة الواقع اللبناني، وإن كان شعارها الانتظار، إلا أنها أكدت تمسكها بالأمل والرجاء. ورغم أن «الفرج المرتقب» في الحكاية لم يتحقق، إلا أن المسرحية أضاءت جوانب كانت مظلمة، وجدت فيها البطلة «انتظار» بلسمة لقلبها المتعب لعقود.. كما شكل هذا العمل مناسبة لاكتشاف المواهب الشابة في الكويت وتنميتها وتمكينها في المجال المسرحي.
المسرحية التي قدمت باللهجة اللبنانية حملت في عمقها هموم الشعب اللبناني وأحلامه بعد انفجار مرفأ بيروت، وقد شاركت فيها مواهب لبنانية شابة بدعم من أصحاب الخبرة والكفاءة في الكويت، حيث تولى الفنان يوسف البغلي تدريب الممثلات، فكان أن أبدعت حوراء ابراهيم، التي لعبت دور البطولة، في تأدية دور «انتظار»، كذلك سالي سابا التي شاركتها في البطولة كتجربة أولى لها، بحيث لعبت دور الشقيقة «ازدهار»، أما الممثلة المصرية سارة رشاد، فقد أبدعت في دورها الثانوي، حيث جسدت دور «سعاد»، صديقة انتظار، وكانت الشخصية الرابعة «نسرين» من نصيب تيريز الحامض، التي خاضت تجربتها الأولى في التمثيل، فلعبت أيضا دور صديقة انتظار.
العمل الفني الذي شاركت فيه الطالبة في المعهد العالي للفنون المسرحية هيا السعيد، كمساعدة مخرج، حرص د.خليفة الهاجري من خلال السينوغرافيا، على تنسيق الفضاء المسرحي بما يحاكي النص التمثيلي، وكان ساهم في تصميم رقصة «جيروساليما»، ستان، مدرب الرقص في «لابا»، وفي هندسة الإضاءة محمد أحمد خلاد، أما الصوت فعبدالرحمن التويتان، وفي الإدارة والكواليس كل من ابتسامة عرفة ونسرين ناصر.
عمل واقعي بإسقاطات سياسية
وقد اكتظ مسرح «لابا» على مدى يومين متتاليين بأبناء الجالية اللبنانية ومحبي الفنون المسرحية، لحضور «انتظار فرج»، المسرحية الاجتماعية التي تحمل في مضمونها إسقاطات على المشهد السياسي في لبنان. فهذا العمل الواقعي الأقرب إلى الكوميدي، لمس بعمق مشاعر الحضور، بين الضحك، والحزن على الواقع الواقع اللبناني، والحنين للوطن، ثم نهض الحضور من مقاعدهم عندما اختتمت المسرحية بتوزيع الأعلام اللبنانية وبدبكة من التراث والفلكلور اللبناني من تصميم سليم زهر، على وقع أغنية «راجع يتعمر راجع لبنان» للفنان القدير زكي ناصيف، فأحيا شعور الهوية والانتماء لديهم رغم اغترابهم وبعدهم عن الوطن، وجدد فيهم الأمل والرجاء بأن «يرجع يتعمر لبنان».
أحلام انتظار ومغامرات ازدهار
أما أحداث المسرحية فتدور حول شقيقتين في منتصف العمر تلتقيان بعد انقطاع التواصل بينهما لثلاثة عقود، هي قصة انتظار وازدهار، فانتظار (الأخت الكبرى) التي تمسكت بالبقاء في لبنان وحرصت على إعالة والديها ورعايتهما بعد مرضهما، بدأت للتو باستعادة علاقة قديمة مع قريبها وحبيب عمرها فرج (خطيب أختها السابق)، تفاجأ بزيارة أختها ازدهار (الأخت الصغرى التي تركت فرج وأهلها وعاشت خارج لبنان)، وذلك بالتزامن مع استعداد فرج للعودة من الاغتراب، بعدما انتابه الحنين والشوق لوطنه. مواجهات الشقيقتين في أكثر من مشهد تمثيلي، كشفت أحلام ومعاناة كل منهما، وموقفهما من الضيف المرتقب الذي يتعذر قدومه بعد إغلاق المطارات جراء جائحة كورونا، فالمسرحية التي تختتم باستئناف انتظار لعلاقتها مع شقيقتها ازدهار، من دون أن يأتي «فرج»، تختصر ما يعانيه اللبنانيون باستمرار من انتظار لفرج قادم من الخارج.
حكاية إنسانية
وفي سياق تعليقها على المسرحية اللبنانية، كتبت الناقدة الفنية ليلى أحمد عبر صفحتها على فيسبوك قائلة «إنه عرض كوميدي لاذع في صدقيته. هو الوجه الظاهر البسيط الناعم وبنفس الوقت الحاد اللامس للقلوب، هي الحكاية الإنسانية من دون تلميع وتزويق من إعلام زائف. متعة العرض في النص المتنامي باتجاهات عميقة، ربما تبدأ بالظروف الاقتصادية الصعبة التي تحرم الفتيات من الزواج، والغلاء الفاحش.. وفي الأفق العام قضية سياسية «فرج» الغريب البعيد الخارجي، التحقق غير المتحقق، الذي يعتقد البعض أنه سيكون حلال مشاكل لبنان».
وإذ أشادت بالنص المسرحي الذي كتبته السقاف، معتبرة أنه «ظفيرة إنسانية، أو نساجة تحيك قطعة ثوب تقي الروح من برد شتاء صقيعي»، تابعت «رسم السقاف للشخصيات الدرامية جاء وفقا لمعطياتهن في فن الأداء التمثيلي، وسيطرت في توظيف كل قطعة ديكور كشريك في العرض، أما السينوغرافيا الجميلة والإضاءة والأغنيات اللايف، فقد ساهمت في التعايش بشكل كبير وبشكل حسي مع العرض».
وأبدت أحمد إعجابها بتدريب الفنان يوسف البغلي للممثلات «اللاتي هن فتيات عاديات، يشبهوننا ويشبهون الدنيا، حيث كانت الحركة تموج بالحياة على خشبة المسرح»، وأضافت «أدهشتني حوراء إبراهيم بحضورها المسرحي، ممثلة متوهجة، آسرة الحضور.. من لغة وحركة، منتهى النشاط، صوت متلون إلى انفعالات معبرة عن اللحظات الدرامية، دون أن تخل بحيويتها».