2024- 05 - 06   |   بحث في الموقع  
logo المجلس الأرثوذكسي هنأ بعيد الفصح logo اسرائيل تضغط بعملية إخلاء رفح..لتعديل شروط صفقة التبادل؟ logo الخليل يعترف بعد "خراب البصرة": "أفرطنا" في الهندسات! logo "بعرقلة مفاوضات الهدنة"... نتنياهو متّهم ومكتبه يرد! logo بديلٌ لزيلينسكي... جهودٌ أميركية لإيجاد "كاسب عقول وقلوب الأوكرانيين"! logo "أكبر جريمة إبادة جماعية"... تحذيرٌ فلسطيني! logo بعد أوامر الإخلاء... غاراتٌ اسرائيلية على حي "السلام"! logo بربر قُتل في شارع أمانوس... إليكم خفايا الجريمة "المروّعة"!
سقوط النموذج الروسيّ على أبواب كييف
2022-04-03 06:56:15


من اللافت، ومن الغرائبيّ في آن، أنّ الذين ينتقدون فلاديمير بوتين بسبب غزوه لأوكرانيا، والذين يتعاطفون معه، كلاهما متّفق على أنّ الرهان الأخير للحرب الروسيّة-الأوكرانيّة ليس مجرّد أمن روسيا القوميّ الذي ستهدّده طحشة الناتو عليها، إذا انضمّت إليه أوكرانيا، بل هو الصراع ما بين خيار حضاريّ «غربيّ» وآخر «شرقيّ». ولم يعد خافياً على أحد أنّ سيّد الكرملين، بالإضافة إلى حنينه إلى الاتّحاد السوفياتيّ، وهو ما جاهر به علانيةً معتبراً أنّ سقوطه هو أعظم كارثة شهدها القرن العشرين، يغازل أيضاً نموذجاً ثقافيّاً يستمدّ بعض عناصره من فكرة الحضارة الأوراسيّة التي قال بها المفكّرون الروس «المحبّو السلافيّة» (Slovophiles) إبّان القرن التاسع عشر. يضاف إلى ذلك استلهام للإمبرياليّة الروسيّة القيصريّة التي كانت تسعى إلى مقارعة الإمبرياليّات الأوروبيّة الأخرى، وتتوسّل الوصول إلى الأبيض المتوسط، أي ما عُرف بحلم المياه الدافئة. أمّا الحلف الذي نسجه بوتين مع المُؤَسّسة الكنسيّة الروسيّة، فهدفه تدعيم مداميك هذا النموذج عبر خطاب كنسيّ يتلبّس أحياناً لبوس الإيديولوجيا. من المفيد، هنا، التوقّف قليلاً عند محمولات الفكرة الأوراسيّة وقراءة دلالاتها. جنح القائلون بهذه الفكرة إلى الاعتبار أنّ روسيا، من حيث إنّها تنبسط على قارّتين، أي أوروبّا وآسيا، تمثّل نموذجاً حضاريّاً يختلف عن النموذج الغربيّ. وعندهم أنّه يغلّب الروح الجمعيّة على فردانيّة الغرب. ويضيف بعضهم إليه «قيم» الكنيسة الأرثوذكسيّة التي تختلف عن قيم الكنيسة الكاثوليكيّة والكنائس الإنجيليّة بوصفها تشكّل منزلةً بين منزلتين، إذا جاز التعبير، أي موقعاً وسطاً بين «سلطويّة» الكثلكة، المتمثّلة في المؤسّسة البابويّة، و«تشرذم» الكنائس البروتستنتيّة. وقد رأى محبّو السلافيّة أنّ الشعب الروسيّ، في سلوكه اليوميّ، يعبّر عن هذه القيم المخالفة لقيم «الغرب»، علماً بأنّ بوتين اليوم، ومن ورائه القيادة الكنسيّة الروسيّة، يضيف إليها عناصر قيميّة جديدة كالمحافظة على العائلة وحماية مؤسسّة الزواج من «هجمة» المثليّين.من النافل القول إنّ مشكلة هذا النموذج الأساسيّة تكمن في أنّه يستعيد الماضي ويعيد إنتاجه بطريقة جديدة، ولا يقيم وزناً للانزياحات المجتمعيّة والتبدّلات الثقافيّة التي يمكن أن يرصدها أيّ إنسان يزور روسيا اليوم، ويراقب أوضاع الناس هناك، إذا ما تمتّع بشيء من رجاحة العقل النقديّ. فمواجهة تحدّيات الراهن، وهذه اليوم في روسيا اسمها الفقر والفساد وغياب التنمية والدكتاتوريّة المقنّعة، لا تكون عبر استنساخ الماضي ورشّ بعض بهارات الحاضر عليه، بل عبر اجتراح نموذج حضاريّ واقتصاديّ جديد يعيد روسيا إلى صدارة الأمم التي تصنع الحضارة. وهنا مربط الفرس. إنّ سلوك فلاديمير بوتين اليوم يذكّر بما كتبه الشاعر الفرنسيّ لافونتين عن الضفدع الذي يريد أن يبدو عظيماً كالثور، مع الفرق أنّ الرئيس الروسيّ يخيّل له أنّه يستطيع أن يفرض هذه العظمة بقوّة السلاح. لا أحد ينكر أنّ روسيا أمّة عظيمة بثقافتها وإرثها الفكريّ والروحيّ. لكن ينبغي التذكير بأمرين: الأوّل هو أنّ تعملق روسيا الحضاريّ والثقافيّ أتى من تفاعل خصب وخلاّق مع الغرب، ولا سيّما مع ألمانيا وفلسفتها وموسيقاها وتجربتها الصناعيّة الرائدة. روسيا منذ القرن السابع عشر عيناها إلى الغرب، ومعظم مواطنيها يعيشون اليوم في الجزء الغربيّ من الروسيا، ويشعرون بأنّ مداهم الدينيّ والحضاريّ هو الغرب عبر أوكرانيا، لا الشرق عبر الحدود المترامية مع الصين. الأمر الثاني هو أنّ عظمة الدول لا تقاس بما تملكه من سلاح، حتّى ولو كان نوويّاً، بل بحضورها الاقتصاديّ وقدرتها على التنمية وإنتاج المعرفة. بهذا المعنى، العالم لم يكن يوماً أحاديّ القطب حتّى بعد سقوط الاتّحاد السوفياتيّ، إذ من يستطيع إنكار الحضور الاقتصاديّ اللافت للصين واليابان والهند وأوروبّا الموحّدة وبريطانيا وكندا وأوستراليا وكوريا الجنوبيّة؟ على هذا الصعيد، روسيا هي أشبه بالضفدع الذي يريد بقوّة السلاح أن يعترف به الجميع ثوراً على الرغم من اقتصاده القزم، وذلك بناتج محلّيّ يقارب ذاك الإسبانيّ، أي ما هو دون اقتصادات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا منفردةً، مع أنّ روسيا هي أكبر دولة في العالم، وتصنع السلاح لها ولسواها، وتصدّر الغاز والنفط إلى أوروبّا. لكنّ المرجّح أن يتغيّر هذا في المستقبل لا بسبب الحرب الأوكرانيّة فحسب، بل لأنّ أوروبا الموحّدة تراهن أيضاً على احتمالات الطاقة المتجدّدة بفعل التبدّلات المناخيّة. وثمّة خبراء يقولون إنّ الصين ستضطرّ، في نهاية المطاف، إلى مجاراتها طمعاً في المحافظة على قدراتها التنافسيّة في الصناعة والإنتاج التكنولوجيّ. يعتب فلاديمير بوتين على الدول التي خرجت من عروة الاتّحاد السوفياتيّ، وهي اليوم تمجّ فكرة «العالم الروسيّ»، وتغرّد في أسراب أخرى. من الواضح أنّ سيّد الكرملين لم يسأل نفسه يوماً ما هو النموذج الذي قدّمته روسيا لهذه الدول، على الأقلّ منذ اعتلائه هو العرش الروسيّ الجديد، حتّى لا تنخرط في مسارات جديدة وتذهب في اتّجاه «الغرب» المزدهر؟ تداول السلطة على أساس ديمقراطيّ؟ الحرّيّات الفرديّة؟ المساواة؟ الازدهار الاقتصاديّ؟ التنمية؟ محاربة الفقر؟ اجتثاث الفساد؟ أم مؤسّسة الغولاغ المتوحّشة التي لم تلغَ حتّى اليوم؟ لا تستطيع أن تقدّم لجيرانك نموذجاً سياسيّاً واقتصاديّاً فاشلاً، ثمّ تقول لهم: أنا إمبراطوريّة عظيمة ويجب أن تعترفوا بي. غداً تنتهي الحرب الروسيّة في أوكرانيا. لكنّ السؤال الأهمّ يبقى معلّقاً حتّى ولو ربحتها روسيا. لقد فضحت هذه الحرب ضحالة النموذج الروسيّ وسقوطه على أبواب كييف. فهل يتشبّث الشعب الروسيّ بهذا النموذج رغم عقره وافتضاح أمره؟ هل يرتمي في أحضان الصين، عدوّته القديمة، وهو المختلف عنها حضاريّاً وثقافيّاً ودينيّاً؟ أم يجترح نموذجاً جديداً ينسجم مع تجربته التاريخيّة المرّة والتماعات إرثه الثقافيّ، نموذجاً يحمله إلى مصافّ الأمم التي تسنّ قوانيناً تحترم الإنسان وتقدّس الحرّيّة؟


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top