2024- 05 - 06   |   بحث في الموقع  
logo ‏جريمة تهزّ سد البوشرية.. رصاصة تقتل شاباً وسط الطريق! ‏ logo جعجع: موقفنا من “الوجود السوري غير الشرعي” ثابت logo عبد المسيح: أنشدوا لحن الوفاء يوم ذكرى الشهداء logo كتائب المجاهدين تزف الشهيد المجاهد بدر عبد الناصر logo بالفيديو: الجنوبيون يشاهدون طائرة حربية اسرائيلية على علو منخفض جداً! logo "خسائر لا تعوّض"... ومخاوف حقيقيّة من المرحلة المقبلة! logo أساليب وحشية ومذلة... اسرائيل لا ترحم المجندات! logo المرتضى: متضامنون مع الدكتور غسان أبو ستة
عندما باح أديب الجنس بأسراره... خليل حنا تادرس
2022-04-02 13:26:37

بعد أربع سنوات من إطلاق الأميركي، هيو هفنر(*)، مجلته "البلاي بوي" من شيكاغو العام 1953، نشر الكاتب خليل حنا تادرس، الذي رحل مؤخرا عن 83 عاماً ـ أول كتبه الجنسية "الإيروتيكية" المتحررة الجريئة (أدب إباحي) في القاهرة بعنوان: "شهوة الجسد". وعلى مدى مسيرته الإبداعية الممتدة منذ أكثر من نصف قرن، ونحو 300 كتاب مطبوع، بين مؤلف ومترجم، تحول هذا الكاتب المصري الذي تتجنبه في الأغلب الثقافة الرسمية ووسائل إعلامها إلى "علامة تجارية/تريد مارك" على لون من الكتب الجنسية الجريئة واسعة الانتشار وبخاصة بين المراهقين، في مجتمعات تبدو من بعيد شديدة المحافظة. وهي مجتمعات تموج منذ عقد السبعينيات بأصحاب اللحى الطويلة والمنقّبات، وبأصناف شتي من المتزمتين الدينيين بين المسلمين، بما في ذلك "الجهاديين" و"السلفيين" وغيرهم.لكن الصورة لم تكن تماماً على هذا النحو. كما أنها ليست كل ملامح المشهد المصري منذ ولادة خليل في العام 1939 في مدينة بني سويف، جنوبي القاهرة (شمالي الصعيد)، وحيث توافرت للفتى المراهق، فالشاب اليافع لاحقاً مع عقد الخمسينيات، ثلاث من دور السينما، شاهد فيها ماريلين مونرو وإستر وليامز وأخريات من نجمات الجمال والإغراء الأنثوي في السينما العالمية. كما صودف أن عثر على أعداد من مجلة "البلاي بوي" لدى بائع كتب قديمة قرب منزل أسرته في مدينته الصغيرة تلك. ووفق ما قاله لنا، في حوار مطول (**أجريناه معه في العام 2014 ولم ينشر من قبل) واصطحبنا خلاله إلى أماكنه الأثيرة في وسط القاهرة، فإن ما اجتذبه إلى "البلاي بوي" هو جمال الفوتوغرافيا، إذ لم يكن قد أجاد الإنكليزية بعد. وأضاف: "عدد من أساتذتي أيضاً (في مدرسة الأقباط الثانوية) كانوا يستعيرون مني أعداد المجلة".انفصال بين الجنس والحب
في مصر الخمسينيات، التي كانت تعيش على وقع تحولات اجتماعية ثقافية حداثية منذ القرن التاسع عشر، توّجتها تغييرات سياسية مع إطاحة المَلَكية في يوليو1952، كان الفتى الصعيدي القبطي المسيحي الأرثوذكسي، خليل حنا تادرس، لا يشعر بأي تمييز على أساس الدين في مجتمع غالبيته من المسلمين. حتى مدرسته القبطية، التي يختلط فيها بتسامح، المسلمون والمسيحيون، لم تكن تفرض أي نوع من التعليم الديني المتشدد، كما يتذكر. قال: "كانت المدرسة للذكور فقط. لكنها لم تكن متزمّتة مطلقاً. بل كنت أشعر بسقف عال من الحريات".وبالأصل فإن خليل هو ابن موظف حكومي صغير، فيما كانت أمه ربة منزل ولا تعمل. وهو الذَّكَر الوحيد، تتقدمه بنات ثلاث. لكنه يتذكر جيداً، جدّه لوالده، معلم اللغة القبطية بالكنيسة. ولقد تعلم قراءة العربية على يديه، إذ كان الجد الضرير في سنواته المتقدمة، يستعين به على قراءة الصحف والمجلات. ولا يتذكر خليل أبداً أنه تحدّث مرة مع والده أو أي من أفراد أسرته في الجنس. قال: "كان هناك حاجز يمنع الحديث في هذه الموضوعات أو طرح أسئلة عنها".لكن تجارب الجنس الأولى محفورة في ذهن خليل العجوز. روى لنا قائلاً: "أول مرة مارست الجنس، لكن من الخارج، كانت مع ابنة الجيران. كان عمري حوالى 15 سنة، وهي أصغر مني بأربع سنوات. لكنها كانت تتحين مناغشتي. تقبّلني وتلامسني. وصدرها كان قد بدأ يكبر، وكان يثيرني حقاً". وأضاف: "وبعدها بأشهر قليلة بدأت أتعرف أكثر على الجنس مع نساء أكبر مني سناً، وتحديداً مع امرأة مطلّقة تكبرني بسبع سنوات وتسكن في منزلنا ومقيمة بمفردها. كانت تعلّمني الإنكليزية. وهذه المرأة هي التي علمتني الجنس بحق. لكن الدرس الأكبر أخذته بين ساقي مومس، حين اصطحبني زميلي في المدرسة الثانوية إلى بيت بغايا". وأكد: "كمعظم الشرقيين كان عندي انفصال بين الجنس وعاطفة الحب". ومع ذلك فقد أخبرنا خليل بأن الكلمات والعبارات الوصفية للجنس، لفتت نظر خليل الصبي في نصوص دينية كان يرددها بين يدي جدّه أو في الكنيسة، بما في ذلك "سفر نشيد الأناشيد"، أو يقرأها تحت سقف منزل أبيه في روايات كبار الأدباء العرب مثل نجيب محفوظ.لم أكن شيوعياً
خروج أشهر كتّاب النصوص الجنسية الجريئة، باللغة العربية المعاصرة، من مسقط رأسه ومهد صباه بني سويف، إلى العاصمة القاهرة، جاء في العام 1959، أي بعد عامين على نشر كتابه الأول. وقال ببساطة أنه فر خوفاً من حملة اعتقالات الرئيس جمال عبد الناصر ضد الشيوعيين التي وصلت إلى بني سويف: "لم أكن أبداً شيوعياً في أي وقت كان. ونظرتي للشيوعية هي خليط من الخوف والنفور. لكن كان لدي أصدقاء من الشيوعيين هناك، وخشيت على نفسي من بطش النظام وقسوته. فقررت الابتعاد إلى المدينة الكبيرة". وبالأصل، فان خليل المتحدر من أسرة متحمسة لحزب "الوفد" الليبرالي في عهد المَلَكية، حريص على الابتعاد عن السياسة. ويبدو أن موجات القمع المتوالية لمعارضي حكم العسكريين في أعقاب 1952، كانت كفيلة بأن يعمل الرجل على تجنب الانخراط في أي نشاط سياسي.وعندما اصطحبنا إلى شارع في حي شبرا، شمالي القاهرة، في رحلة ذكريات إلى أول سكن له بالمدينة الكبيرة، لاحظنا رغبته الشديد في التواصل وتجديد الصلات، حتى مع رجل خمسيني مُسلم ملتحٍٍ صادفه في مدخل الشارع. فقد أخذ يسأل عن أسماء عائلات، معظمها غادر الحي منذ عقود. وكان قد قال لنا بأن صاحبة المنزل رفضت في البداية أن تؤجره الشقة، لأنه أعزب. لكنها اقتنعت بعدما أبلغها بأنه سيحضر والدته للإقامة معه. ومن هذا المنزل، في "3 عمر الساعي"، الشارع الضيق في حي شعبي، شق خليل حنا تادرس طريقه إلى الشهرة في العالم العربي كله. قال إن بعض كتبه في عقدي الستينيات والسبعينيات وصل توزيعها الى 200 ألف نسخة، وأن العديد منها جرت طباعته عشرين مرة، خصوصاً في بيروت إلى جانب القاهرة نفسها. وحدد لنا كتابين، كانا الأكثر توزيعاً في حياته: "نشوة الحب" العام 1965، و"إيفا" العام 1967. كما أشار إلى أنه ترجم بتصرف إلى العربية 15 رواية ومجموعة قصصية للكاتب الإيطالي ألبرتو مورافيا.مشكلة مع الرقابة
لكن الرجل ـ تماماً كنجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للأدب ـ ظل متعلقاً بالعمل الوظيفي كضمان لرب أسرة تزوج في العام 1973. ولقد روى لنا قصة زواجه، وكيف اعترض أهل الزوجة في البداية بسبب نوعية كتاباته المتحررة، كما يصفها البعض، أو الإباحية عند آخرين. لكنه أردف قائلاً: "تمسكت المرأة بي. وحقيقة ليس لدي شخصياً ما أخجل به". ومع قدومه إلى القاهرة، وتحديداً في العام 1960، عمل في مكتب الخدمات الاجتماعية بالبطريركية القبطية، ثم لاحقاً بوزراة التأمين والمعاشات. سألناه عن علاقته بزملائه الموظفين في هكذا بيئة محافظة، فأجاب بتلقائية: "لقد احترموني واحترمتهم. نعم احترموني منتهى الاحترام. بل إن بعضهم كان يستشيرني في مشكلاته الجنسية".ولأن الرقابة الرسمية المسبقة على الكتب ظلت مفروضة في مصر حتى منتصف السبعينيات، فقد كان على خليل أن يصبح من أبرز المترددين على مقراتها لأخذ موافقات النشر. وهنا قال: "لم أتعرض لأي مصادرة من جهاز الرقابة أبداً. وأظن أن الرقابة كانت في صفي. ومن جانبي كنت استجيب لما يطلبون شطبه. لم تكن عندي مشكلة في هذا. إحذف، فأحذف. ولم يكن هذا الأمر يضايقني مطلقاً، طالما إنه لن يؤثر في النص الأدبي، وطالما بقيت الفكرة". وأضاف: " أنا إنسان ملتزم، منتهى الالتزام. وهم كانوا يستقبلونني بمنتهى الاحترام". هددوني بالقتل
إلا أن مثل هذا الكاتب الإباحي أو المتحرر الملتزم، على هذا النحو، واجه محنته الكبرى في منتصف الثمانينيات، على خلفية صعود الأصولية الإسلامية. هي نحو ست سنوات أطلق عليها عبارة "أحلك سنوات عمري، وذلك حين أصدرَت محكمة ابتدائية، في العام 1984، حكماً قضائياً بمصادرة ومنع تدوال كافة أعماله في مصر. وهذا قبل أن يتم إلغاء الحكم بقرار من محكمة النقض في العام 1990. وقال: "الكتب بالأصل حاصلة على موافقات من الرقابة أو تقوم بتوزيعها دور صحافية حكومية. لكن يبدو أن تجاراً يعملون في نشر وتوزيع الكتب الدينية الإسلامية أوغر صدورهم نجاحي، وانتشار أعمالي، فسلكوا هذا الطريق. كما إنني لا استبعد نوعاً من الضغوط السياسية المُحافظة في ذلك الوقت". وأضاف: "كانت الأعمال ممنوعة في مصر طوال هذه السنوات الست، لكنها ظلت توزع في بيروت ومختلف أنحاء العالم العربي". كما أشار خليل أيضاً، عندما التقيناه وحاورناه في العام 2014، إلى أن بعض أعماله تجد طريقها إلى المملكة السعودية، وتُقبل عليها النساء هناك على نحو خاص.وفي الأصل فإن لهذا الكاتب المصري تصوراً ما عن قرّائه، مفاده أن "غالبيتهم الساحقة وبنسبة 90 في المئة من النساء والمراهقين"، كما أبلغنا. لكن لا أحد، ولا حتى خليل نفسه، بإمكانه تصور كيف قامت تطورات ثورة التكنولوجيا المتلاحقة بالتأثير في شعبيته ورواج أعماله، خصوصاً بين الأجيال الجديدة، من شرائط أفلام البورنو بأجهزة الفيديو المنتشرة في المنازل مع عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وصولاً إلى مختلف الوسائط الحاملة للجنس وانفجارها في شبكة الإنترنت منذ التسعينيات.وسألناه ما إذا كان قد تلقى تهديدات بالاعتداء بَدَنياً، علما أن نجيب محفوظ كان قد تعرض إلى محاولة اغتيال بطعنة سكين في رقبته العام 1995، فأجاب: "في عقد الثمانينيات أيضاً وصلتني في صندوق بريدي تهديدات بالقتل والإيذاء. ولم أبلغ الشرطة". ولما أعربنا عن دهشتنا لكل هذا الاطمئنان، قال: "أنا راجل ماشي سليم مهما أشاعوا عني. أخاف ليه؟".الإجهاض حرام وللضرورة أحكام
واللافت أنك عندما تسأل هذا الرجل، الذي يمكن وصفه بكاتب الأدب الجنسي الجرئ الأشهر في اللغة العربية خلال العصر الحديث، أسئلة مباشرة عن مواقفه في قضايا كالطلاق والإجهاض، فإنك تتلقي إجابات محافظة تماماً. فبالنسبة للطلاق يردد العبارة الدينية: "ما يجمعه الرب لا يفرقه إنسان". أما بشأن الإجهاض، فقد أجاب في البداية بكلمة واحدة: "حرام". ولما كررنا السؤال مع المحاججة بمعاناة النساء غير المتزوجات في المجتمعات المُحافظة، أجاب: "هذه مشكلة اجتماعية. لكن الإجهاض يظل حراماً، ومع ذلك فللضرورة أحكام".وقد بدا واضحاً أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ظلت تحتل مكانها المهم في حياة هذا الكاتب. إذ أخبرنا أنه يصطحب زوجته أسبوعياً إلى صلاة الأحد. وعندما اصطحبَنا بدوره إلى منزله في شارع الجميل بحي الفجالة، وسط القاهرة، حرص على أن نمرّ أولاً على كنيسته الملاك ميخائيل، غير البعيدة من المنزل. وهناك اتضحت لنا صِلاته وعلاقاته الجيدة مع رجال الكنيسة، وكيف يحترمهم ويحترمونه. وعندما جلسنا في مقهي في الحي، نفي تعرضه إلى أي زجر أو تهديد من رجال الكنيسة، على ما يكتب من أعمال جنسية جريئة. وهو بالأصل يفضل أن يصف كتاباته بأنها عاطفية، لا "جنسية". وقد فسر لنا استخدامه مصطلح "عاطفية"، بحرصه على ألا يُساء فهمه، نظراً لما يلحق بكلمَتي جنسية وإباحية في المجتمعات العربية من سوء فهم.
***وقبل أن نغادر المقهى، مرّت فتاة مراهقة تتراقص في مشيتها، وقد تفجرت مفاتنها. وعلى الفور ضجت ملامحه بالفرح و"الشقاوة". وقال بنشوة كلمة واحدة: "لوليتا"... ثم نفث دفعة كبيرة من دخان الشيشة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)Hugh Marston Hefner ولد العام 1926 وتوفي في 2017.
(**) أجري هذا الحوار بالاشتراك مع الصديق والزميل مجدي قاسم. وكان له فضل المبادرة باقتراحه وإثارة حماسي له، فضلاً عن استدعاء الإشارة إلى هيو هفنر. واتفقنا على أن يكتب كل برؤيته وأسلوبه، هو باللغة الإنكليزية وأنا بالعربية. وكنا نأمل في أن يتم النشر بالتزامن، وهو ما لم يحدث. إذ إنه لم ينشر النص الإنكليزي بعد. وقد استأذنته، حال وفاة خليل حنا تادرس في 19 فبراير/شباط 2022 في نشر النص أولاً باللغة العربية. أما صور الحوار فقد تبادلنا التقاطها مع وضع علامة مشروع شركة نشر صحافي لم يرَ النور.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top