إذا أرات السلطة وأحزابها أن تبحث عن خصم ضعيف تعيد تكريس نفسها بمواجهته، فلن تجد أفضل من هذه المعارضة، أو المعارضات، المتعددة والمنقسمة على ذاتها، في لبنان اليوم.
ليس هناك من خيار لخوض المعركة، وتأمين ديموقراطية شكلية للانتخابات، أفضل من مواجهة هذه المعارضة، أو المعارضات اللبنانية.إغفال الخصملم تتفق المعارضات على إطار سياسي-انتخابي جامع لخوض الانتخابات بوجه "المنظومة"، مفضلة ومعززة الانقسامات، بشخصانية وأنانية مفرطتين. وازداد الأمر سوءاً في هذه الأيام، بعدما انكفأ الجميع إلى مرحلة الترشيحات العشوائية أو المفاوضات الهزلية في كيفية التحالف لكسر الآخر المعارض، عوضاً عن تحديد الخصم (السلطة)، ومعرفة مكامن قوته وضعفه لحشد الجهود والانتصار عليه.بعد فشل مساعي تشكيل جبهة معارضة واسعة تخوض الانتخابات بلوائح واحدة في كل لبنان، راحت كل مجموعة، أو مجموعة من المجموعات، تسير بمخططات لحشر المجموعات الأخرى في انتظار استسلام أحد الطرفين، متناسين أن البلد في أزمة وجودية وأن الخصم هو السلطة، التي يفترض أنها معلومة ومعرفة، بأحزابها ورموزها، لجميع قوى الاعتراض. المزيد من الانقساماتتوحيد المعارضة كان في السابق شبه مستحيل وبات اليوم خبراً منتهياً الصلاحية. فلا يوجد أي واهم أن هناك إمكانية لجمع المعارضات في إطار واحد. لكن حتى تشكيل إطارين أو ثلاثة أطر معارضة بات شبه مستحيل بعد بروز "الاستراتيجيات" الجديدة في الترشيحات، وللتفاوض على تشكيل اللوائح. بل المرجح تشكيل تحالفات ولوائح موازية لعدد تنسيقيات وتحالفات انتفاضة 17 تشرين الكثيرة. فهذه الاستراتيجيات ممجوجة، ولن تؤدي إلا إلى المزيد من الانقسامات التي ستضاف إلى تلك الموجودة حالياً، كما تقول كل التجارب السابقة. وهذا مصير محتم للمعارضات بعدما انتهت السياسة وحلت مكانها المناكفات واللعب بشوارع ضيقة، وسط وهم قاتل بامتلاك الشارع والأصوات. وهمٌ مؤداه الوحيد الانتحار الجماعي وخسارة الفسحة الضيقة لتغيير ممكن. الأسلوب أو الأساليب المتبعة من قبل المعارضة، أو المعارضات، لخوض المعركة ينمّ عن كفاءة شبه معدومة في كيفية خوض الاستحقاق المقبل. أو ربما ينمّ عن خبث ومكر. والنتيجة سيان في كلا الحالتين: الحفر في الصخر لإيجاد أي وسيلة لعدم التوافق.الأداء السيءلكن حتى في استراتيجيات الترشيح وسحب المرشحين المتبعة حالياً، الأداء سيء. فما تقوم به المجموعات/المعارضات مؤخراً لا ينمّ عن عدم الإلمام بأبسط قواعد التفاوض، بل عن مدى ضعف الذين يلجأون إلى ترشيحات غب الطلب، هدفها الوحيد القول أنا موجود وأستطيع وضع إصبعي حيث أشاء.فقبل إقفال باب الترشيح بأسبوعين سارعت بعض المجموعات إلى إعلان مرشحيها لفرض وقائع على طاولة، أو طاولات المفاوضات، وسط وهم بأن القدرة على ترشيح أكبر عدد ممكن من الأشخاص يجعل هذه المجموعة أو تلك رقماً صعباً للآخرين. وغالباً ترفق هذه الترشيحات بإطلاق عبارات من هذه المجموعة أو تلك أنها جاهزة لسحب أي مرشح إذا كان يصب في صالح وحدة المعارضة.ثم استلحقت مجموعات أخرى نفسها وبدأت تطلب من أشخاص الترشح في هذه الدائرة أو تلك، تمهيداً لإعلان باقة مرشحين، للجلوس على طاولات المفاوضات. وراحت بعض المجموعات، التي لا يعرف باسمها غير مطلقيها، ترشح عشرات الأشخاص (إحدى المجموعات رشحت 52 شخصاً في لبنان) لفرض نفسها على باقي المجموعات. ما ينمّ عن خفة فائقة في كيفية إدارة المعركة.هذه الترشيحات التي بدأت تخرج، ذات اليمين وذات اليسار في الأيام الأخيرة، من قبل مجموعات متضخمة الأنا ووهم الوجود الفعلي على الأرض، تمهيداً لمرحلة التفاوض على سحب المرشحين وتشكيل اللوائح، تكشف مدى سوء الاستراتيجية التي تسير بها المجموعات، لأنها مكشوفة حتى للذين لا يفقهون بالانتخابات. ورغم ذلك تواظب المعارضات عليها، بما يشبه جمع الماء في الغربال.لم تحسن المعارضة/المعارضات إدارة الأزمة منذ الأسابيع الأولى لانتفاضة 17 تشرين، عندما حصرت نشاطها بالتنسيق للعمل الميداني والتظاهر بلا أي أفق سياسي وعمل سياسي جدي لكيفية إنقاذ البلد وتأسيس جبهة سياسية معارضة بوجه السلطة. وكان من الطبيعي أن تنتقل الانقسامات حينها إلى مرحلة التحضير لخوض الانتخابات اليوم.بشعار "كلن يعني كلن" الساذج، الذي اتسع ليشمل أي حليف معارض محتمل، خاضت مجموعات النقاء الثوري والوضوح و"الرؤية الصلبة" حربها على باقي المعارضات. والأخيرة انكفأت إلى الحفاظ على "لوحة زرقاء" من هنا أو تحصيل لوحة إضافية هناك.أضاعت المعارضة/المعارضات جميع الفرص منذ 17 تشرين ووصلت إلى الاستحقاق الانتخابي متشتتة ومتضعضعة وسط وهم للعديد من المجموعات بحصاد ثمار الانتفاضة بصناديق الاقتراع، من دون أي حس نقدي لتاريخ البلد وشعوبه اللبنانية، التي ستجلد أول ما تجلد هذه المعارضة الخائرة.