2024- 05 - 05   |   بحث في الموقع  
logo التجديد للطوارئ: محك للديبلوماسية اللبنانية ونفوذ اسرائيل logo متى سيُسلم بري الرد اللبنانيّ على الورقة الفرنسية؟ logo معطيات جديدة عن عصابة الـ “تيك توك”… وتسجيلات صوتيّة منسوبة للرأس المدبّر logo في بعلبك.. مطلوبٌ يقع بقبضة المخابرات! logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم السبت logo بالفيديو: “موكب حفل زفاف” يثير هلعاً في طرابلس.. ماذا حصل؟ logo رسمياً… ريال مدريد بطل الدوري الإسباني logo "حماس": نتنياهو شخصيًا يعرقل التوصل إلى اتفاق هدنة في غزة
تعاطفوا مع الطفل ريان.. وشمتوا بوفاة سيد القمني!
2022-02-07 16:56:03

ليس من المبالغة القول أن الأشخاص الذين ترحموا على الطفل المغربي ريان، وكرسوا ساعات من وقتهم كل يوم خلال الأسبوع الماضي، مظهرين حساً إنسانياً عالياً عبر "الدعوات" و"الصلوات" التي لم تجد نفعاً في الواقع، هم أنفسهم من يشمتون اليوم بوفاة المفكر المصري سيد القمني، مظهرين الوجه الحقيقي لمعنى أن يكون المرء متديناً-متزمتاً في العالم العربي حيث مازال الفكر المقدس الذي حاربه القمني أكاديمياً وصحافياً، ثقيل الحضور في كل مجالات الحياة.
ورغم أن هذه النتيجة قد تكون بديهية لأي مراقب خارجي، إلا أنها تأتي في الواقع من قبل الحسابات الشامتة نفسها التي نشرت المقاربة المروعة نفسها كمدعاة للفخر بـ"الأمة الإسلامية" و"الشباب المسلم" بسبب "وعيهم" المزعوم وتصديهم لـ"الكفار" و"الملاحدة" وغيرها من التسميات الحاضرة في خطاب التنظيمات الجهادية كـ"داعش" و"القاعدة" وخرجت للسطح خلال السنوات الماضية بشكل أفعال مروعة صدمت العالم من دون أن تثير حفيظة المؤسسات الدينية الكبرى في المنطقة كـ"الأزهر" الذي رفض مراراً وتكراراً تكفير "داعش"، لأن الدموية التي طبقها التنظيم لم تكن مجرد اجتهادات شخصية أو عنفاً مجانياً، بل كانت تطبيقاً للنصوص الدينية وإن كانت مشكلتها في حَرفيّتها.
الأمة بأكملها حزنت على الطفل #ريانوسعدت جداً لوفاة #سيد_القمني أمة التوحيد لا مثيل لها.. ولا تزال الأمة بخير #سيد_القمني
— فاضل مرزوق ابوسنين (@fadelalenizi) February 7, 2022
وأخذ التضامن مع الطفل ريان (6 سنوات) الذي فارق الحياة بعد سقوطه في بئر بمنطقة نائية بالريف المغربي، صبغة دينية مبالغاً فيها، وكانت الآيات القرآنية تملأ "تويتر" و"فايسبوك" منتظرة أن ينقذ الرب الطفل المسكين "كما أنقذ يوسف من الجب أو أخرج يونس من بطن الحوت"، من دون الالتفات إلى المشكلة الحقيقية المتمثلة بسبب مأساة ريان المتمثلة في سلطة تحكم باسم الدين في المغرب حيث يسمي الملك نفسه "أمير المؤمنين" وتنفق ملايين الدولارات على برامج التجسس لملاحقة الصحافيين والأفراد، من دون الاهتمام بتطوير الريف وتوفير الخدمات للمواطنين.وبالطبع لا يمكن لوم الأفراد على خياراتهم في التضامن الإنساني حتى لو أتى بصورة دينية بحتة، لكن لا يمكن سوى التعجب أمام انقلاب الأفراد أنفسهم في لغتهم، من الأمل في الله إلى التمعن في حكمته عندما مات الطفل ريان لاحقاً والقول أنه أصبح في الجنة، رغم أن عبثية الصلاة في هذه الحالة كافية إلى أن تؤدي إلى اليأس على أقل تقدير. والأكثر من ذلك هو انعدام الإنسانية الكامل بعد أقل من 24 ساعة شهدت وفاة القمني (74 عاماً) وتقديم أسوأ ما يمكن للنفس البشرية تقديمه على الإطلاق لمجرد وجود اختلاف في الرأي.وفيما كان البعض يستنكر ذلك التناقض من مبدأ ديني يقول أن لا شماتة في الموت، فإن استناده إلى معنى الرحمة في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية يمثل تناقضاً لأن ذلك الخطاب المعتمد على فرضية وجود "الإسلام الكول" حيث يتقبل مسلمون ملتزمون دينياً، الآخرين، من منطلق "لكم دينكم ولي دين"، لا يشير إلى المشكلة الأساسية المتمثلة في النصوص المقدسة التي يمتلئ بها الإسلام من جهة، وتحلل عقاب المخالفين لتعليماته الصارمة في ما يسمى "حدود الله" وتصل بالطبع إلى حد القتل، وتواجدها في الواقع ضمن النصوص القانونية والدساتير المحلية التي تنص على أن الشريعة الإسلامية مصدر، وحيد أحياناً، للتشريع. وهو ما تحدث عنه القمني مراراً وتكراراً، بما في ذلك مقابلته مع الإعلامي والشاعر اللبناني جوزيف عيساوي في برنامج "قريب جداً" العام 2008 بعد تكفيره وتهديده من قبل "القاعدة" واعتزاله الكتابة لنحو سنتين حينها.
وبالطبع فإن الشامتين بالقمني لم يكتفوا بتقديم شماتتهم ونشر "ميمز" تدمج كلمة كافر بصور القمني أو تتخيل تعذيبه في جهنم، تماماً كما كانت تنشر الحسابات الجهادية بحق من تطبق عليهم "حدود الله" في سوريا والعراق قبل أعوام قليلة، بل هاجموا من ودعه أو نشر اقتباسات من كتاباته أو حتى تمنى لروحه السلام والطمأنينة من منطلق ديني إسلامي أيضاً. ويمكن حتى اللحظة سماع الصرخات تدوي في الفضاء الإلكتروني: "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض"، وهي كلمات ليست مجرد تغريدات لحظية بل هي جزء من سورة البقرة في القرآن، ويستند إليها المسلمون اليوم في تبريرهم لعدم التساهل مع المخطئين.وفيما يحيل ذلك إلى نقاش تكرر في مناسبات سابقة مثل وفاة المفكرة النسوية نوال السعداوي أو انتحار الناشطة سارة حجازي، حول معنى الأخلاق التي يتحدث عنها المتدينون المسلمون عادة، فإنه يشير اليوم إلى مشكلة الخطاب المقدس الذي يمنع التفكير النقدي والأكاديمي والعلمي كمدخل للتطوير الاجتماعي، ليس ضمن النصوص الدينية فقط، بل في تبني دول المنطقة المدعية للعلمانية لسياسات صارمة تحد من نشر الأفكار التي تتحدى السلطة الدينية التي تلعب وظيفة مهمة في السيطرة على الأفراد بسهولة عبر إعطاء وهم أن الإجراءات الأمنية المتشددة وما يتبعها من بؤس خدمي واقتصادي، تضحيات ضرورية من أجل الحفاظ على الأخلاق العامة والدين الصحيح، من خطر المؤامرة الغربية أو المنحلين والملحدين وغير ذلك من التسميات.يظهر ذلك بشكل واضح في التغريدات التي قال أصحابها أنهم لم يسمعوا من قبل باسم القمني أو أنهم لم يقرأوا كتاباته ولا يعرفون أفكاره، بل بنوا موقفهم الشامت والمتزمت من منشورات قالت أنه "كافر وملحد وعلماني"، لا أكثر. فيما استشهد آخرون بكتابات لشيوخ ورجال دين وشخصيات إسلامية هاجمت القمني طوال عقود، كانت كافية بالنسبة للأفراد من أجل تبني موقف حاسم ضده. وفي ذلك تلخيص لمشكلة جوهرية تتكرر منذ قرون وهي الاعتماد على المرجعيات الدينية والنصوص الشفهية المتواترة في الإسلام لبناء مواقف واتجاهات واتخاذ قرارات على كافة الأصعدة "ترضي الله" أو "تماثل السلف الصالح" وغير ذلك من العبارات التي تحط من قدرة الأفراد على التفكير بأنفسهم ما يجعلهم دائماً بحاجة للإرشاد.وليس من الغريب بالتالي أن تنتشر ثقافة "الفتوى" في المجتمعات العربية، حيث يطلب الأفراد من رجال الدين فتوى شرعية عند حيرتهم أمام حلم غريب أتاهم في نومهم أو رغبتهم باتخاذ قرار، قد يكون شديد التفاهة في الواقع وليس مصيرياً أو جدلياً، مثل اختيار فرع دراسي في الجامعة أو الرغبة في ممارسة عمل ما دوناً عن غيره، وصولاً إلى غرائب الأسئلة مثل "هل تجوز للنساء مشاهدة كرة القدم؟" أو "هل يبطل الزواج إن تمت ممارسة الجنس من دون ثياب"، علماً أن المؤسسات الدينية ودور الفتوى في كل دولة تخصص مواقع إلكترونية للفتاوى بشكل سريع من قبل "العلماء" وهي تسمية مازالت تنتشر لوصف رجال الدين في المنطقة رغم أن لا علاقة تربطهم بالعلم على الإطلاق.والحال أن الوصول إلى كتابات القمني ونظرائه القلائل ممن يحاولون هجم الجدار السميك من المحرمات المقدسة، للأفراد يبقى صعباً، بسبب الحجب والمنع والرقابة الحكومية أولاً، كما يظهر من حالة مصادرة مجمع البحوث الإسلامية التابع لـ"الأزهر" كتاب القمني الشهير "رب هذا الزمان" الصادر العام 1997 قبل إخضاعه للاستجواب نيابة أمن الدولة العليا، فضلاً عن وصمة العار الكلاسيكية التي تلحق بتلك الكتابات عند توفرها، من قبل أجهزة الميديا التي تسيطر عليها الحكومات العربية عموماً، وسطوة رجال الدين على الأفراد عبر ثقافة الفتوى السابقة.وفيما كان ينظر لدور الإنترنت في المنطقة العربية بشكل مشابه لدور المطبعة في التنوير الأوروبي، بسبب توفير مساحات خارجة عن سيطرة السلطات القائمة سياسياً ودينياً، فإن ذلك بقي محدود الأثر إلى حد كبير. ورغم توفير كتابات القمني "الممنوعة من النشر" على سبيل المثال، أو روايات تم تكفير أصحابها مثل "آيات شيطانية" لسلمان رشدي، عبر الإنترنت، إلا أن الوصول إلى تلك المنصات يصطدم بصعوبات تقنية مثل الحجب، فضلاً عن كونها منصات موصومة بالعار لكونها "ملحدة" على سبيل المثال، أو أنها تحتاج بحثاً مركزاً ومخصصاً وليست في الواجهة التي مازالت تسيطر عليها الحكومات سواء عبر الإعلام أو شراء أصوات المؤثرين وحتى الجيوش الإلكترونية والحسابات الوهمية.وتقتصر الانتقادات التي تمس جذور الدين الإسلامي نفسه عبر الإنترنت، على مدونات يديرها عموماً مسيحيون بغرض التبشير بالدين المسيحي وليس لأغراض تنويرية بحتة، أو منتديات بدائية تخلو من الحوار الجاد، بالإضافة لبعض البرامج في "يوتيوب" كقناة "حامد تي في" التي قدم فيها الروائي المصري-الألماني، حامد عبد الصمد، برنامج "صندوق الإسلام".وضمن هذا المحدد، تصبح مشكلة كثيرين مع القمني أنه ليس أجنبياً أو من خلفية مسيحية تجعل الرد عليه سهلاً، ولا من طائفة صغيرة من طوائف الإسلام يمكن تحقيرها من مبدأ الأكثرية والأقلية، بل هو أكاديمي نشأ من عائلة مصرية سنية وملتزمة دينياً. ويجعل ذلك ما يقدمه خطراً وشرخاً للصف السنّي تحديداً من الداخل، بوصفه هوية جمعية تتخطى المعنى الروحاني للكلمة، نحو المعنى السياسي، وبالتالي المعنى الوجودي. ويرتبط بحقيقة تحول الدين في المنطقة إلى محدد للهوية، على المستوى الشخصي والجماعي، بدلاً من كونه مجرد اعتقاد أو إحساس شخصي.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top