2024- 05 - 05   |   بحث في الموقع  
logo إيهاب حمادة: لا نقاش من قبلنا حتى تضع الحرب أوزارها في فلسطين logo بالصور: ٣ شهداء بغارة معادية على بلدة ميس الجبل logo المطران عودة بقداس الفصح: بلدنا بحاجة إلى مسؤولين يعملون من أجله لا من أجل مصالحهم logo شهداء وجرحى جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة logo "رفح فخّ موت"... رسالةٌ من اهالي الجنود الى غالانت وهاليفي! logo "لن نلعب لعبة التسريبات"... الإعلام الإسرائيلي يقلب الطاولة على نتنياهو! logo بعد 36 ساعة من فقدانه... العثور على جعجع في بعلبك! logo بالصوره: بعد فقدانه في بعلبك وتعميم “قوى الأمن” صورته.. هذا مصير فريد جعجع
سيد القمني "المعتزلي"... بين غربلة التراث الإسلامي ودحض الإسرائيليات
2022-02-07 13:56:09

رحل المفكر المصري سيّد القمني، وهو كان إشكالياً ومثيراً للجدل يطرح أفكاره بلا مواربة أو تلفيق وأحياناً يصل إلى درجة "الصِّدام". وأظهرت التعليقات بعد رحيله مدى الإنقسام حول طروحاته وكتاباته وأفكاره، بين فريق يعتبره "أحد فرسان التنوير"، و"أول من رمى الحصى في برك الاسلاميين"، وفريق آخر يبدو شامتاً بموته ويعتبر أنه كان يسخر من الأنبياء والذات الإلهية، وكثر من غلاة الدين يحمدون الله لأنه "قطع أنفاسه"، بل يقولون لماذا يُظهرون فرحهم بموت سيد القمني، ويتهمونه بأنه "دجال مزور منتحل للنصوص"...بالطبع هذه ليست المرة الأولى التي يكون رحيل مفكر عرضة للشتم والشماتة. فثمة إسلاميون شمتوا في موت محمود درويش ونجيب محفوظ ونوال السعداوي ونصر حامد ابو زيد... والشماتة في الجوهر تنم عن ضعف وهزال فكريّ وعقل غيبيّ أجوف... وتتكرر همجية أهل العقل الغيبي باستمرار، ربما من بدايات الإسلام، وحتى في الديانات الأخرى وفي أوروبا...وتخصَّصَ القمني في الكتابةِ عن بواكيرِ التاريخِ الإسلامي، محلِّلًا وناقِدًا بجُرْأةٍ الكثيرَ من مَحطاتِه التاريخيةِ. وفي كتابه "رب الزمان: الكتاب وملف القضية" طرحَ مِنَ الأفكارِ والمواقفِ ما جعَلَه في مَرْمى النقدِ والمُصادَرة؛ إذ عُقِدَتْ لهُ المُحاكَماتُ الأدبيَّة، وطَرحَ المُفكِّرونَ ما جاءَ فيهِ على مائدةِ النقاش؛ فطالَبَ البعضُ بمنْعِه مِنَ النشرِ ومُحاكَمةِ صاحبِه، بينَما وقَفَ معَهُ آخَرونَ دِفاعًا عن حُريةِ التعبير. والكتابُ يتطرَّقُ إلى عددٍ مِنَ القضايا؛ منها ما يَتعلَّقُ بتاريخِ الإسرائيليِّينَ وعلاقتِهم بمِصْر، ويَبحثُ في أركيولوجيا اللغةِ لبعضِ الأسماءِ المُقدَّسة.القمني العلماني على ما يقال، و"الملحد" بزعم أحدهم، و"الماركسي" بحسب بعض الفسبكات، يعرّف نفسه بأنه من "أتباع المعتزلة"، وهي فرقةٌ كلاميّةٌ ظهرت في أواخر العصر الأموي (بداية القرن الثاني الهجري) في البصرة وازدهرت في العصر العباسي. كان جريئاً وسجالياً، خصوصاً ضد المؤسسة الدينية والسلفية. طالب في أحد أحاديثه، بإقالة مشايخ الأزهر والابتعاد عنهم قائلاً: لو أردنا الإصلاح بجد، علينا أولاً الإغلاق على هؤلاء.. يا مصريين أقيلوا مشايخ الأزهر تصحّوا، لا تستضيفوا المشايخ في التلفزيونات فستصيروا أفضل "وزي الفل". في 10 نوفمبر 2004، وفي لقائه مع صحيفة "ميدل إيست تايمز"، اعتبر القمني أن بداية ولعه بالتعمق في التاريخ الإسلامي، يعود إلى نكسة حزيران 1967، وانهيار الحلم الناصري العروبي، فاعتبر أن جذور المشكلة لم تكن مجرد إخفاق عسكري، بل كانت متأصلة في الفكر الإسلامي وليس الفكر العروبي... من يتابع القمني، يجد أن جزءاً كبيراً من طروحاته، قائم على رد الفعل على سلوكيات الأصوليين، أكثر منه على مسار منهجي...وفي أكتوبر 2004، وبعد تفجيرات طابا، صعَّد القمني لهجة خطابه في مقالاته ضد الإسلام السياسي، فعنوَن أحد مقالاته "مصرنا يا كلاب جهنم"، مهاجماً تيارات الإسلام السياسي. وعلى أثر هذا المقال، تلقى تهديدات بالقتل، باسم أبو جهاد القعقاع، في 17 يونيو 2005، آثرَ القمني بعدَها السلامةَ وأعلَنَ اعتزالَه الفِكرَ والكِتابة من خلال مقالة نشرها في مجلة "روز اليوسف"، ثم تراجَعَ عن قَرارِه في ما بعد. وقد برّر موقفه هذا بخوفه على حياة بناته كما قال: "جاءني بيان هددني في حياتي وبناتي، وأعتقد أنه لا يعيبني أن أفكر في حماية بناتي، أو أن أشعر بالخوف عليهن. البيان أصرّ على أن يكون الاعتذار في المكان نفسه الذي كنت أنشر فيه وهو مجلة روز اليوسف، وإلا سألقى حتفي خلال أسبوع"!"لا أحد يستطيع سحب الجائزة مني"وبعد توقفه عن الكتابة واختفائه لفترة، عاد الى الجدل مرة أخرى بعد حصوله على "جائزة الدولة التقديرية"، ثم سُحبت الجائزة منه بحكم قضائي، إذ اعتبرت المحكمة أفكاره مخالفة للقرآن والسنّة. وجاء في القرار أن إبداعات الكاتب الفكرية خالفت القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة، وشككت في نسب بعض الأنبياء، وشملت بالازدراء بعضهم الآخر، وتطاولت بالألفاظ على الذات الإلهية، وهذا الأمر من غير المتصور حدوثه أو قبوله، وقد اعترض عليه مجمع البحوث الإسلامية. وعلّق القمني على تقرير هيئة مفوضي الدولة، الذي قضى بسحب جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية، وإلغاء قرار المجلس الأعلى للثقافة رقم 707 لسنة 2009م، قائلاً: "محدش يقدر يسحب الجائزة مني". وأضاف القمني فى تصريح لـ"اليوم السابع": "تقرير هيئة مفوضي الدولة لا يعنيني وأنا لست منشغلاً بمثل تلك القضايا، وإذا أرادوا أن يسحبوا الجائزة فعليهم أولاً أن ينظروا في الأسماء التي حصلت على تلك الجائزة طوال دوراتها لمعرفة من يستحقها ومن لا يستحقها".وفي العام 2016 اتهم بازدراء الدين الإسلامي وسبّ الصحابة، خلال محاضرة له بعنوان "جذور وأسباب العنف الإسلامي" نظمتها منظمة "آدهوك" البلجيكية، وأحيل الى المحاكمة. بعدها، تلقى عدداً من الدعوات لاستضافته بشكل دائم خارج مصر، لكنه رفضها، مؤكداً عبر حسابه "الفايسبوكي": "أشكر كلّ الدعوات المحترمة التي وصلتني سواء من مؤسسات وهيئات وأفراد كي أعيش عيشاً كريماً في بلاد حرة، لكني لا أعتقد بأنني سأعيش كريماً ووطني منتهك العقل والضمير، بقائي سجيناً أو مذبوحاً هو قربان متواضع كي تعيشوا أنتم كراماً في أوطانكم وهي حرة، في مصر حتى خروج النفس الأخير".هنا مختصر لبعض طروحات القمني التي وردت في كتبه المنشورة إلكترونياً في موقع هنداوي... وهي تحتاج الى قراءات خاصة، علمية ودقيقة، بعيداً من الانفعالات الاصولية بمختلف وجوهها.يدورُ مَشْروعُ القمني الفِكريُّ حولَ نقدِ التراثِ وغَرْبلتِه؛ اذ انتقَدَ الكثيرَ ممَّا يراه خارجَ نطاقِ العقلِ في التاريخِ الإسلامي، فطالَبَ بنسْخِ آياتِ العبيدِ والإماءِ ومِلْكِ اليَمين، مؤكِّدًا أنَّ المُسلِمينَ تجمَّدُوا فكريًّا عندَ وفاةِ النبي معتبِرينَ أن النصَّ القرآنيَّ يواكِبُ عصرَهم الحالي، فمن المعروفِ تاريخيًّا أنَّ القرآنَ تَتابعَ نزولُه على رسولِ اللهِ طوالَ ثلاثةٍ وعشرينَ عامًا، هي عُمرُ الدعوةِ المحمَّديَّة، وذلك خِلافًا لألواحِ التَّوْراةِ التي تَلقَّاها موسى من ربِّه دَفْعةً واحدة. وخلالَ هذه الفترةِ كانَ القرآنُ يناقشُ في بعضِ آياتِه أوضاعَ الدولةِ الوليدةِ ويُشرِّعُ بعضَ أحكامِها، ونتيجةً لتبدُّلِ أحوالِ المُسلِمِينَ من ضَعْفٍ إلى قوَّة، وتغيُّرِ عَلاقاتِهم معَ القُوى المُحِيطةِ بهم، نُسِخَتْ بعضُ آياتِ القرآنِ الكريمِ لتُواكِبَ التطوُّراتِ الجديدة، مِثلَما حدَثَ في عَلاقةِ الرسولِ بيهودِ المَدِينة. وبِناءً على هذا، فإنَّ قضيةَ النَّسْخِ في الوحْيِ واحدةٌ من أهمِّ القَضايا الشائكةِ في التاريخِ الإسلامي؛ نظَرًا لطبيعةِ هذا النَّسْخِ وما يمكنُ أن يَتبعَه من مُطالَباتٍ بتغييرِ بعضِ الأحكامِ لتوافِقَ العصرَ الحالي، مثلَ أحكامِ العبيدِ والجَواري ومِلْكِ اليَمِين.منهجية الرسول الحربيةوفي "حروب دولة الرسول" يَعرِضُ القمني رُؤيتَهُ حولَ نشأةِ الإسلامِ والدوافعِ الزمانيَّةِ والجغرافيةِ حولَ حُروبِهِ الأولى في غزوَتَيْ بَدْرٍ وأُحُد؛ فمِن مُنطلقِ مُجتمعٍ أرستقراطي، خرَجَ الإسلامُ مِن مكةَ إلى المدينة؛ ومن ثَمَّ كانَ على الرَّسولِ أنْ يُحاولَ إضعافَ مكانةِ مكَّةَ التجاريةِ حتَّى يُخضِعَها لسيادةِ الدِّينِ الجديد، ومِن أجلِ ذلكَ خرَجَتْ سَرِيَّةُ «عبد الله بن جحشٍ» لتُقاتِلَ في الأَشْهُرِ الحُرُم، ومِن بعدِها خرجَ الرسولُ مُحاوِلًا تصيُّدَ عِيرِ قريشٍ التي كانتْ في قافلةِ «أبي سفيان»، وبالرغمِ من نَجاةِ القافلةِ مِنَ الوقوعِ في أيدِي المُسلمين، فإنَّ الدوافعَ الاقتصاديةَ كانَتْ وَراءَ رَغبةِ قُريشٍ في استعراضِ قُوَّتِها في بَدْر.يَرصدُ القمني منهجيةَ الرسولِ الحربيةَ في التعامُلِ معَ المستجداتِ الداخليةِ والخارجية؛ حيثُ حرصَ الرسولُ على بناءِ دولتِه واستِئصالِ شَأْفةِ المُعارِضِينَ لسيادتِه، مُتَّخِذًا من هزائمِ المسلمينَ دافِعًا للمُضيِّ قُدمًا، وهو ما حدَثَ بعدَ هزيمتَيْ بدرٍ وبئرِ معونة، حيثُ طردَ يهودَ «بني النضيرِ» إثرَ مُماطَلتِهم في المساهَمةِ في تحمُّلِ جزءٍ من ديةِ «بني عامر»، ومُحاوَلتِهم الفاشلةِ لاغتيالِ الرسُول، وما تبعَ ذلكَ من تأليبِهم قريشًا على الخروجِ في ما عُرِفَ بغزوةِ «الخندق»، التي تَظهرُ فيها خيانةُ يهودِ «بني قُريظة»؛ فكانَ جزاؤُهم مذبحةً لم تَسمعِ العربُ بمثلِها من قبل.ويعتبر القمني "أن إهدار التراث القديم من دون بحثه، وبحث ظرفه الموضوعي، وإصدار أحكام قَبْلية عليه وعلى مَن مِنه مِن فلاسفتنا، ليس من العِلمية في شيء". وفي كتاب "الأسطورة والتراث" يضع بحوثاً عديدة تتنوَّع موضوعاتها وتتوحَّد مآربها، بل يضع أمامنا أساطيرنا داخل قوالبها التراثية، في دعوة صريحة لإعادة قراءتها قراءة جديدة تناسب حاضرنا؛ ولتفادي خلطٍ قد يحدث، واتهامٍ قد يُلقى جزافًا؛ فقد حدَّد الباحث نطاقًا لبحثه عن كُنه العلاقة بين الأسطورة والدين، حيث سترتكز الدراسة على "الأديان الابتدائية" دون غيرها، لتشابه ظروف ظهورها بظروف نشأة الأسطورة. وفي كتابه "الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية" يعتبر إنَّ التاريخَ بحاجةٍ إلى نظرةٍ مَوْضوعيَّةٍ مُتجرِّدةٍ بعيدةٍ منِ النُّصوصِ المُعلَّبةِ التي تَضعُه في إطارٍ واحِد؛ إطارٍ كهنوتيٍّ لا يَصحُّ الحَيْدُ عَنه، أو التفكيرُ خارجَ دائرتِه، لكَيْ نَصلَ إلى قراءةٍ عَقلانيةٍ نستطيعُ بها فَهمَ الأحداثِ التي شكَّلتْ ثَقافتَنا، وبُنِيَ عليها تُراثُنا. يُناقِشُ القمني دورَ البيتِ الهاشِميِّ في التمهيدِ لتأسيسِ الدولةِ الإسلاميةِ على يدِ النبيِّ محمَّد، ويَرصدُ ما كانَ لَدَيهم من تطلُّعاتٍ ليَكُونوا أصحابَ حُكمٍ ورِئاسة؛ ويناقشُ أيضًا دورَ مركزِ مكةَ التجاريِّ في دعْمِ تلك التطلُّعات، مُتتبِّعًا مراحلَ هذا البناءِ من بدايتِه كحُلْم، إلى تنفيذِ التخطيطِ الهاشميِّ ودعْمِ الدَّعوةِ الجَدِيدة، إلى التعصُّبِ لابنِ عُمومتِهم ونَصْرِه، وإرساءِ قواعدِ الدولةِ الإسلاميةِ الناشِئة.متأسلمون خارج نطاق الزمنأما في كتابه "الدولة الإسلامية والخراب العاجل"، فيجد أن بعضُ المُتأسلِمين ما زالوا يَعيشون خارجَ نطاقِ الزمان، غيرَ مُبالينَ بما يدورُ حولَهم في العصر الحالي؛ إذ يدعو بعضُهم إلى تطبيقِ الشريعةِ التي يَراها القمني غيرَ صالحةٍ للتطبيقِ الآن، مُبرهِنًا على ذلك بأنَّ بعضَ الحكوماتِ التي تُسمَّى بالإسلاميةِ عاجزةٌ عن أن تُطبِّقَ من الشريعةِ إلا النَّزرَ اليسير. فما تَحملُه الشريعةُ من فِقهٍ يتعلقُ على سبيلِ المثالِ بالجهادِ والعبوديةِ والسبايا صارَ أمرًا تاريخيًّا. يرى القمني استحالةَ عودةِ الخلافةِ الإسلاميةِ مرةً أخرى. إنَّ للخطابِ الإسلاميِّ — برأيِه — وجهَين: وجهًا مثاليًّا يَحثُّ على الشورى والعدلِ والمُساواةِ كأسنانِ المُشط، ووجهًا واقعيًّا يُعمِلُ السيفَ في رقابِ المعارِضين للدولةِ الإسلامية؛ وهوَ ما تُبينُه بواكيرُ التجرِبةِ التاريخيةِ للمسلمين؛ حيث شنَّ الخليفةُ الأولُ حروبَهُ على مانِعي الزكاة (حروبَ الردَّة)، وقُتلَ الخليفةُ الثاني على يدِ معارِضيه، بينما بدأَ الخليفةُ الثالثُ حُكمَهُ بمُجافاةِ العدلِ ومُحاباةِ الأهل، أمَّا آخِرُ الراشِدين فقُتِلَ في خلافٍ سياسيٍّ لا نِزاعَ فيه. فإذا كان هذا هو عهدَ الخلافةِ الراشدةِ الذي يُطالِبون بعودتِه، فأيَّ خلافةٍ يَرجُون؟!يَطرحُ القمني في مُجمَلِ أعمالِهِ، ومنها "الفاشيون والوطن"، رؤيتَهُ للتراثِ الإسلامي، مثيرًا الكثيرَ مِنَ التساؤُلاتِ التي تَتعلَّقُ بعُمقِ وجَوهرِ تاريخِ مرحلةِ تأسيسِ الدولةِ الإسلامية، مُنكِرًا أحيانًا ومُتسائِلًا في أحيانٍ أُخرى؛ فهو يُنكرُ سعْيَ الرسولِ لتأسيسِ هذه الدولة، ويُؤكِّدُ عدمَ عِصمةِ الصَّحابة، وبَشريَّةَ الرسولِ التي تُصِيبُ وتُخطِئ، ويَتساءلُ عن مَوقفِ فقهاءِ الإسلامِ مِنَ الاستجابةِ لمُستجدَّاتِ العصر، واضِعًا أمامَهم الكثيرَ مِنَ الأحكامِ التي يقترحُ تعطيلَها."صحوتنا لا بارَك الله فيها"ومن الاشكاليات التي يطرحها في كتابه "انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح"، قضية ماذا حلَّ بالمسلمين حتَّى أصبحوا عِبئًا على الحضارةِ الإنسانية؟ لأجلِ الإجابةِ عن هذا السؤالِ يَنظرُ القمني إلى الواقعِ الإسلاميِّ من خلالِ العَلاقةِ الديناميكيةِ بين الدينِ والمجتمع؛ إِذْ أحالَ رجالُ الدينِ منذ عصرِ الخلفاءِ الراشدين، وربما قبلَه، الإسلامَ من التَّوحيدِ إلى الوثنيةِ مرةً أخرى، فمَنحوا القداسةَ والعصمةَ لغيرِ الله، بَدءًا من الرسولِ إلى صحابتِه، فأصبحَ الدينُ ألفَ رجلٍ مُقدَّس، وكما تقدَّسَ الأشخاصُ امتدَّتِ القداسةُ إلى النصِّ دونَ العقل؛ الأمرُ الذي سمحَ للحديثِ النبويِّ أن يَحتلَّ مكانةً هامةً في التشريعِ الإسلامي.كثيرةٌ هي القضايا الشائكةُ التي تَشغلُ بالَ سيد القمني، وكثيرةٌ هي تحليلاتُه وأُطروحاتُه التي يَعُدُّها البعضُ فَهمًا جديدًا لقضايا الدِّين، يُناسِبُ العصرَ ويُواكِبُ ما استحدثَته الإنسانيةُ من علومٍ وحضارة، في حينِ يَراها البعضُ شَططًا تَجاوزَ حدَّه. ويَتناولُ في كتابه "صحوتنا لا بارك الله فيها"، بعضَ هذه القضايا عبرَ ثلاثةِ فُصول؛ في الأوَّلِ «الاستبداد بمُسانَدةِ السماء» يَرى أنَّ الأزهرَ بوصفِه مؤسَّسةً دينيةً رسميةً أصبَحَ يمارِسُ الاستبدادَ على كلِّ مَن يَتكلَّمُ في الدِّين، ولا يَسمحُ لأحدٍ خارجَ مَنظومتِه أن يُبدِيَ رأيًا، أو يُناقِشَ فِكرة. وفي الفصلِ الثاني «البَيعة ليست هي التصويت» يَشتبكُ الكاتبُ مع من يَضعُون كلَّ شيءٍ تحت مِظلَّةِ الدِّين، ويخُصُّ بالمُناقشةِ قضيةَ التصويتِ والانتخابِ ويُفرِّقُ بينها وبين مَفهومِ البَيعةِ الإسلامي. وفي الفصلِ الثالثِ «ادفنوا موتاكم» يَشنُّ الكاتبُ هجومًا عنيفًا على التراثِ الإسلامي، ويرى فيه موتًا يجبُ أن يُوضَعَ في القُبور، وهو بذلك يضعُ قَدمًا في معركةٍ جديدةٍ مع الأصوليِّينَ والمُشتغِلينَ بعلومِ الدِّين."الإسرائيليات"الجانب البارز الذي ناقشة سيد القمني يتعلق بـ"الاسرائيليات" في الروايات والتاريخ، يُحلِّلُ النصَّ التَّوراتي؛ أحدَ أقدمِ النصوصِ الدينيةِ على الإطلاق، ويؤكِّدُ القمني على ضرورةِ عدمِ التعامُلِ مع النصِّ التوراتيِّ على أنه وثيقةٌ تاريخيةٌ تروي تاريخَ الإسرائيليِّين؛ فهو لا يَعْدو أن يكونَ أكثرَ من مجردِ وثيقةٍ أسطوريةٍ على حدِّ تعبيرِه، وإنْ حملَ بعضُه القليلَ من الحقيقة. كما يُفنِّدُ القمني في كتابِهِ هذا ادِّعاءاتِ فليكوفسكي في كتابِه "عصور في فوضى" الذي يؤصِّلُ فيه لدولةِ إسرائيلَ تأريخيًّا. يقول في تمهيد الكتاب "في التجربة المستمرة للتعامُل مع طُروحات الأيديولوجيا الصهيونية، المؤسَّسة على أعمدةٍ تاريخية ودينية قُدسية، كنتُ على يقين دومًا بمدى تهافُتِ كثيرٍ من أعمالنا الفكرية وترنُّحها إزاءَ تلك الطروحات، رغم كَمِّ الشعارات والجُمل الساخنة، والإطالة المُفرِطة؛ حيث كانت تلك الأعمال تُلقي بنا في النهاية على حجر الفكر الصهيوني وقَبضة منظومته الفكرية، بعد الإقرار لها بكلِّ تأسيساتها التاريخية والقدسية، برداءٍ إسلامي يُعيد إنتاج عناصرِ الأيديولوجيا الصهيونية، وهو ناتجٌ ضروري، ولزومٌ حتمي عن التسليم الإيماني بقُدسية التاريخ الإسرائيلي، كمادةٍ أُولى وأساسٍ في النص المقدس، وكمادةٍ أُولى في قانون الإيمان «بالله وملائكته ورسله وكتبه»...ولما أعطَتِ التَّوراةُ للنبيِّ إبراهيمَ مَكانةً كَبيرةً في تاريخِ الشَّعبِ العِبراني؛ فهو لدَيْهم أصلُ سلسلةٍ مُتعاقبةٍ منَ الأنبياء، وفي الإسلامِ هو أبو الأنبياء، ومنهُ تَنحدرُ سُلالةٌ كريمةٌ آخرُها النبيُّ مُحمَّد، غيرَ أنَّ اختلافَ الرِّواياتِ بينَ الكُتبِ المُقدَّسةِ حولَ أصلِ إبراهيمَ ورِحلتِه فَتحَتِ البابَ أمامَ الباحثينَ للنَّظرِ في الأَصلِ «التَّاريخيِّ» للنبيِّ الذي يُعَدُّ من أهمِّ الشَّخصياتِ في التاريخِ الدِّيني، والذي نُسبَتْ إليه الأديانُ التَّوحيديةُ الثلاثَةُ فسُمِّيتْ ﺑـ«الإبراهيمية». وفي دراستِه "النبي إبراهيم والتاريخ المجهول"، يُحاولُ القمني كشفَ التاريخِ المُزيَّفِ لعَلاقةِ النبيِّ إبراهيمَ بفلسطين، وإزاحةَ السِّتارِ عن عَلاقتِه بالمِصريِّين، وتعقُّبَ مَوطنِه، وتَتبُّعَ خطِّ السَّيرِ الأقربَ إلى الصحَّةِ لارتحالِه في المِنطَقة.‎ وفي بحثه "النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة" يحاول القمني أن يُفسِّر ما قد أُبهِم، أو يَكشف عمَّا خفي عن النبي «موسى» التوراتي في الأزمنة القديمة، من خلال البحث والتمعُّن في نَصِّ الكتاب المقدس العبري «العهد القديم»، خاصةً إذا تلاقَت تلك النصوص مع الكشوف الحديثة لعلماء الآثار وحفريات الأنثروبولوجيا. وينقسم هذا البحث إلى ثلاثِ وَحداتٍ أساسية؛ الوحدة الأولى تشتمل على تمهيدٍ تاريخي مع إعادةِ ترتيبِ جغرافيَّةِ الخروج، والثانية عبارة عن إعادة ترتيب أحداث التاريخ بطرح نظريةٍ جديدة حول علاقة بني إسرائيل بالهكسوس، أمَّا الثالثة فيُركِّز فيها على البحث عن علاقة «إخناتون» بكلٍّ من النبي «موسى» و«أوديب» صاحبِ الملحمة اليونانية المشهورة.يحفر القمني عميقًا للبحث عن منابع سِفر التكوين التوراتي، فيضع أمامنا الروايات الأولى لـ"قصة الخلق منابع سفر التكوين"، بكل ما تحمله من اختلافٍ وتَناصٍّ مستنِدًا إلى المكتشفات الأركيولوجية الحديثة عن الحضارات القديمة. ففي التكوين السومري انبثق الوجود من المياه البدئية المظلمة، حين قام إله الريح «إنليل» بالفصل في الماء بين سماء وأرض. وفي التكوين البابلي صنع «مردوخ» كبيرُ الآلهة عند البابليين بساطًا فوق الماء خلطه بالتراب، فأصبح لوحًا صُلبًا فوق المياه وكانت الأرض. أمَّا التكوين التوراتي ففيه أن الله خلق السموات والأرض، بعد أن كان الخراب والظلام يغلبان على العالَم، ورُوح الله يَرفُّ على وجه الماء، فقال الله لِيكُن جَلَدٌ في وسط الماء، وَلْيكُن فاصلًا بين مياهٍ ومياه، فكانت أرض وسماء.وعندما تمكن الإنسان من الابتكار وصُنع جديد، لم يكن من قبل كائنًا، تمكَّنت آلهة السماء من الخلق والتكوين، وعندما تمركزت السلطة على الأرض في يد ملكٍ على رأس دولة مركزية، وأصبحت كلمة الملك نافذةً لا تقبل الإرجاء، قيل إنه في البدء كانت الكلمة. رغم أنه في البدء كان المشاع، والفعل بلا كلام، فلم يكن ثمَّة لغة بعد.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top