2024- 05 - 17   |   بحث في الموقع  
logo "اليوم التالي" في غزة ولبنان: الحرب اقتراح إسرائيل الوحيد logo عملية جديدة لحزب الله logo الجيش: تمارين تدريبية في حقل رماية الطيبة logo الدّفاع المدنيّ ما زال يعمل على محاصرة الحرائق في حرج يارون logo بعد إشكال غزير.. توضيح من وائل عرقجي وإسماعيل أحمد logo القوات الاميركية تنجز ميناء غزة..المساعدات خلال يومين logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم الخميس logo "حربُ استنزاف"... الجيش الاسرائيلي على وشك الانهيار!
الجوائز الأدبية وما بعد الاستعمار
2022-01-26 11:56:08

كان العام المنصرم، عام الأدب الإفريقي. كرر هذا القول أكثر من كاتب وناقد ومعلّق ومحاجج. أتحدث هنا عن الكتابات التي سطرها ناطقون باللغة العربية. وكتب أحدهم: "القارة السمراء استطاعت أن تسجل انتصارات مدهشة على مستوى الجوائز المرموقة في عالم الأدب". وهذا صحيح من جهة أن أكثر من كاتب إفريقي نال جوائز أدبية رفيعة، بما في ذلك جائزة نوبل. قد تكون الصدفة هي التي جعلت الجوائز تنهمر دفعة واحدة على الكتّاب الأفارقة. وقد يكون الأمر على علاقة بالموضة السائدة الآن في أوروبا، والغرب عموماً، والتي تتمثل في الإعلاء من شأن كل منتج، أدبي أو غير أدبي، ينجزه مبدعون غير أوروبيين وتبخيس قيمة ما يفعله الأوروبيون، والأميركيون والكنديون، باعتباره أثراً من آثار الرجل الأبيض، الممقوت. ولم يغب عن الأسطر المهللة لفوز الأفارقة بالجوائز، ذلك اللحن المألوف: الاستعمار وما بعد الاستعمار وذمّ مركزية الغرب.
قيل إن الفائزين بالجوائز "أظهروا مدى قبح السياسات الغربية والقسوة التي تلحق بالحكومات الضعيفة". رحل الاستعمار وولّى وانتهى، في أرجاء العالم كله إلا عند "المناضلين". تجمّد الزمن في تلك المرحلة. مازالوا ينفخون في الكير. والاستعمار في القاموس المستخدم يعني شيئاً واحداً: الأوروبي. حصول الأفارقة على الجوائز الأدبية هو اندحار لهذا الاستعمار أمام الشعوب التي أخذت حريتها. هو أيضاً إزاحة لمركزية الغرب.نعرف، جميعنا، أن هذا محض هراء.
هؤلاء حصلوا على الجوائز، ليس رغماً عن الإستعمار، بل بفضله، وليس بالضد من ثقافة الإستعمار، بل بالتماهي معها. هم نالوا المكانة والحظوة والتقدير، بالضبط لأنهم فضلوا العيش في بلاد المستعمِر وتبنوا ثقافته وكتبوا بلغته. لم يجترح أحدهم أثراً جذاباً بلغة بلده الأصلي. أصول الكتابة والقراءة التي تعلموها وأبدعوا في استخراج مكنونها، كانت ثمرة من ثمار الإستعمار. الكتّاب الذين ينتهجون المسار النضالي، ويبذلون الجهد لإدانة الاستعمار الغربي وتحقيره، ويسعون في تأليف نظريات عن فرادة المنتوج الأدبي الخارج من دائرة الاستعمار، هؤلاء الكتّاب لا يوسعون حدود التعريف ليشمل المستعمِرين في أرجاء الكرة الأرضية: اليابان، الصين، العرب، العثمانيون، الفرس والهنود.هم لا يكترثون للشعوب التي تعرضت (وما زال بعضها يتعرض) لأشكال الإبادة، ولا يأبهون للثقافات التي اقتُلعت من الوجود أو كادت، على أيدي غير الأوروبيين. هذه لا تدخل في الحساب. عبر القرون، كانت أقوام وقبائل وشعوب وممالك وامبراطوريات ودول وحكومات، تغزو بعضها بعضاً. كان الناس يُباعون ويُشترون. كانت هناك غنائم وسبايا وعبيد. في رواية فولتير "كانديد"، تُعرض النساء للبيع في بلدان الشرق. الحرملك الأبيض. والعبيد البيض. الخصيان. كانت هناك تجارة عبيد على أيدي العرب في السواحل الإفريقية، مومباسا وزنجبار وبحر العرب. كان هناك الغلمان الذين يُنتزعون عنوة من أهاليهم أو يُسرقون. تجارة العبيد كانت منتشرة حتى وقت قريب في بعض بلدان الخليج العربي واليمن وموريتانيا. لكن الاستعمار الوحيد الذي يستحق اللعن والشجب والطرد، هو الأوروبي.
كل صنف من صنوف الاستعمار هو شيء سيء. لكن يمكن القول، بالحقائق العيانية، أن الاستعمارالأوروبي كان الأقل شراً.تقول الروائية النيجيرية، شيماماندا نغوزي أديشي، صاحبة الرواية الفاتنة "نصف شمس صفراء"، أن الحكومة النيجيرية طلبت من النساء الكف عن ارتداء الملابس الأوروبية، غير المحتشمة، والعودة إلى اللباس الإفريقي. تقول ساخرة: "لم يكن هناك لباس إفريقي قبل الإستعمار. كانت صدور النساء عارية تماماً. كن يلففن وسطهن وحسب".والروائية، يا جيسي، التي هربت من بلدها غانا إلى الولايات المتحدة ونالت جنسيتها، تسرد بالتفصيل، في روايتها "الرحيل إلى الوطن"، كيف أن القبائل الإفريقية كانت تمارس تجارة العبيد في ما بينها. تغزو بعضها بعضاً. القبائل القوية تسلب وتنهب وتستولي على القبائل الضعيفة وتحول أفرادها إلى عبيد. في ما بعد، كانت تبيع هؤلاء العبيد إلى الأوروبيين. في المشرق العربي، المشانق التي أعدت للوطنيين السوريين واللبنانيين لم يُقمها الاستعمار الفرنسي، بل تركيا. المستعمرون الأوروبيون، رغم استغلالات وهيمنة على مستعمراتهم، رحلوا وتركوا وراءهم: مدارس وجامعات وسكك حديد ومستشفيات ونظاماً تعليمياً وجرائد ومطبعة. وبين ما تركه العثمانيون، مثلاً: الفقر والجوع والمخافر والسجون، ربما هي ليست كل ما تركوه، لكنها لا تخلو من الدلالة. تسربت من الاستعمار الفرنسي إلى اللغة العربية كلمات مثل: البرلمان، شمان دوفير، البكالوريا، الليسيه. أما الإستعمار العثماني فقد ترك مفردات: قاووش، جاويش، سفربرلك.
مركزية أوروبية: لم لا؟
الغرب يُقدّم كمركز للعالم، لأنه كذلك بالفعل. القارات الأخرى تعيش على ما يقترحه وينتجه ويبتكره هذا المركز. الجوائز الأدبية التي نالها الأفارقة، من يد المركز الأوروبي، الغربي في عموم القول، هي وجه من وجوه تفوق المركز الأوروبي على غيره. هو الإستعمار الوحيد الذي يندفع إليه مَن كانوا مُستعمَرين زرافات ووحداناً. هو الإستعمار الذي اعتذر عن الموبقات التي رافقت مسيرته، فيما آخرون يعتزون بالجرائم التي ارتكبوها وما زالوا يرتكبونها. استعمار هيّأ الفضاء الحر للكتّاب الأفارقة، وغير الأفارقة في حقيقة الأمر، كي يفصحوا عما يدور في أعماقهم. وول سوينكا، شينوا آتشيبي، عبدالرزاق قرناح، نور الدين فرح، شيماماندا أديشي، بن أوكري…الخ، هؤلاء أبدعوا بفضل المركز الغربي. نالوا الجوائز القيمة، وهي جوائز أوروبية، وهم يرفضون أن يتزحزحوا من مناطق إقامتهم في عواصم الاستعمار الغربي. ما زالت تركيا حتى هذه اللحظة، أي لحظة كتابة هذه السطور، تحرِم أكثر من عشرين مليون كردي من التعلم بلغتهم، دع عنك كتابة روايات بها. الإنصاف يقتضي الاعتراف بجميل الاستعمار الأوروبي، الذي رحل عن بلادنا منذ زمن طويل.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top