بين التنظير الإعلامي والتحليل السياسي لطارئين في الكار التلفزيوني وطامحين لجوع الشهرة المتخم، ضاع اللبنانيون وهم يترقبون يومياً اخبار التشكيلة الحكومية "ويتحزرون" اذا كانت "قمحة" او "شعيرة"، فدخل المواطن رغماً عنه بازار التحليل والتنبؤ واستقراء الغيب يدّل هذا على ان روح اللبناني باتت معلّقة بتشكيل الحكومة التي يأمل منها ان تضع حداً لمعاناته اليومية المتراكمة منذ سنتين نتيجة الفساد المستشري منذ ثلاثين سنة بسبب سوء السياسات الحكومية .
وحده رئيس الجمهورية ميشال عون بقي متوازناً ومتماسكاً ومتفائلاً ومدركاً لا ينتظر علم الغيب ولا علم التبصير لأنه يكاد يكون الوحيد من بين هذه الطبقة السياسية التي تملك قرارها الحر وبالتالي تملك توقيت الحلول المناسبة وتحفظ احترام الدستور في الوقت عينه.
من يراقب مسار الحملات الإعلامية منذ تسلّم ميشال عون سدة الرئاسة وذروتها منذ ثورة ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ المزعومة والتحوير والتضليل الإعلامي اللذان تمارسهما بعض وسائل الإعلام يخيّل الى اي مراقب للأحداث ان الرجل سيقوم بحزم امتعته ويغادر قصر الرئاسة الذي لم يجلب لعون سوى "وجعة الراس" "والهّم" "والغم". لكن ميشال عون وفي عزّ الهجوم عليه يصّر على بث التفاؤل في نفوس اللبنانيين عموماً والعونيين خصوصاً.
ففي بداية الحملات المكثفة ضعفت الى حدٍ ما اعصاب مناصريه وان لم يتخلوا عن تأييده ومناصرته في الأوقات المرّة قبل الحلوة وتسلّل الخوف الى قلوب البعض منهم مخافة ان تنال الشتائم والإنتقادات والحملات من هالة الرجل وتاريخه. لكن مع توالي الأحداث وثبات مواقف الرئيس عون وعزيمته "وقوة ركابو" تمدّد هذا التفاؤل والإيمان من جديد وبقوة اكثر من ذي قبل الى نفوس العونيين الذين تبيّن وان لوت اغصانهم قليلاً في مرحلةٍ ما فإنهم لا ينكسرون ولن ينكسروا لأن اوجاعهم وان نالت منهم قليلاً الا انها في نهاية الجلجلة تصقلهم كما تصقل النار الذهب فيعودون اكثر بريقاً ووهجاً وجمالاً.
اثبت العونيون ومعهم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل انهم من طينة الرجال الرجال المعجونون بالوفاء والإخلاص لا تغرّهم الأموال ولا تنال من عزيمتهم مقدمات الأخبار الموبوءة ووقت الحقيقة والجد لا يبقى في الميدان غير حديدان "جبران" للطلب منه التدخل للتسهيل كونه يتقن قراءة "الممحي" وابداء المرونة حيث يجب والشدّة حيث تدعو الحاجة وهذا ما حصل في عملية تشكيل الحكومة.
نجح عون ومعه التيار في رفع ذريعة التعطيل عنه ووقّع حكومة العهد الأخيرة التي قد تكون المدماك لترشيد ذهنية حكم مقبل وتفعيل اي عهدٍ قد يأتي لاحقاً تاركاً من خلفه شاشات فارغة وتحليلات خنفشارية يجهد اصحابها في اصطياد ثلث معطّل طائر من هنا او ثلث ضامن مضمر من هناك وهو يكمل عهده يحلّق عالياً فوق تفاهات البعض منهم وتحليلاتهم اللي "بتسوّد الوّج".