الصيغة التي حملها الرئيس المكلف الى فخامة الرئيس عون رسمت خريطة لتوزيع الحقائب الوزارية على المكّونات الطائفية، مؤلفة من 24 وزيراً، بلا وزراء دولة، بحيث تضم الى رئيس الحكومة، نائب رئيس مجلس وزراء بلا حقيبة، و22 وزيراً بحقائب.
و أن كل ما حكي عن أن حكومة ميقاتي ستضم 6 أو 4 وزراء دولة غير صحيح، وتؤكد أنها ستكون كلها تكنوقراط، مهمتها واضحة: إصلاحات، إنقاذ و إنتخابات.
وأدخل الرئيس المكلف على ما يبدو تعديلات في ما يخص موقع نائب رئيس الحكومة، بحيث لم يعد المرشح منتمياً الى كتلة النائب السابق سليمان فرنجية كما كان الحريري يقترح، وهو ما كان يستفز فخامة الرئيس. أما في ما يتعلق ببقية
الحقائب، فيقترح الرئيس المكلف تركيبة لا تغضب أحداً، لكنها لا تترك المجال لجهة واحدة للتحكم بالحكومة.
ثم وضع الرئيس المكلف رؤساء الحكومات السابقين في أجواء لقائه مع فخامته، حيث التقاهم في منزله فور عودته من بعبدا، بناءً على إتفاق مسبق معهم بأنه سيوافيهم بها أولاً بأول، في محاولة لطمأنتهم بالتزامه بيانهم قبل التكليف...
وأشار مقربون من نادي رؤساء الحكومات الى أن هناك قراراً واضحاً في حال منع الرئيس المكلف من التأليف بالقيام بحملة
مضادة. فإذا تبيّن بأن خطة فخامة الرئيس و صهره باسيل شعارها لا لأي رئيس مكلف قوي، فإن حملة سياسية مضادة حينها ستنشأ في وجههما وعنوانها "لا للرئيس عون".
أشار الرئيس سعد الحريري (في مقابلة مع "سكاي نيوز عربية") إلى شعوره بالندم بشأن التسوية التي أوصلت عون إلى رئاسة الجمهورية، قائلاً: "لم أكن أتوقع بحياتي أن يكون بهذه النفسية، لكنني وافقت على التسوية و مشيت بها لوقف الإنهيار والإقتتال". وبيّن أنه اعتذر عن تشكيل الحكومة، لاقتناعه بأن الأمر أصبح شخصياً مع عون. وأوضح أن المشكلة قائمة في تطبيق الدستور طالما هناك حزب مسلح وحزب آخر يفسر الدستور بحسب مزاجه السياسي.
وفي ما يتعلق باتفاق الطائف، قال الحريري: "نحن ضد تغيير إتفاق الطائف، لكن مواقف الأحزاب المسيحية من ميشال عون إلى سمير جعجع، للأسف هي لتثبيت الفراغ".
من جهة أخرى قال رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل (في مقابلة تلفزيونية مساء أمس) في أول إطلالة له بعد تكليف الرئيس نجيب ميقاتي: "ميقاتي شخصية ناجحة على المستوى الشخصي وقادرة، وحرام أن يدخل الى هذه التجربة من دون أن يخرج مخلصاً للطائفة السنيّة وكل الطوائف، ولا أرى سبباً لعدم تشكيل الحكومة أو يعرقل التشكيل قبل الرابع من آب"،
معلقا "شايفها مسهّلة". ً
أما إذا "أتى الرئيس ميقاتي لا سمح الله بالمسار نفسه الذي سار فيه الحريري على قاعدة تفشيل عون وعدم تأليف حكومة في عهده، ما رح نقعد نتفرج ولدينا خيارات كثيرة. وإذا كان لا بد من نصيحة للرئيس المكلف، فهي ألا يتحول إلى ضحية خامسة للحريري بعد الصفدي والخطيب وطبارة وأديب".
وقال: "نحن كتيار لن نقبل تكرار تجربة الإنتظار وحرق البلد أكثر ولدينا خيارات كثيرة"، معلّياً سقف المواجهة بالقول: "إذا لم نكن قادرين على قلب الطاولة فلا نجلس إليها ولا نجلس عندئذ حتى الى طاولة مجلس النواب فلدينا خيارات عديدة كالإستقالة، علما أنها غير مجدية. وأكثر من ذلك لكن "ما حدا يفكر إنو في يحرقنا بلا ما نحرقو"، ليضيف: كرمال التدقيق الجنائي حرقو دين البلد.
في الكواليس كثير من التفاصيل حول استياء رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل من موقف حزب الله
المستجد، خصوصاً وأنه كان تبلغ سابقاً من حزب الله أن خيار ميقاتي ليس جدياً.
لقد بدا التيار الوطني الحر متفاجئاً بما حصل، وعلى أساس أن ما حصل جاء على حساب الأهداف السياسية التي كان يتوخاها من الحكومة. فهو كان يهدف الى وصول شخصية حليفة كلياً له، يستطيع معها أن يتحكم بالإستحقاقات الكبيرة التي من المفترض أن تشهدها السنة الأخيرة من ولاية الرئيس ميشال عون.
"الصدمة" التي تلقاها باسيل، انعكست سلوكاً سياسياً متخبّطاً، مرة بالتلويح بتسمية نواف سلام الذي أبدى رفضه إستخدام إسمه في سوق المزايدات السياسية، ومرة أخرى بتوجيه إنتقادات قاسية الى حزب الله في الكواليس المغلقة. لكن حزب الله يدرك أن هامش التيار الوطني الحر لم يعد واسعاً، خصوصاً وأن الانتخابات النيابية اقتربت، وأن إنقاذ هذا التيار هو بيد حزب الله.