من الواضح أن إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل أيام، ومن دون مناسبة، أملتها ضرورات الرد على النائب جبران باسيل ودعوته نصرالله، بعد الإستعانة به كصديق، للتدخل في موضوع الحكومة ولممارسة دور الحكم لأنه موضع ثقة ويؤتمن على الحقوق... ولما كان طلب باسيل جاء علنياً وعبر وسائل الإعلام، فإن الجواب عليه من قبل نصرالله حصل بالطريقة نفسها، مع أن "السيد" لا يستسيغ التحاور والتساجل مع حليفه عبر وسائل الإعلام، وكان نصح سابقاً بإبقاء النقاشات والتباينات ضمن الغرف المغلقة. ولكن باسيل لم يأخذ بهذه النصيحة وأخرج التباين الحكومي الى العلن تعبيراً عن ضائقة يعشر بها جراء مبادرة بري المدعومة من حزب الله، والتي ضيقت الخناق عليه...
عمل السيد حسن نصرالله على صياغة رد مدروس ودقيق يوازن فيه بين المصالح السياسية والموجبات الأخلاقية،
وبين علاقتين تحالفيتين واحدة مع بري وأخرى مع عون، مع الأخذ في الإعتبار علاقة مرحلية جيدة مع الرئيس سعد
الحريري... وفي المحصلة، فإن هذا الرد لا يخذل باسيل ولكن لا يرضيه أيضاً. فقد أعطاه في الشكل مع إبداء التفهم لما
طلبه ورد التفسيرات الخاطئة والمفتعلة التي أساءت الى مقصده... ولكن جواب نصرالله لم يعط باسيل أي شيء مما
طلبه، وكلامه لم يقدم جديداً ولم يغير شيئاً، وحيث ما زالت الأزمة الحكومية المفتوحة خاضعة لأحكام مبادرة بري
ولقواعد اللعبة المطبقة منذ 7 أشهر: لا تأليف ولا إعتذار ولا سحب للتكليف... ولا تدخل من جانب حزب الله ولا فرض لشروطه على طرف لمصلحة آخر.
شكر نصرالله باسيل على الثقة عندما قرر الإستعانة به كصديق و سماه شخصياً، وأظهر إستياءً وانزعاجاً من الحملة
التي ُشنت على باسيل بسبب ذلك واللغة الطائفية العنصرية التي استُخدمت من رؤساء أحزاب ونواب وإعلاميين...
ودافع نصرالله عن باسيل وقال إن الرجل لم يفوضه بحقوق المسيحيين، ولم يستخدم كلمة تفويض وليس في طلبه تسليم أمر... وكان واضحاً في أنه يستعين بصديق ونحن سبقناه الى الإستعانة بصديق وهذا طبيعي. وأعلن نصرالله أنه سيلبي الدعوة بمد يد المساعدة والدفاع عن حق كل لبناني له حق...
مقابل هذه الإيجابيات والإشارات المريحة، أطلق نصرالله ما يكفي من إشارات تفيد بأنه باق عند موقفه الحكومي،
وأن لديه الكثير من التحفظات والإعتراضات حيال ما ورد في دعوة "باسيل"، أو إزاء الأداء الإعلامي السياسي للتيار الوطني الحر:
رفض نصرالله ما قاله باسيل "نقبل بك حكماً"، معلنا أنه لا يستطيع القيام بدور الحكم، لأن الحكم يحتاج الى قبول الطرفين وتفويض وتسليم الطرفين، وهذا الأمر غير موجود وغير مطروح...
غمز نصرالله من قناة باسيل مرتين: مرة بطريقة مباشرة عندما غالطه بشأن كلامه عن المثالثة إستناداً الى صيغة الـ3 تمانات في حكومة الـ24 ،مبيناً الخطأ الذي جرى فيه الكلام عن صيغة الـ"3 تمانات" وهي غير موجودة. فلا الطاشناق ولا إرسلان يحسبان من حصة التيار الوطني الحر، ولا "المردة" والقومي يُحسبان من حصة الثنائي الشيعي،
ولا جنبلاط يُحسب من حصة الحريري... ومرة ثانية بطريقة "مواربة" عندما أبعد عن باسيل تهمة الإيقاع بين الحزب والحركة، وقال بطريقة من يثني وينبه في آن: "لم يخطر في بالي ولا لحظة أن باسيل عندما أطلق هذه الدعوة أنه يريد الإيقاع بين حزب الله وحركة "أمل" على الإطلاق، لأنه هو يعرف طبيعة العلاقة بين الحزب والحركة، وهذا الأمر
تناقشنا فيه طويلاً أنا وهو في الجلسات الداخلية، وباسيل على ما أعرفه هو أذكى من أن يقدم على خطوة من هذا النوع.
أسدى نصرالله الى باسيل وبأسلوب حازم وجامد، نصيحة بأن لا يتعاطى معه على قاعدة "أقبل ما تقبل به أنت لنفسك"، وقال نصرالله مخاطباً باسيل: "لا أنصح أحدا أن يتعاطى معنا على قاعدة أقبل ما تقبلون به لأنفسكم، لأن ظروفنا وأولوياتنا وموقعية حزب الله مختلفة. ولذلك لنا سياسات معينة وسلوك معين، أكان ما يتعلق بالإنتخابات أو
التمثيل في الحكومة والإدارة والسلطة، ولا توجد قوة سياسية في لبنان تمتلك حجماً مشابهاً لقوة حزب الله وتقبل لنفسها ما يقبل به هو. لذلك، لا نريد أن نعالج الملف على هذه القاعدة".
أبدى نصرالله التذمر الشديد من مواقف صادرة عن التيار الوطني الحر تتهم حزب الله بأنه يقف في الأزمة
الحكومية على الحياد، وبما معناه أنه لا يقف الى جانب الرئيس عون وتياره في هذه معركة الحكومة مثلما فعل في معركة مكافحة الفساد. وهنا يذ كر نصرالله بمحطات عدة وقف فيها الى جانب عون
(تأكيده، وفي سياق رده على خطاب ماكرون، على شراكة رئيس الجمهورية في تأليف الحكومة كأهم صلاحية ُحفظت له في دستور الطائف، وعدم تسمية الحريري في استشارات التكليف، ورفض الحزب إعطاء الرئيس والتيار 4 وزراء فقط، وإبلاغ هذا الموقف للرئيس المكلف) ...
في النتيجة، يقرر نصرالله، المستاء من تزعزع ثقة التيار به، شكل المساعدة لباسيل رداً على طلبه وتختصر بإكمال الجهد الذي بدأ وفي إطار مبادرة بري وعلى أساس تفاهم رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.
كان لافتاً أن يظهر عدم الإنسجام في موضوع الحكومة بين بايسل ونصرالله، وأنهما ليسا على موجة واحدة، وأن يخرج خلافهما من الغرف المغلقة الى الرأي العام... وكان لافتاً أيضاً، وفي مجال آخر، حديث أمين عام حزب الله،
وللمرة الأولى بشكل مركز، عن العلاقة بين حزب الله والجيش اللبناني، وحتى لو جاء هذا الحديث إيجابياً، ومن باب التأكيد على دور الجيش والثقة به وبقدرته على الوقوف في وجه التحريض الأميركي، لأنه جزء من المعادلة الذهبية (جيش، شعب، مقاومة) ولديه عقيدة وطنية، ولأنه مؤسسة عسكرية تابعة للسلطة السياسية وليس سلطة قائمة بذاتها...