"إفتعل" الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إطلالة إعلامية، بعد أسبوعين على إطلالة أثارت بلبلة وتساءلات بشأن وضعه الصحي، لدحض كل الشائعات والتكهنات، والعودة الى الشاشة والجمهور وهو بكامل صحته.
وقد نجح في تحقيق هذا الهدف المباشر "للإطلالة الصحية"، ولكنه لم ينجح في إعطاء إجابات شافية بشأن الملفات
والأزمات الداخلية، وحيث بدا على درجة كبيرة من الإستياء والتذمر من الأداء الرسمي السياسي والأمني، والإخفاق في
إدارة الأزمة، وبدا في حالة عدم اليقين إزاء موضوع الحكومة وما ستؤول إليه مبادرة الرئيس نبيه بري والمهلة التي تستغرقها، مع الإيحاء بأن الأزمة طويلة والنصح بعدم اليأس... أما المسألة التي كان فيها السيد نصرالله واضحاً
وحازماً، فهي المتعلقة بالانتخابات النيابية عندما أكد "أن الانتخابات النيابية يجب أن تجري في موعدها أيًاً تكن
الظروف. وهذا موقفنا الحاسم". وبقدر ما كان قاطعاً في التأكيد على "انتخابات في موعدها"، كان حازماً في قطع الطريق على الانتخابات المبكرة. ولكن ما لفت أن أمين عام حزب الله مرر إشارة سياسية بدت تعني وتستهدف النائب
جبران باسيل الذي كان لوح بورقة الإستقالة النيابية والذهاب الى انتخابات مبكرة...
وقال نصرالله: "بدل أن تتحدث القوى السياسية عن إجراء انتخابات نيابية مبكرة، فلتتفضل وتشكل حكومة...
الانتخابات المبكرة ملهاة ومضيعة للوقت، ولن تغيّر في المشهد السياسي".
عشية "خطاب عيد المنار"، كان باسيل مرر إشارة سياسية معبّرة قال فيها: "ليس طبيعياً أن يكون هناك سلاح غير سلاح الجيش اللبناني، وأن هذا وضع إستثنائي يجب أن لا يستمر... واتفاق مار مخايل نجح في منع الفتنة وفشل في بناء الدولة"... ويدأب باسيل على التذكير بـ"الفشل في بناء الدولة"، مع أن نصرالله يزعجه هذا الكلام وعبّر عن
إنزعاجه (في خطاب القادة الشهداء منتصف شباط الماضي) قائلاً: "نحن لا نوافق على الطريقة التي تخرج بها بعض التصريحات الى العلن من قبل بعض مسؤولي التيار ونعتبرها أنها لا تخدم بل تقدم مادة للمتربصين والشامتين". واعتبر نصرالله أن "البيان الأخير للتيار فيه الكثير من الإيجابيات لكنه عندما قال إنه فشل في بناء الدولة، فقد تم استخدام هذه العبارة من قبل المتربصين لهذا التفاهم، نحن ننزعج من هذه الطريقة وإذا كان لدينا أي نقاش مع أي فريق نفّضل أن نناقش داخليا".
إن خرق السيد نصرالله لمبدأ إبقاء التباينات مع التيار الوطني الحر داخل غرف النقاشات المغلقة، واضطراره من حين الى آخر الى توجيه إنتقادات علنية وصريحة الى التيار وقيادته، يعني أن هناك خللاً أو "عطباً ما" أصاب العلاقة التحالفية بين التيار والحزب. وهذه المشكلة يمكن أن تكون ناجمة عن خلل في آليات التواصل والتنسيق، ولذلك جرى قبل أشهر الإتفاق على آلية جديدة عبر لجنة ثنائية تعمل على مراجعة وتطوير"التفاهم" على ضوء التطورات والمستجدات، ولكن هذه اللجنة لم تجتمع حتى الآن. ويمكن أن يكون الخلل ناجماً عن المتغيّرات التي حصلت منذ عامين
وألقت ظلالاً من الشكوك على جدوى التفاهم والإستمرار به، وحيث أن نقطة الخلاف التي يجاهر بها التيار تتعلق بمشروع بناء الدولة وعدم إنخراط الحزب في عملية إنجاح هذا المشروع. والمقصود بهذا الطرح أن حزب الله يتحمل مسؤولية ما لحق بعهد الرئيس عون من خسارة وإخفاق في إنجاز ما وعد به، وتحديداً في مشروع بناء الدولة ومكافحة الفساد لأن الحزب إستمر في تغطية حلفائه الذين صودف أنهم في الوقت ذاته هم خصوم العهد. والمقصود أولاً
بهذا الكلام الرئيس نبيه بري الذي يُعتبر نقطة خلاف أساسية بين الحزب والتيار. ولكن حزب الله ليس وارداً عنده مجابهة بري والإصطدام به وتعريض الإستقرار في الطائفة الشيعية للخطر، ولا يقبل أن يوضع أمام خيار المفاضلة بين عون وبري...
الموقف من الرئيس سعد الحريري والملف الحكومي نقطة خلاف ثانية. لأن الحزب لم يؤيد عون في موقفه الرافض لعودة الحريري الى رئاسة الحكومة ويفضل الحريري "الزعيم السنّي الذي يتواصل ويتعاون معه". وبالتالي، فإن
الحزب لا يجاري عون وباسيل في الموقف الداعي الى إحراج الحريري وإخراجه ودفعه الى الإعتذار... حتى أن الحزب يمتنع عن ممارسة ضغوط على الحريري لحمله على التنازل لمصلحة عون ويعمد الى تفّهم ظروفه ويقيم توازناً دقيقاً
بين الحريري وعون. وحتى في مسألة تحديد المسؤوليات وتحميلهما معاً مسؤولية ما هو حاصل من تأخير، ولا يقبل نصرالله أن يوضع في هذه المرحلة أمام معادلة الخيار بين باسيل والحريري.