المنقوشة بـ 500 ليرة والكعكة بـ 250 و 10 أرغفة خبز (أبيض وأسمر) بـ 1000 ليرة. هذه العبارات لم نعد نقرأ مثلها أو نسمع عنها في طرابلس وكل المناطق اللبنانية إلا عند “أبو ديب المصري” في سوق العطارين بالقرب من المسجد المنصوري الكبير في طرابلس.
في أفران أخرى وصل سعر منقوشة الزعتر إلى 3000 ليرة وأكثر والكعكة الواحدة إلى ألف أو أكثر. كل الناس دولارها صار بـ 13 ألفاً إلا أبو ديب المصري فدولاره على ذوق الفقير في المدينة. يوضح محمد، وهو أحد الزبائن الموجودين كان ينتظر طلبيته من الخبز والكعك، أنه سمع عن أبو ديب على الفايسبوك ولم يصدق الأمر، حتى زار الفرن ورأى بنفسه، ويقول “إنها أسعار لا تصدّق في هذا الزمن وحتى أيام الدولار 1500 لم تكن الأسعار في باقي الأفران بهذا الشكل .. الله يعوض عليه وفعلاً طرابلس أم الفقير”. في هذا الفرن العتيق والعريق، تجد زحمة الناس التي تبحث عن الرحمة في البيع كلها في مكان واحد هو فرن أبو ديب المصري الذي يعمل على الحطب، في الأسواق القديمة بطرابلس. ولا يردّ أبو ديب أحداً خائباً، فكل من أتى إليه حصل على مراده بأقل الأسعار. هذه كانت أسعاره قبل الأزمة، لكنه الآن يصرّ على تثبيت الأسعار كما هي من دون أي زيادة تذكر، بل دوّن ذلك على أوراق علّقها على جدران الفرن.
يقول صاحب الفرن لـ “نداء الوطن”: “هذه مصلحتنا أباً عن جدّ. فمن 100 سنة كان هذا الفرن لجدّي ثم لأبي ثم وصل إليّ”.
ويضيف “اليوم في هذه الظروف الصعبة من لا يَرحم لا يُرحم. صحيح أنّ هناك ضائقة كبيرة مع الناس، لكن على الناس بالمقابل أن تشعر مع بعضها، كل شخص في مهنته عليه أن يشعر بالآخرين .. أنا لست راغباً بجمع المال وتحقيق الأرباح الكبيرة بقدر ما أبحث عن السترة والإستمرار ضمن المعقول”.
ويستأنف أبو ديب المصري حديثه بالقول: “عندي 8 عائلات تعيش من هذا الفرن وكلهم راضون بالمعقول والحمد لله رب العالمين.. للأسف هناك استغلاليون للأزمة طبعاً، لكنني وعن خبرة أؤكد أن من أراد أن يمشي بحق الله يستطيع ذلك والله يوفقه، المهمّ أن يبتعد عن الجشع والطمع والربح الكبير غير المبرر بحجة الأزمة… هناك كثيرون يتضايقون وينزعجون مما أقوم به ولكنني لا آبه إلا للناس فأنا منهم من هؤلاء الفقراء المساكين، من أبناء طرابلس المحبة، وأشعر بهم وبوجعهم، وأنا على قناعة تامة أنني طالما أنا أسير على هذه العقيدة فإن الله لن يضيّعني”. ويستطرد أبو ديب المصري للحديث عن فرنه ويقول “أول منقوشة خرجت من طرابلس من هذا الفرن الذي يعمل على الحطب فقط… الحمد لله هناك إقبال كبير كان في كل الأوقات وزاد أيضا لأننا استمرينا على نفس النهج … كلما رخّصت كلما زاد الطلب. أنا مستمر ضمن هذه اللائحة من الأسعار وأعرف أن هناك منقوشة زعتر صارت بـ 3000 ولكنني وطالما ربنا عم يساعدني أنا مكمل ولن أرفع أسعاري”. ويؤكد أنه “مستعد لإقفال الفرن ولا يرفع الأسعار عما هي عليه الآن … الله عم يرزقني وأحضّر لافتتاح بيت نار جديد للكعك بحليب وكعك الشاي والحمد لله الأمور جيدة على العموم… وأوجّه نصيحة للجميع أن يتقوا الله في الناس، فهذه أزمة وتمرّ وقد مررنا بأزمات قاسية في 73 وثورة شمعون، هذه الأزمة مثل أي أزمة لكن بالنهاية تبقى طرابلس أم الفقير ولبنان يبقى بلد العيش الكريم … عيشوا بالمعقول حتى تمر الأزمة وستمر بإذن الله المهم أن نتراحم في ما بيننا ومن يتّقِ الله يجعل له مخرجاً”.