أزاح نقيب المهندسين، جاد تابت، عن صدره كل أداء مجلس النقابة بمختلف أحزابه ومكوّناته السياسية، الذين عطّلوا على مدى أكثر من عام الانتخابات النقابية في ست مناسبات ومواعيد مختلفة. أوصلت القوى السياسية نقابة المهندسين إلى الحضيض، إذ بات مجلس نقابتها غير شرعي، ويتّخذ قراراته من دون صفة نقابية، خصوصاً إن كان القرار يقضي بنسف الانتخابات وتمديد عمل المجلس الحالي، الذي فجّر الاجتماعات المتلاحقة للبتّ في تنظيم الانتخابات من خلال فقدان النصاب حيناً وطرح البدع الانتخابية حيناً آخر. بات تابت اليوم، حسب ما يقول، على قاب قوسين من الاستقالة. لوّح بها خلال مؤتمر الصحافي اليوم معلناً العجز عن التعامل مع ممثلي المنظومة أو أغلب ممثليها على الأقلّ.استقالة أو استقالاتوقال تابت، اليوم، أنه "بعد الذي حصل والذي لم يسبق له مثيل في تاريخ نقابتنا، لا يمكن لي أن أبقى شاهد زور أمام شلّ مجلس النقابة وتعطيل العملية الانتخابية وحجز حق المهندسين في التعبير الديموقراطي والتمديد الاعتباطي لمجلس نقابة انتهت ولاية ثلثي أعضائه بعد أن زالت مفاعيل القوة القاهرة التي كانت تمنع إجراء الانتخابات". وقال إن إجراء الانتخابات يستوجب إما حكماً قضائياً أو "استقالة ثلثي اعضاء مجلس النقابة وهذا غير متوافر إلى الآن"، وإذا لم يتوفر ذلك خلال الاسابيع القليلة المقبلة "لن يبقى لي سوى تقديم استقالتي من منصبي كنقيب للمهندسين". إلا أنه يسجّل على تابت في الوقت نفسه أنه لم يلجأ إلى التصويت في الجلسة الأخيرة، وترك الأمور تتّخذ هذا المنحى. فكان همّه اليوم رفع المسؤولية عن نفسه خصوصاً أنه فعلياً وطوال السنوات الماضية كان وحده في مجلس النقابة يقاتل كتل وتحالفات سياسية. ويبقى أن استقالة تابت، إن تمّت، يعني وضع كامل النقابة ومجلسها بيد أحزاب المنظومة الحاكمة.عرض إلغاء الانتخاباتواستعرض تابت اليوم السياق العام لعملية تأجيل الانتخابات منذ آذار ونيسان 2020 إلى اليوم، مشيراً إلى الظروف الصحية التي فرضها وباء كورونا، وإلى قانون تعليق المهل، إضافة إلى طعن مقدّم من قبل أحد المهندسين. وبعد الانتهاء من كل المفاعيل القانونية والصحية، توضّح للمهندسين عموماً، ولتابت أيضاً، أنّ المطلوب تأجيل الانتخابات مع استمرار طرح ذريعة كورونا، أبرز المحور السياسي المؤلف من ثنائي حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني حجة إضافية للتعطيل، وهي المطالبة بإجراء الانتخابات في مراكز النقابة في المحافظات. وهو ما عطّل جلستين لمجلس النقابة لبتّ أسماء المرشحين وتعيين لجنة الإشراف على الانتخابات، وكان آخر هذه الاجتماعات مساء الأربعاء، واستمرّ لأربع ساعات.الهدف: تأجيل الانتخاباتوقال تابت بشكل واضح إنّ النتيجة الوحيدة للاقتراح الأخير "تأجيل الانتخابات للمرة السابعة وإلى أجل غير مسمى. وهذه المرة ليس لأسباب خارجة عن إرادة النقابة بل بملء ارادتها". وصف الطرح بـ"الحل المرتجل" وأنه سينتج عنه طعون. وذكّر بأنه سبق وتم تقديم هذا الطرح عام 2011 "وتم الصرف النظر به بسبب تعارضه مع بنود النظام الداخلي، وتعذّر تأمين الآليات التي تضمن سلامة العملية الانتخابية والشفافية المطلوبة، أكان بالنسبة للقدرات البشرية في النقابة أو بالنسبة لتسجيل الاقتراع على لوائح الشطب في كافة الصناديق الموزعة على المناطق، أو بالنسبة لكيفية الإشراف الكامل على سلامة العملية الانتخابية من قبل اللجنة المشرفة المحددة في النظام، لتلافي الإشكالات والاعتراضات، أو بالنسبة لفرز الصناديق والاعلان عن النتائج كما هو محدد في المادة 4ـ3 من النظام الداخلي".التعطيل والتزويرفي خلاصة المشهد، كما يقدمّه العديد من المهندسين الناشطين في جبهة "النقابة تنتفض"، وكما صدّق عليه النقيب جاد تابت، كانت النيّة من الأساس تأجيل الانتخابات. بعد انتفاء الذرائع الصحية والقانونية، خرجت ذريعة الاقتراع في المحافظات (أي في بيروت، الضبيه، زحلة، صيدا والنبطية)، والذي يعلم طارحوه أنه يستوجب استعدادات لوجيستية ضخمة ومكننة ولجان رقابية تفوق قدرة النقابة حالياً. ولو تمّت المصادقة على هذا الطرح، لكان الباب قد فُتح واسعاً أمام كمّ التجاوزات الانتخابية. إذ تكون أحزاب هذه السلطة والطوائف تلعب فعلياً على أرضها وبين جمهورها. فيحلو لها ممارسة الضغوط أو حتى التلاعب بنتائج الانتخابات في المحافظات. فوضعت السلطة المهندسين أمام خيارين، إما تأجيل الانتخابات أو تزويرها، فحصل التعطيل. وفي المحصّلة، فرضت هذه الأحزاب التعطيل ونالت مبتغاها. إذ تعلم قبل بدء السباق الانتخابي في النقابة أنّ أرقام مجموعات 17 تشرين قياسية في هذه الدورة. وما التعويل على التأجيل المتلاحق للاستحقاق الانتخابي سوى محاولة لإحباط هذه المجموعات وانتزاع الزخم منها خصوصاً أنه كان يفترض إجراء الانتخابات في آذار 2020 أي في عزّ حركة الناس ونشاطها واعتراضها على المنظومة الحاكمة.
بالنسبة لمئات المهندسين الناشطين في "النقابة تنفتض"، ما تمّ إنجازه إلى اليوم على مستوى مواجهة المنظومة الحاكمة في نقابة المهندسين كافٍ لإسقاط هذه الأحزاب. "لا نستوعب حجم وقاحتهم" يقول بعضهم، وبالنسبة لبعض آخر قد يبدو وقع عبارة "وقاحة" طفيفاً لوصف ما حصل. فهذه المنظومة، قتلت اللبنانيين وهجّرتهم منذ عام 1975 وصولاً إلى 4 آب 2020. سرقت أموالهم وودائعهم ودولتهم على مدى عقود، أدارت مؤسسات وهيكليات للتوظيف السياسي والفساد المالي. فلن تعجز عن تطيير انتخابات نقابية. وفي عنوان التعطيل، اسم ثلاثي يبرز مجدداً، "حزب وحركة وعونيون"، ولمعرفة نتائج حكمه لا بدّ من النظر إلى الواقع العام للبلد.